كتاب عربي 21

الغزو العلماني لتركيا المسلمة

محمد عمارة
1300x600
1300x600
إن صعود المد الإسلامي في تركيا المعاصر، حتى على المستوى السياسي وسلطة الدولة ومؤسساتها، إنما يمثل درسا وعظة وعبرة لعموم العلمانيين على امتداد عالم الإسلام.

فرغم توحش النموذج العلماني الذي طبقه كمال أتاتورك (1881 - 1938م) بحد السيف، والذي بلغ في التوحش العلماني حدا فاق فيه العلمانية الفرنسية، وضاهى فيه العلمانية الشيوعية (المادية والملحدة)، إلا أن هزيمة الإسلام لهذه العلمانية الأتاتوركية المتوحشة، هو درس بليغ يقول لكل العلمانيين بأنه لا مستقبل للعلمانية في أي وطن من أوطان الإسلام!

لقد بدأت الدعوة إلى العلمانية في تركيا مع حكم "جمعية الاتحاد والترقي" (ذات الأصول اليهودية والماسونية)  في عام 1908م، وذلك عندما كتب الصحفي "حسين يالجين" في صحيفة "طنين"، التي كان يرأس تحريرها،  فقال: "إنه آن الوقت لأن نفكر جديا في اقتباس العلمانية، حيث أن الغرب لم يتقدم إلا عندما مزق سيطرة الكنيسة وسيطرة رجال الدين المسيحيين".

ولأنه قد خلط بين الإسلام والمسيحية، وبين علماء الإسلام والكهانة الكنسيةـ، وهو الخلط الذي لا يزال العلمانيون يصنعونه حتى الآن، فلقد انبرى منذ ذلك التاريخ للرد على دعواه علماء الإسلام، وفي مقدمتهم الرجل الذي أعده القدر لحراسة الإيمان الإسلامي، وهزيمة التوحش العلماني، بديع الزمان النورسي (1294 - 1379 هـ، 1877 - 1960م) الذي كتب قبل قرن من الزمان يقول:

"ليس في الإسلام طبقة الرهبان، وذلك لأن النص الوارد في أنه "لا رهبانية في الإسلام" يشكل قاعدة رئيسية من قواعد تفكيرنا، ويجب أن يكون كذلك في الواقع أيضا. لا يوجد عندنا رهبان، ولكن يوجد عندنا المرشدون والدالون على الطريق الصحيح. وليس من الجائز أبدا القيام بإجراء مقارنة بين التصوف الإسلامي وبين المذاهب المسيحية وطوائفها المختلفة، بل يستحيل ذلك، ذلك أن الإسلام نظام كامل للحياة، فشريعتنا لم تدع وظائفنا التعبدية شيئا نظريا وأمرا منفصلا عن الحياة، فلا يبقى هناك في أيدينا سوى شيء نظري، بينما تكفل الإسلام للذين يفتخرون بالانتساب إليه بوضع نظام قائم على العقل وعلى المنطق لحياتهم الدنيوية والأخروية، ووضع الأحكام اللازمة لذلك".

فالمنهاج الإسلامي الشامل لكل ميادين الحياة، بل ولما بعد هذه الحياة ("قل إن صلاتي ونسكي ومحيايَ ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" {الأنعام 162- 163})، يوصد جميع الأبواب أمام العلمانية في عالم الإسلام. فهو لا يدع ما لقيصر لقيصر مكتفيا بما لله، وإنما يجعل قيصر وما لقيصر لله، وهو وإن أقر بأن الوطن للجميع، فإنه يريد أن يكون الوطن والجميع - أيضا - لله. فعمران هذه الحياة أمانة إلهية، استخلف الله الإنسان على القيام بها، ووضع لهذا الإنسان شريعة هي معالم الطريق لهذه الحياة.

ولو وعى أتاتورك هذه الحقيقة الإسلامية، لوفر على تركيا المأساة العلمانية، التي شقي بها المسلمون الأتراك كل هذه السنوات! وهي المأساة التي يطوي الإسلام والإسلاميون صفحاتها شيئا فشيئا هذه الأيام، فهل يعي علمانيونا هذا الدرس؟! أم يصرون على دخول جحر الضب الذي دخله الأتاتوركيون؟!
التعليقات (2)
اينشتاين
الإثنين، 12-03-2018 10:47 م
الدكتور عمارة ، اعلم أن لا أحدا من المسلمين يحتاج إلى العلمانية لتخليصه من الاستبداد ، العلمانية متصلة بوسطها الطبيعي ألا وهو الفضاء الأوروبي ، وطرفاها هما : الفكر الكنسي المقنع بالمسيحية والمتواطئ مع الأباطرة والملوك والإقطاعيين والساسة المغامرين من جهة ، والأفكار الثورية التحررية من جهة ثانية . أما الإسلاميون الذين صنعوا مشروعا خاصا بهم ، حبسوا أنفسهم والمجتمع المسحوق داخله من دون القدرة على تمليك المشروع للمجتمع ، فهم من خاضوا معارك هم في غنى عنها مع عدو وهمي ، سموه " العلمانية " مما خدم كثيرا أعداء الإنسانية ، وهم اليوم ورغم التجارب المرة والمريرة يتناولون مسألة العلمانية بنفس الأسلوب ، الدكتور عمارة ، اعلم أن هذه المعركة ليست معركتنا ، وليست معركة الإسلام ، الدليل هو التجربة التركية ، فبالرغم من حدة الحكم الأتاتوركي الفاسد والماكر الذي استهدف القواعد الصلبة للمجتمع ، فإنك تشاهد بأم عينيك كيف توصل المسلمون الأتراك من خلال مشروعهم المجتمعي الحضاري إلى تفويت الفرصة على أعداء الإنسانية ، كما تتابع الحكمة التركية المتميزة في مقاربة أكثر من ملف من دون حاجة الأتراك إلى شعار يرفعونه سوى علم تركيا بالأحمر والأبيض ، أليس كذلك ؟ وقولك : " ولو وعى أتاتورك هذه الحقيقة الإسلامية، لوفر على تركيا المأساة العلمانية، التي شقي بها المسلمون الأتراك كل هذه السنوات! " . أتاتورك كان مسلما انتسابا ولم يكن مؤمنا ، أليس كذلك ؟ وكلمة " لو " هي التي حالت بينه وبين حقيقة الإسلام وحقيقة الإيمان ، وإلا ما قولك في " سيسي " مصر ، هل طلبت منك العلمانية الامتثال أو القبول بحكمه وجبروته ؟ وماذا عن الحكام في الخليج الذين يستخدمون رجال دين مقنعين بثوب " السلف " و " أهل السنة " ، هل العلمانية هي التي نصبتهم ؟ أرأيت ، كم هي المسافة التي تفصلنا عن معاركنا المصيرية ؟ الأتراك ومنذ " بديع الزمان النورسي " ، مرورا بـ " نجم الدين أربكان " ووصولا إلى " رجب طيب أردوغان " لم يدخلوا في معارك وهمية أو معارك غيرهم . أما معركتكم أنتم فهي مع الاستبداد الذي يتمثله السيسي خادم بني صهيون ، المعركة ليست معركة الإخوان المسلمين وحدهم ، للأسف ، لقد قسمتكم أفكاركم وأحزابكم بالرغم من أن مصر تسعكم جميعا ، إن لم تتواضعوا حتى يكون مشروعكم هو مشروع مجتمعكم فإنكم لن تتقدموا خطوة . شكرا والسلام .
اينشتاين
الإثنين، 12-03-2018 09:19 م
الدكتور عمارة اعلم أن لا أحدا من المسلمين يحتاج إلى العلمانية لتخليصه من الاستبداد ، العلمانية متصلة بوسطها الطبيعي ألا وهو الفضاء الأوروبي وطرفاها: الفكر الكنسي المقنع بالمسيحية والمتواطئ مع الأباطرة والملوك والإقطاعيين والساسة المغامرين من جهة ، والأفكار الثورية التحررية من جهة ثانية . أما الإسلاميون الذين صنعوا مشروعا خاصا بهم حبسوا انفسهم والمجتمع المسحوق داخله من دون القدرة على تمليك المشروع للمجتمع فهم من خاضوا معارك هم في غنى عنها مع عدوي وهمي سموه " العلمانية " مما خدم كثيرا أعداء الإنسانية ، وهم اليوم ورغم التجارب المرة والمرية يتناولون مسألة العلمانية بنفس الأسلوب ، الدكتور عمارة ، اعلم أن هذه المعركة ليست معركتنا ، وليست معركة الإسلام ، الدليل هو التجربة التركية ، فبالرغم من حدة الحكم الأتاتوركي الفاسد والماكر الذي استهدف القواعد الصلبة للمجتمع ، فإنك تشاهد بأم عينيك كيف توصل المسلمون الأتراك من خلال مشروعهم المجتمعي الحضاري من تفويت الفرصة على اعداء الإنسانية ، كما تتابع الحكمة التركية المتميزة في مقاربة اكثر من ملف من دون حاجة الأتراك غلى شعار يرفعونه سوى علم تركيا بالأحمر والأبيض ، اليس كذلك ؟ وقولك : " ولو وعى أتاتورك هذه الحقيقة الإسلامية، لوفر على تركيا المأساة العلمانية، التي شقي بها المسلمون الأتراك كل هذه السنوات! " . أتاتورك كان مسلما انتسابا ولم يكن مؤمنا ، أليس كذلك ؟ وكلمة " لو " هي التي حالت بينه وبين حقيقة الإسلام وحقيقة الإيمان ، وإلا ما قولك في " سيسي " مصر ، هل طلبت منك العلمانية الامتثال أو القبول بحكمه وجبروته ؟ وماذا عن الحكام في الخليج الذين يستخدمون رجال دين مقنعين بثوب " السلف " و " أهل السنة " ، هل العلمانية هي التي نصبتهم ؟ أرئيت كم هي المسافة التي تفصلنا عن معاركنا المصيرية ؟ الأتراك ومنذ " بديع الزمان النورسي " ومرورا بــ" نجم الدين أربكان " ووصولا إلى " رجب طيب أردوغان " لم يخلوا في معارك هامشية ليست معاركهم ، الدكتور عمارة معركتكمالمصيرية مع الاستبداد الذي يتمثله السيسي نيابة عن بني صهيون . شكرا والسلام .