كتاب عربي 21

تحذير للنهضة قادم من باريس!

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
رسالة الوزير الأول الفرنسي الأسبق جون بيار رافاران تحتاج إلى وقفة؛ لأنها كانت واضحة وصريحة وتعكس قلق جزء من الطبقة السياسية الفرنسية تجاه ما يحدث في تونس. لقد حذر هذا الرجل الذي غادر رئاسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ، وأسس منظمة أطلق عليها اسم "قادة من أجل السلام".. هذا السلام (من وجهة نظره) يمكن أن يصبح مهددا في حال أن اكتسح الإسلاميون في تونس السلطة والفضاء العام عبر انتخابات ديمقراطية، وهو يعتقد بأن تونس "تنجرف وعلينا مساعدتها؛ لأنها تمثل حدودنا، وهناك بيئة سياسية مواتية لصعود الإسلاموية وغزوها للحكم ديمقراطيا".

إنها صيحة فزع من شخصية سياسية مسموعة ومسؤولة في بلد حائر، بلد تربطه بتونس وبجنوب المتوسط علاقات مكثفة وتاريخية لا يمكن الاستهانة بها.

لماذا هذا الخوف؟ ولماذا التعبير عنه بهذه الحدة الآن؟

هناك نسق سريع من التغييرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط والتي تثير قلق الفرنسيين، خاصة عندما يجدون أنفسهم يتراجعون إلى الخلف، وتفتك بهم الملفات واحد تلو الآخر. يزعجهم كثيرا خروجهم من سوريا التي كانت تعتبر منطقة نفوذ تابعة لهم، فإذا بها اليوم تخضع لتنازع متعدد الأبعاد والجهات. وفي مصر، تقف فرنسا محتارة بين حديثها عن الديمقراطية والحريات وبين رغبة سياسييها في تحكيم منطق المصالح، والبحث عما يمكن أن تحصل عليه من صفقات ومن مواقع نفوذ. كما تحولت ليبيا إلى كابوس بعد أن أدخلتها القيادة الفرنسية السابقة في فراغ رهيب، وجعلتها مقسمة؛ لا دولة تحميها ولا مشروع وطني يوحدها. أما الجزائر ذات الأهمية الاستراتيجية فهي تقف اليوم بين مفترق طرق، ولا تملك باريس أي قدرة على التأثير في واقعها المحلي وتوجيه مستقبلها السياسي.

في هذا السياق، تتعاظم مخاوف بعض الفرنسيين من أن تخرج تونس أيضا من دائرة نفوذهم. فهؤلاء يخشون من أن يؤدي الانهيار الاقتصادي إلى سقوط تونس بين أيدي الإسلاميين. وهنا يلاحظ استمرار الخلط بين الإسلاميين المتشددين من جهة وحركة النهضة من جهة أخرى. فالسيد ريفيران لا يميز بينهما رغم كل ما حدث، ولهذا هو متخوف من وصول الإسلاميين إلى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية. وهو يعلم جيدا أن الطرف الوحيد المعني بهذه الانتخابات (سواء البلدية أو التشريعية) في تونس، في صفوف جميع الإسلاميين، هم أتباع حركة النهضة وليس غيرهم، وبالتالي هو يعني أن يقول ويوجه في هذا السياق رسالة مزدوجة:

من جهة؛ رسالة إلى قيادة حركة النهضة يحذرهم من أن يفكروا في الانفراد بالسلطة في تونس؛ لأن ذلك من شأنه أن يشكل تهديدا لفرنسا وأوروبا. كما أنه يتوجه أيضا إلى المسؤولين الفرنسيين الحاليين برسالة مفادها أن تونس جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الفرنسي، وأن مساعدتها على الخروج من مأزقها الاقتصادي يعتبر ضرورة استراتيجية لا بد من التعجيل بها قبل حدوث "الكارثة".

بالنسبة لحركة النهضة، فإن مثل هذه التصريحات تعرفها جيدا، وتعلم أبعادها وخلفياتها، ولهذا تأخذها بعين الاعتبار، وتتمنى أن تقنع أصحابها بأنها كحزب لا تريد ولا ترغب ولا تخطط من أجل الانفراد بالقرار في تونس. كما أن الحركة لم تعد تعرف ما المطلوب منها القيام أو تلتزم به عمليا حتى تقتنع هذه الأوساط الفرنسية، خصوصا والغربية عموما بأن تعمد الخلط بين النهضة وبين الأطراف المتشددة هو ظلم لها، وتجاهل لكل ما قامت به واتخذته من مواقف خاصة خلال مرحلة مشاركتها في الحكم.

يعلم النهضويون بأن اختراق المجال الفرنسي ليس أمرا سهلا، ولن يكون. فباريس تميز جيدا بين حلفائها الدائمين وبين خصومها الذين يرغبون (بحكم طبيعة المرحلة وموازين القوى) في أن يتقربوا منها ويبحثون معها عن علاقة ما. وإذا كان بعض الفرنسيين يفكرون أحيانا في توسيع دائرة "الحلفاء"، فإن هناك في تونس، وأيضا في باريس، من سيغضب ويعمل على "تصحيح" الوضع، والتدخل لتذكير أصحاب القرار وصناع السياسات في فرنسا بوجوب ملازمة الحذر، وعدم الدخول في مغامرات غير مضمونة النتائج.
التعليقات (1)
اينشتاين
الأحد، 11-03-2018 08:58 م
الأستاذ الجورشي ، الأهم أن تواصل حركة النهضة مسارها ونهجها من داخل المجتمع ، تعمل على تمليك مشروعها إلى المجتمع ، والجانب الثاني أهمية وجود من يشارك النهضة في البرلمان وإدارة الشأن العام ، لأن هذا في حد ذاته تدريب التونسيين على قبول الآخر ، الجانب الثالث الاجتهاد في تكريس الخطاب المشترك الذي يعتبر أولى الأولويات ، ألا وهو محاربة الفساد ، الجانب الرابع إمكانية تناول مسألة المساواة في الميراث وفق مطالب بعض الأطراف المغرضة ، من زاية إيمانية وليس من وجهة سياسية ، بمعنى قطع الطريق على المغرضين من خلال إرجاع المسألة إلى التونسيين لأنها تتعلق بإيمانهم قبل كل شيْ ، ونتركها للمعنيين بالميراث على المستوى الأسري أو العائلي ، هؤلاء لهم الاختيار إخوة واخوات واقارب من دون تسييس المسألة ، وبهذه الطريقة سيختار التونسيون حكم الإسلام باستثناء أقلية يمكن ان تجد نفسها مقطوعة من الأصل وفي هذه الحالة تكون الكرة في مرماهم . وبناء على ما سبق ذكره يمكن قطع الطريق على فرنسا وأتباعها ، كذلك أهمية الاستثمار التركي داخل تونس كفيل بتشجيع التونسيين على أخذ المبادرة وتحسين الوضع الاجتماعي التونسي . شكرا والسلام .

خبر عاجل