مقالات مختارة

ترامب و«الصفقة القاضية»

علي الصالح
1300x600
1300x600

لكمات متتالية يسددها الملاكم إلى خصمه، وعندما يشعر بوهن وضعف مقاومته وفقدانه لتوازنه، يسدد إليه الضربة القاضية. وهذه -كما يبدو- هي سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعامله مع الشعب الفلسطيني. ففي غضون شهرين ونصف الشهر، سدد للفلسطينيين الكثير من اللكمات، وهو يعد العدة لتوجيه الضربة القاضية، ممثلة بما يسمى «صفقة القرن»، غائبا عنه قدرة هذا الشعب على الصمود والنهوض.

جاءت اللكمة الأولى ممثلة بقرار الاعتراف بالقدس المحتلة، عاصمة أبدية لإسرائيل، في السادس من ديسمبر الماضي. وأتبع لكمته الأولى بلكمتين خاطفتين ومتلاحقتين، الأولى وقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية. والثانية تقليص المساهمات الأمريكية في ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» التي شكلتها الأمم المتحدة خصيصا لعون اللاجئين الفلسطينيين، إلى حين عودتهم وفق قرار حق العودة رقم 194.

خطوة مفضوحة الأهداف في محاولة لإنهاء قضية اللاجئين، إحدى اهم مقومات القضية الفلسطينية، الشوكة المؤلمة في خاصرة العدو التي ستظل شاهدا على جرائمه وعدم شرعيته طال الزمن أو قصر. بهاتين الضربتين، يحلم ترامب، ومن ورائه نتنياهو وزمرة اليمين العنصري المتطرف الحاكم في إسرائيل وكذلك في الولايات المتحدة، بإزالة هذين الملفين المهمين والأساسيين من ملفات الحل النهائي، إن بقي أساسا حل.

وجاءت اللكمة الرابعة بعدها بنحو شهرين ونصف الشهر، عندما أحس بضعف مقاومة خصمه، ممثلة بتقريب موعد نقل السفارة إلى القدس من نهاية 2019، كما أعلن نائبه مايك برايس، إلى14 مايو 2018. وجاءت اللكمة الخامسة بالإعلان عن أن هذه الخطوة ستكون بمثابة هدية لإسرائيل في الذكرى السبعين لقيامها، وذكرى نكبة الشعب الفلسطيني. 

والشيء بالشيء يذكر عرض رجل الأعمال اليهودي الصهيوني الأمريكي وصاحب اكبر صالات القمار في العالم، شيلدون أديلسون على ترامب بناء السفارة في القدس على نفقته الخاصة، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تدرس الاقتراح، وأديلسون الصهيوني اليميني المتطرف هو أحد أكبر المتبرعين والداعمين للحزب الجمهوري، وهو أيضا صديق شخصي لنتنياهو، وداعم أساسي له، إلى حد أنه أسس له جريدة «إسرائيل اليوم» التي توزع مجانا لتصبح أكثر الصحف توزيعا وانتشارا في إسرائيل.

وكشفت مواقع إسرائيلية عن نية ترامب الإعلان عن إلغاء تأشيرات» الدخول إلى الولايات المتحدة للمواطنين الإسرائيليين، في الوقت الذي تزداد فيه قيود التأشيرات على الكثير من الجنسيات العربية، تحت ذريعة الإرهاب الإسلامي، وحسب المواقع فانه من المتوقع أن يعلن ترامب هذه المفاجأة قريبا.

أما اللكمة التي يرى ترامب أنها ستكون القاضية، فهي «صفقة القرن» التي يعمل مساعدوه في قضايا الشرق الأوسط، وهم ثلاثة من عتاة اليهود الصهاينة، صهره جاريد كوشنر المشرف العام على ما يسمى بالعملية السلمية، وجيسون غرينبلات مبعوث «السلام»، وثالثهم الشيطان الأكبر المستوطن ديفيد فريدمان سفير واشنطن لدى إسرائيل، أو بالأحرى ممثل اليمين الصهيوني في الإدارة الأمريكية.

وإذا كانت الرسالة تقرأ من عنوانها كما يقال، فعلينا أن نتصور ما ستكون عليه «صفقة القرن» التي يفترض أن ينتهي منها هذا الثلاثي بمساعدة أنظمة عربية، لاسيما النظام السعودي، الذي يلعب دورا في صياغتها، كما جاء على لسان وزير خارجية السعودية عادل الجبير. وهي صفقة لن تكون قابلة للتعديل، «فإما القبول بها كما هي أو رفضها كما هي»، وفق ما قالته المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي.

وهذا يقود إلى التساؤل: لماذا كل هذا الاستئساد والاستخفاف والاستهتار بالفلسطينيين والعرب وقضاياهم؟ وما الذي يشجع ترامب أو زمرته على تسديد مثل هذه اللكمات التي امتنع عن توجيهها رؤساء عدة من قبله؟

أولا: الوضع العربي المهلهل والممزق، لا سيما الدول العربية الثلاث الأساسية الكبرى وهي، العراق وسوريا وإشغالهما بحروب داخلية، والثالثة مصر الدولة العربية الكبرى التي يشغلونها بخطر الإرهاب الداعشي، والتلاعب على الخلاف الشيعي السني وتضخيم الخطر الإيراني وتقسيم المنطقة بين المحور الإيراني والمحور الإسرو/ أمريكي.

ثانيا: الموافقة السرية لبعض الأنظمة العربية مقابل وعود جوفاء بحمايتها من الخطر الإيراني. 
ثالثا: الطاقم السياسي الذي يحيط به صهره وغرينبلات وفريدمان، إضافة إلى اللوبيات الصهيونية ورأسمال المال اليهودي.

رابعا: ضغوط الجماعات الإيفانجيلية، أو التي يطلق عليه المسيحية الصهيونية التي لولا أصوات تابعيها، وعددهم نحو 80 مليونا، لما وصل إلى البيت الأبيض، وإذا كانت لديه النية للترشح لولاية ثانية، كما هو متوقع، فلا بد أن يحافظ على وعوده لهم. 

خامسا: مبدأ الربح والخسارة، باعتباره رجل أعمال، فالخسارة والعقوبات في مثل هذه الصفقة، تكاد تكون صفرا في غياب ردود الأفعال القوية التي تهدد مصالح الولايات المتحدة.

سادسا: ربما هناك مستمسكات على ترامب في قضايا فساد مالي أو جنسي، والأهم من ذلك هو العلاقة التي تربطه بروسيا التي جرى التكتم عليها. 

وسابعا: وهو الأهم من كل ما تقدم، هو ردود الفعل الفلسطينية الشعبية، التي لم تصل إلى المستوى المطلوب، ولم تزلزل الأرض تحت أقدام الأمريكيين كما عهدنا وتوعدنا. أما ردود الأفعال العربية والإسلامية الشعبية لا الرسمية، فكانت وكأن شيئا لم يحصل أو كأن القرار لا يتعلق بأحد أهم المقدسات الإسلامية، فكانت في أضعف صورها باستثناء التظاهرة الضخمة التي شهدتها ديار بكر الكردية التركية وبعض المدن الباكستانية. أما العواصم العربية، باستثناء القليل والقليل جدا، فكانت في سبات عميق. لقد كانت ردود أفعال دون المستوى، مقارنة بهبة كاميرات الأقصى، تلك الهبة التي تكللت بالنجاح وأرغمت سلطات الاحتلال على التراجع إلى حين. وهذا ما توقعته الأجهزة الأمريكية ولهذه الأسباب أمعنت في غيها.

وأخيرا، واستهتارا واستخفافا بمشاعر الفلسطينيين، وما تبقى من مشاعر العرب والمسلمين، ومحاولات الدوس على كراماتهم، يقود هذه الأيام أعضاء في الكونغرس الأمريكي، المستوطنين في عمليات اقتحام الحرم القدسي الشريف (المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة) والقيام بجولات استفزازية في ساحاته. ودعت زوجة النائب سكوت تيبتون عن ولاية كولارادو، الجماعات الدينية اليهودية والمستوطنين المتطرفين لاحتلال المسجد الأقصى، والسيطرة علية فورا، وإقامة «الهيكل» المزعوم. وجاءت الدعوة، بعد أيام من اقتحام زوجها والنائب ديفيد ماكينلي عن ولاية غرب فرجينيا. وكتبت تيبتون في تدوينة لها على موقعي التواصل فيسبوك وتويتر تقول، إنها «تحلم باليوم الذي يصبح فيه المسجد الأقصى تحت السيطرة الصهيونية».

واختتم بالقول إن القرارات والإجراءات الأمريكية هي حرب مفتوحة ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المسنودة بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، لكن للأسف فإن وزن هذه القرارات هو من وزن أصحابها، ووزن العرب حاليا أخف من وزن الريشة. وهناك حقيقة واحدة يغفل عنها أو يعجز عن استيعابها ترامب وزمرته، حقيقة أن الاستسلام ليس من شيم الشعب الفلسطيني، الذي ظل صامدا ومقاوما على مدى أكثر من قرن، ولم يتمكن منه لا الاستعمار البريطاني ولا سبعة عقود من الاحتلال الصهيوني، ولا الرجعية العربية، وتعرف حكومة نتنياهو ومن قبلها جميع الحكومات الإسرائيلية، أيضا أن هذا الشعب رغم محاولات مسحه من الوجود، تكاثر في فلسطين 48، أي منذ النكبة حتى الآن أكثر من عشرة أضعاف،، من أقل من 150 ألف نسمة إلى 1.75 مليون ليس كما وحسب بل نوعا. 

وفي الضفة الغربية وغزة فان نحو25 سنة من عمر اتفاق أوسلو المشؤوم، ومحاولات التطبيع والترويض والقمع، فشلت واصبح ما يسمى جيل أوسلو هو من يقود المقاومة، بينما أبقى الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين والشتات قضيتهم حية وتمسكوا بحقوقهم، والوضع كذلك فلن يتمكن منه ترامب ولا نتنياهو ولا من يشد على أيديهما من الأنظمة العربية، وسيفشلون كما فشل غيرهم من قبل في فرض إرادتهم أو سياستهم على الشعب الفلسطيني الذي سيسقط «صفقة القرن» التي يعدها لتصفية القضية الفلسطينية، وواهم من ظن أو يظن أن هذا الشعب يمكن أن يتخلى عن حقوقه، وواهم أيضا من يظن أن بإمكانه إرهابه للقبول باقل من كامل هذه الحقوق، فهذا الشعب أبى أن يركع في الماضي ويرفض الركوع الآن، ولن يركع في المستقبل قبل إزالة الاحتلال ونيل الاستقلال. 

القدس العربي

0
التعليقات (0)