كتاب عربي 21

تدويل المقدسات!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
الطلب الإيراني بالبحث عن بدائل لسوء إدارة السعودية لفريضة الحج، ليس جديداً.

فقد كان لإيران اعتراضات على سوء الإدارة السعودية للمشاعر المقدسة، منذ قيام الثورة الإسلامية، لكنها كانت في السابق نغمة نشازا!

الزعيم الليبي معمر القذافي، هو صاحب الدعوة لـ"تدويل المقدسات"، لكن تكمن المشكلة في صاحب الدعوة؛ الذي كان يفتقد للثقة وللاعتبار السياسي، مع الحكمة المعروفة: "خذ الحكمة من أفواه المجانين"!

وكان الحلف السعودي قاسياً في مواجهة هذه الدعوة، التي كان يعمل على الحد من انتشارها، حتى بعد أن اقترب النظام المصري من القذافي، وتركه يلتقي بمواطنين مصريين في محافظة المنيا، على أنهم من رعاياه، وما يمثله هذا من مخاطر على الأمن القومي المصري، لكن مبارك لم يأخذ القذافي بجدية، وتعامل معه على أنه يحمل شهادة "معاملة أطفال". فلم يكن راغباً في القطيعة معه، كما كان الحال في عهد السادات، حيث أن مبارك لم يكن يحتمل طريقة القذافي في التعبير عن خصومته، وقد جعل من حرم الرئيس الراحل مادة في هذا الهجوم، وكان السادات يرد على بذاءاته، بـ"الولد المجنون بتاع ليبيا"!

لقد ترك مبارك المؤسسات الصحفية الرسمية توزع الكتاب الأخضر للقذافي، في صفقة فساد، كما أنه ترك بعض المعارضين يمولون من هناك، وهناك واقعة توضح مستوى تعامل مبارك مع القذافي علمت بتفاصيلها في حينها.

لقد زار موفد القذافي رئيس حزب "الأحرار"، مصطفى كامل مراد، في منزله، وإذ طلب أن يسلمه حقيبة فيها مئة ألف جنيه دعماً من القذافي، فإن الرجل اعتذر عن استلامها إلى حين إبلاغ الرئاسة بذلك، وقد استأذن ضيفه ليقوم باتصاله من غرفة أخرى، وسأل مبارك إن كان "حامل الحقيبة" قد علم بأمر الاتصال؟ فلما بلغه علمه، قال مبارك إنه إن طلب منه الاعتذار عن قبول هدية القذافي، فإن هذا سيغضبه، ثم استدرك: خذ المبلغ مقابل إعلانات في صحيفة الحزب. وقد نشر بالفعل إعلانا عن "النهر العظيم"، لكن المفاجأة كانت أن "الموفد الليبي" استقطع منها عشرة آلاف جنيه لنفسه!

لقد ترك مبارك سياسيين يمولون من القذافي، بل ووصل الحال بالزعيم الليبي إلى أن يتصل بمبارك غاضباً لأن الأمن المصري صادر حقيبة بها أموال ممنوحة لأحد الصحفيين المصريين في طريق عودته من الجماهيرية. وقد حقق مبارك في الأمر، واكتشف عدم صحة الواقعة، فغضب، ليس لأن صحفيا يمول من الخارج، ولكن لأنه يتصرف بدناءة، وهو الوصف الذي قاله لنقيب الصحفيين "إبراهيم نافع". فالممول، وقد فكر في طريقة للحصول على حقيبة أخرى، وضعه (الرئيس) في مشكلة مع القذافي. وطلب من النقيب أن يبلغ صاحبنا بغضبه، وألا يعود إلى مثل هذا التصرف مرة أخرى!

بيد أن الأمر الوحيد الذي لم يقبله مبارك من الزعيم الليبي هو الدعوة لتدويل المقدسات، وقد تم تجميد حزب وإغلاق صحيفته؛ لأن صحيفة "مصر الفتاة" صدرت ذات أسبوع وفي أعلى صفحتها الأولى نشرت دعوة القذافي لتدويل المقدسات!

وهناك فارق توقيت بين إطلاق هذه الدعوة في السابق، واطلاقها الآن، فقد كانت سابقاً تعد نشازاً؛ لأن من أنتجها هو عقل غير منضبط، فضلاً عن أنها قادمة من بلد يمثل مذهبا دينياً مختلفاً (إيران) وكانت العربية السعودية، عند الناس هي التي تمثل أهل السنة والجماعة!

الآن لم يعد الأمر كما كان، فالسعودية تنازلت طواعية عن هذا التمثيل، وبدا هذا الدور عبئاً على أهل الحكم هناك، لتصبح مسألة الإشراف على المقدسات ليست أكثر من "بيزنس" يدر ملايين الدولارات سنوياً لإنعاش الاقتصاد السعودي، وهذا الدخل قد يكون مهماً في صفقات الحفاظ على الكراسي، بدفع مزيد من الرشاوى لساكن البيت الأبيض!

وإذا كانت السعودية في السابق تمنع أفراداً من الحج والعمرة لأسباب سياسية، فإنها الآن تتدخل لتحرم سكان بلد بأكمله من أداء شعائر الله، بل وتستخدم هذه الشعيرة ضمن مخططها لإحداث انقلاب داخل هذا البلد. فبعد الحصار على قطر، قالت إنها ترحب بحجاج بيت الله، مجاملة للشيخ عبد الله آل ثاني؛ الذي كانت تخطط لتنصيبه أميراً للبلاد، قبل أن يعلن الرجل أنه مختطف في الإمارات، وقبل أن يتبين أن الاستجابة لوساطة الرجل والترحيب بالحجاج القطريين ليس إلا تصريحا للاستهلاك الإقليمي!

في الواقع أن الدعوة إلى "تدويل المقدسات" كان من المفروض أن تكون مطلبا جماعيا ليس الآن، ولكن منذ أن بدأ القوم هناك في تحكيم مذهبهم على غلوه، في العبث بالتراث الديني في مكة والمدينة وتغيير معالم الأماكن المقدسة. ولا يمكن قبول هذا التحكم على أساس أن السعودية أنفقت الكثير من أجل الإصلاح؛ لأن الحقيقة أنها جنت أكثر بكثير مما أنفقت، فضلاً عن المكانة الأدبية التي حققتها بسبب هذه الرعاية للأماكن المقدسة، عندما كان مهما بالنسبة لها أن تنازع مصر على صدارة المشهد السني!

لقد كانت كسوة الكعبة المشرفة تأتي إليها سنوياً من مصر، في ما عُرف بـ"المحمل"، ولم يكن هذا مبرراً لأن تغتصب مصر السيادة على الأماكن المقدسة!

إن البحث عن بدائل لسوء إدارة السعودية للحج، وللأماكن المقدسة، لم يعد عزفاً منفرداً، أو مطلباً نشازاً.
التعليقات (4)
ابو عبدالله
الأربعاء، 28-02-2018 08:17 ص
اذا يا Dr. Walid Khier ليس لديك اي مشكلة في ان ادار الحرمين الشريفين العثمانيون والمماليك وليس لديك مشكلة في ان يديرهما حاليا المصريون والفرس وغيرهم ولكن لديك مشكلة في ان يديرهما اهل نجد الذين هم من اهل الجزيرة. اسمح لي منطقك معكوس وفيه الكثير من العنصريه. اما من ناحية ان ال سعود اعطوا لانفسهم مكانة بسبب ادارتهم للحرمين فهذا طبيعي وليس بجديد فقد كانت قريش لها الريادة على القبائل العربية بسبب ولايتها على الكعبه وقد كانت بعد ذلك الخلافة الاسلامية في المدينه هي من تحكم العالم الاسلامي بما فيه مصر التي يقول كاتب المقال انها هي من يجب ان تمثل المشهد السني وتدير الحرمين. وهل ادار المصريون بلادهم اصلا لكي يديروا الحرمين؟ مصر كانت الى تاريخ الثورة على الملكية ولاية تابعة اما للجزيرة او لبغداد او لدمشق او حتى لباشوات اسطنبول. اعود واقول ان الخطوة الاولى لمن يريد الولاية على الحرمين ان يجد لنا مكانا نهاجر اليه ثم يأتي ليحل في ارضنا ان استطاع وعندها فليدر الحرمين كما يشاء. اتعرف يا Dr. Walid Khier ماهو المؤلم في الموضوع؟ المؤلم هو ان الفاشلين ينتقدون الناجحين.
Dr. Walid Khier
الثلاثاء، 27-02-2018 05:48 م
بل أنت من أضحكتني بتعليقاتك يا أبو عبد الله. فمنذ متي كان آل سعود سكاناً للمدينة، ومنذ متى كانت مكة جزءًا من نجد؟ لو كان الوصاية علي المقدسات من نصيب أهل مكة والمدينة، أو حتي كانت ما تسمى السعودية يحكمها سكانها وأهلها ما اعترض مخلوق على بقاء الوصاية هناك، أما أن يستغل آل سعود البقاع المقدسة لخلق نفوذ وإكتساب زعامة روحية، فهذا إثبات على عدم جدارتهم بهذه المهمة. والأنكى إستخدامهم البقاع المقدسة واحتكارهم لها لإخضاع غيرهم فيسمحون لذاك بالزيارة ويمنعون ذلك كما لو كانت صكوك الاسلام بأيديهم يمنحوها لمن شاؤوا ويمنعها عن من شاؤوا. ثم يا أخي تحدثنا كما لو كانت المقدسات تحت رعاية أهل المكان بينما كانت طوال التاريخ تحت رعاية الدولة الأم عثمانية كانت أم مملوكية، ولم يتولاها آل سعود إلا في السبعين عاماً الماضية.
من سدني
الثلاثاء، 27-02-2018 07:56 ص
الأصح من تدويل المقدسات. الدعوة لتحرير المقدسات من يد ال سعود
ابو عبدالله
الثلاثاء، 27-02-2018 07:46 ص
اذاً بلاد الحرمين ومهبط الوحي هي من تنازع مصر على صدارة المشهد السني!!. شر البلية مايضحك. فلتحكم مصر اولا الشريعة الاسلامية بدلا من القوانين الوضعية ثم بعدها لتبحث مصر عن تمثيل المشهد السني. بعض الكتاب المصريين بحث في التاريخ ولم يجد مايمن به على اهل الجزيرة الا كسوة الكعبه وكأنه كسى اهل الجزيرة ولم يكس الكعبة التي هي كعبته وكعبة كل المسلمين. من اراد تدويل الحرمين عليه اولا ان يأتي ليخرجنا من بلادنا ويهجرنا، فولايتنا على الحرمين ورعايتنا لها ليست لاننا نحن الافضل والاجدر بل لاننا اهل الدار وسكان الارض التي يقع الحرمان فيهما. ومن كان عنده عضلات فليرينا عضلاته في بسط سلطته على القدس اولا وعنده سنسلمه مفاتيح بلادنا ونهاجر الى جزر الواق واق وليرينا حينها من فشل في ادارة اقتصاده واطعام شعبه وحفظ امنه كيف سيدير الحرمين ويطعم الحجاج ويؤمنهم.

خبر عاجل