قضايا وآراء

وسائل الإعلام والإطار القانوني للتنظيم

نيفين ملك
1300x600
1300x600

ثمة عامل مهم يساعد في توفير التعددية والاستقلال والحيوية في وسائل الإعلام، وهو الإطار القانوني الذي يتم العمل فيه. ويميل الصحفيون أنفسهم غالبا نحو الرأي القائل بأنه كلما قلت علاقتهم بالقانون، كان ذلك أفضل لهم. ولا شك في أن الوضع المثالي على الأرجح؛ أن يكون هدف الإطار القانوني لوسائل الإعلام هو خلق بيئة مواتية للصحافة، يمكن أن تزدهر فيها، بدلا من وضع القوانين لكل مظهرمن مظاهرها المختلفة.

ومما لا شك فيه إن الإطار القانوني العام الذي تعمل فيه وسائل الإعلام يستمد في المقام الأول من القانون الدولي.

وإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي العرفي، الذي يشرح الطريقة التي يتم فيها تفسير كل قانون وضعي آخر، يشكل قاعدة الانطلاق في تبني المفاهيم ووضع الآليات.

وتشكل المادة 19 (كانون الأول/ ديسمبر 1948) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الضمان الأساسي للحق في حرية التعبير، والذي يشمل حرية وسائل الإعلام.

"لكل شخص الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية البحث عن المعلومات والأفكار من كل نوع، وتلقيها ونقلها، دونما اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو بشكل فني، أو من خلال أية وسيلة أخرى يختارها".. هذه هي المعاهدة التي تعتبر ملزمة لكل دولة تصدق عليها.

ويأتي التذكير والمسؤولية مع الأجندة الأممية من خلال التأكيد على أهمية طرح أولوياتها لما بعد عام 2015، انطلاقا لتحقيق التنمية المستدامة والرفاه للشعوب. ويوصف الإعلام بأنه الرافعة لتحقيق هذه الأهداف، لذلك وجب، ومنذ صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في كانون الأول/ ديسمبر 1948، أن تجتمع الإرادة للمجتمع الدولي على تجديد التعهد والالتزام بهذه المبادئ، ودعوة من تأخرت من دول العالم في التصديق على هذة الاتفاقات الدولية والبروتوكولات المرتبطة؛ أن تبادر للحاق بالركب الإنساني، بل والضلوع كشركاء فاعلين ومفعلين لإصباغ تلك الإتفاقات بلغة العصر وتحديثها باستخدام آلياته.

وبالطبع، ينطبق هذا على المعاهدات المثيلة كما في المعاهدات الإقليمية في أوروبا وأفريقيا والأمريكتين، وتحديث وتفعيل محتواها من ضمانات مماثلة لحرية التعبير وحرية الإعلام، للوصول لترسيخ وتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية فيما يتعلق بمبادئ حرية الإعلام ومعوقاته والجرائم المرتبطة.

والسؤال: ما هو المفهوم الأمثل للمشرع وللعاملين في المجال الإعلامي حين يلقي عليهم وعلى الأجهزة التنفيذية للدولة عبء مناقشة، ووضع المعايير التي يجب مراعاتها حال وضع وتشريع القوانين المنظمة لعمل الإعلام ومؤسساته والعوامل التي تتداخل وتؤثر في وضع الأطر والمفاهيم ما بين الترهيب والتسهيل؟!

مما لا شك فيه، تتأثر حرية التعبير وحرية وسائل الإعلام على المستوى الوطني بالقوانين في عدة مستويات مختلفة:

- الدستور: وهو القانون الأساسي أو الأعلى للبلاد.

- النظم الأساسية التي يصدرها المجلس التشريعي.

- المراسيم والأنظمة أو الأدوات القانونية الأخرى واللوائح التنظيمية والتعليمات وغيرها.. والتي يكون عادة لها قوة أقل من القوانين الواردة في الدستور من حيث المبدأ. بطبيعة الحال، ترتبط مجالات جميع هذه القوانين معا بطريقة منسجمة.

فمن المفترض، حال صادقت دولة ما على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو أي من معاهدات حقوق الإنسان الإقليمية، أن ذلك ينعكس ذلك التصديق إيجابيا على أحكامها على الدستور، والتي تحدد بدورها مضمون القوانين الفرعية. ولكن الأمور نادرا ما تكون بهذه البساطة أو الفاعلية.

للأسف في كثير من النظم القانونية، لا يؤدي التصديق على المعاهدات إلى تطبيقها تلقائيا في القانون الوطني. فقد تتم صياغة الدساتير قبل فترة طويلة من التصديق على المعاهدة، أو قد يعكس الدستور التطورات التقدمية في قانون حرية التعبير، ولكن قد لا يتم تعديل قوانين أخرى لتأخذ هذا بعين الاعتبار. من حيث المبدأ، قد تأخذ المصادقة على المعاهدات الأسبقية على الدستور، ويتم توفير الوسائل لتفسير ذلك، أو قد تعتبر أنها مساوية له في الأهمية، أو قد تكون لا تزال جزءا من القانون الداخلي، ولكنها تعتبر أدنى من الدستور. وبالمثل، يكون الدستور عادة ذات سيادة في ما يتعلق بـ"النظام الأساسي"، والذي يعتبر غير فعال إذا كان في تناقض معه.

ويتوقف كل هذا بدوره على مدى احترام الحكومات لسيادة القانون في الممارسة العملية، حتى في الديمقراطيات المستقرة والتي لا تخلو من انتهاكات واضحه.

لا يمكن أن يكون هذا أمرا مفروغا منه، وخاصة حين تشعر الحكومات بالغضب بسهولة من خلال ما تراه من تدخل أو استفسار من قبل الصحافة، وتعمل على اتخاذ التدابير غير القانونية في محاولة لوقف تحقيقاتها، بدءا من الاستيلاء غير المشروع على كتابات أحد الصحفيين إلى تنظيم فرق الموت في هذا المجال، كما هو الحال في أي مجال آخر. ولذلك تعد اليقظة في النظام القضائي، واستعداده لمواجهة السلطة التنفيذية في الحكومة أمرا حيويا.

وكان هذا سبب مشروع لتساؤل طرحته خاصة في الشأن المصري، وحال وجود فراغ تشريعي لعدم انتخاب مجالس تشريعية حتى تاريخه. تساءلت: هل تستطيع لجنة الفتوى والتشريع في القضاء الإدارى بما لها من سلطة تتسق مع القواعد الدستورية والقانونية والتعاهدات الدولية أن تكون رقيبا للصالح العام ضد تشريع أي قانون ينال من الحريات الأساسية، وخاصة حرية الرأى والتعبير؟!

هنا تتضح ضرورة تكامل مفهوم دور النظام القضائي، وهو ليس المنوط به فقط سلطة تطبيق العقوبات أو استصدار الأحكام، ولكنه أيضا رقيب وسلطة لصالح صون المبادئ الإنسانية، ومدافع عن الحقوق الأساسية للمجتمع، تنظيما وقوانين، بغرض إصباغ الحماية القانونية للحق في التعبير، وليس بغرض التقييد والحد من استخدام الحق.

يوجد في التقاليد القانونية المختلفة أساليب متنوعة تماما لدور القانون الوضعي في ما يتعلق بوسائل الإعلام (أو غير ذلك من جوانب الحياة الوطنية). وتميل البلدان التي تسود فيها تقاليد القانون المدني (اللاتنينة) أن يكون لها نظام أساسي شامل ينظم وسائل الإعلام. ولا تميل البلدان التي يسود فيها القانون العام (الأنجلوسكسونية) إلى ذلك، وهي تفترض أن وسائل الإعلام تخضع للقانون العام في البلاد إلا في مجالات محددة جدا. تعمل نظم القانون العام إلى حد كبير جدا على السوابق القضائية؛ لأن القانون "الموحد" لا يكتب في أي مكان، ويعتمد الأمر على القضاة في "اكتشافه". ويعتمد القاضي في أية قضية معينة بشكل كبير على القضاة السابقين، أو ما يعرف بالسوابق القضائية، والقضاة الذين أخذوا القرارات والأحكام في حالات مماثلة أو التي تنطوي على مسائل مماثلة. ورغم أن الأولوية تعطى بطبيعة الحال للحالات الموجودة في بلد القاضي نفسه (ومن المحاكم العليا بصورة أكبر)، إلا أن هذا النهج يتيح للسوابق من بلدان أخرى لها نظام قانوني مماثل؛ أن تؤخذ في الاعتبار أيضا.

إن البلدان التي تتبع القانون المدني من الناحية التاريخية لا تسير عل هذا النهج. ومع ذلك، فقد وفر تطور القانون الدولي معايير تفسيرية جديدة في كثير من الحالات التي يتعين اتخاذها. وعلى سبيل المثال، يتطلب القانون الإسباني أن يؤخذ بعين الاعتبار تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عند تفسير الدستور الإسباني. وإن القضايا القانونية في المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان، مثل البلدان الأمريكية والأوروبية، تعالج بالتغاضي عن التمييز بين القانون العام والمدني، والمقصود هو أن يتم معالجتها بموجب أي من النظامين.

وفي الممارسة العملية، توجد في نظم القانون العام مجموعة متزايدة من نظم القانون الأساسي، في حين تعتمد نظم القانون المدني على النهج المتبع في الحالات السابقة في كل من النظامين، بالنسبة لوسائل الإعلام والانتخابات. ويتجه كل من النظامين - بدون شك - إلى الاقتراب بصورة أكبر.

إن وجود مجموعة متنوعة من النظم المختلفة يجعل من الصعب تعميم القوانين النافذة ذات الصلة بوسائل الإعلام.

ومع ذلك، يجب على مستوى الحكومات والشعوب دعم فكرة الوعي والمسؤولية المجتمعية. وتكون المدونات للجهاز التنظيمي في كثير من الحالات مصاغة بغرض المحافظة على استقلال وسائل الإعلام ومهنيتها، ويمكن أن تقوم مجالس الإعلام بوضع مدونات لقواعد السلوك، والنظر في الشكاوى، وتدريب الصحفيين..

التنظيم الذاتى لوسائل الإعلام وليس الرقابة الذاتية

ويمكن تحقيق ذلك من خلال التعاون والتنسيق والتكامل فيما بين وكالات الأنباء والمؤسسات الإعلامية، وكذلك النقابية ونقابة المحامين والهيئة القضائية، التعاون في صياغة تلك المدونات التنظيمية للسلوك الإعلامى، والقواعد المهنية الواجب مراعاتها، والحرص على وجود كيانات تنظيمية مهنية إعلامية مستقلة تحافظ على أهداف ومنظومة العمل، والوصول بالمجتمع للتنافسية المهنية المطلوبة والتعددية المرنة. وكذلك يجب عدم إغفال الجوانب القانونية وتشابكات علاقة مفهوم الجرائم التي تخصع للقوانين الجنائية والتجريم، ومفهوم وطبيعة ما يعد عملا صحفيا. وهو بالطبيعة لا بد له أن يخرج عن إطار التجريم بمقتضى قواعد القانون الجنائي وقانون العقوبات؛ إلى فضاء أخلاقى أكثر رحابة وأكثر اتساقا مع وجود حكم للجمهور ومؤسسات.

فيما يلي قائمة من المبادئ المستمدة من المعايير الدولية المختلفة، والتي تسمح بوجود درجة معقولة من الحرية لوسائل الإعلام:

- أن يملك الأفراد الحرية في إقامة وسائل الإعلام، شريطة أن يتم الالتزم بقوانين الأعمال الأساسية والتنظيمية في البلاد.

- إقرار حرية وتيسير منح التراخيص لوسائل الإعلام المطبوعة، أو إقرار آلية "الإخطار" فقط، ودونما الحاجه لإجراءات تسجيل أو طلبات لمنح التراخيص الحكومية. وبالطبع قد تحتاج وسائل الإعلام الخاصة بالبث إلى ترخيص من هيئة تنظيمية خاضعة للمساءلة العامة وفقا للمعايير المتاحة للجمهور.

- يملك كل شخص الحرية في ممارسة العمل كصحفي. ولا يوجد هناك قانون ينص على التأهيل أو عملية تسجيل.

- قانون التشهير وسيلة إنصاف مدنية في حالة وقوع ضرر متعمد للسمعة، ولكن ذلك لن يكون جريمة جنائية. وسيتم تقديم حماية أقل في قانون التشهير لرجال السياسة والشخصيات العامة الأخرى مما هو متوفر للأفراد.

وكثيرا ما تستخدم القوانين التي تُجرِّم التشهير أو السب أو القذف الذي يمسّ شخصا ما أو شيئا ما، والتي لا تزال سارية في معظم البلدان، والتي تمثل تهديدا تقليديا آخر لحرية التعبير. إن عدم اشتراط العديد من القوانين إثبات المدعي للعناصر الأساسية للجريمة، مثل الزيف والخبث وسوء النية وسوء استخدام حق التقاضي.. يجعل إساءة استخدام هذه القوانين أمرا غاية في السهولة.

كما وأن استخدام القوانين التي تعاقب على نشر بيانات أو حماية سمعة الهيئات الحكومية، ورموز الدولة أو أعلامها، أو سمعة الدولة ذاتها، وحماية المعتقدات أو المدارس الفكرية أو الأيديولوجيات أو الديانات أو الرموز الدينية أو الأفكار، واستخدام مفهوم التشهير الجماعي لتجريم التعبير خارج النطاق الضيق للتحريض على الكراهية، وفرض عقوبات قاسية غير مبررة مثل عقوبة السجن، والأحكام مع وقف التنفيذ، وفقدان الحقوق المدنية، بما في ذلك حق ممارسة مهنة الصحافة، وفرض الغرامات المفرطة.. كل هذا ما زال من التهديدات الأساسية لحرية الرأي والتعبير. ولقد شددت هيئات الأمم المتحدة مرارا وتكرارا على ضرورة قيام المسؤولين الحكوميين والشخصيات العامة بالسماح بالنقد بدرجة أكبر مما هو مطلوب من المواطن العادي.

- تحد آخر.. مصطلح قوانين "الفتنة"، ومعاقبة الصحفيين أو المواطنين الصحفيين أو غيرهم على أساس نشر وقائع أو التعبير عن الآراء فقط.

- وضع أحكام محددة حول "الأمن القومي"، وتطبق فقط في حالة وجود تهديد حقيقي لحياة الأمة، وليس من أجل حماية السياسيين.

لقد أسيء استخدام مفهوم الأمن القومي لفرض قيود واسعة غير مبررة على حرية التعبير. وفي إطار تجدد الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، والمعلنة من الحكومات، تتنامى الحاجه لوضع محددات ومفاهيم واضحة.

- ومن المشاكل التي نواجهها في هذا المجال التعريف الغامض أو الفضفاض لمصطلحات أساسية، مثل الأمن والإرهاب، فضلا عن الأعمال المحظورة، مثل تقديم الدعم الإعلامي للإرهاب أو التطرف، و"تمجيد" الإرهاب أو التطرف أو الترويج لهما، ومجرد تكرار أقوال الإرهابيين، وإساءة استخدام المصطلحات الغامضة للحد من الخطابات ذات الطابع النقدي أو الهجومي، بما في ذلك الاحتجاجات الاجتماعية التي لا تشكل تحريضا على العنف، واتساع نطاق استخدام تقنيات المراقبة وتقلص القيود على عمليات الرقابة، الأمر الذي يؤثر سلبيا على حرية التعبير.

وقد أعرب المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بحماية حقوق الإنسان؛ عن قلقه البالغ من استخدام إجراءات لمكافحة الإرهاب كثيرا ما تكون مبهمة، وبالتالي تبدو متنافية مع شرط المشروعية حسبما هو وارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وعليه، فإن هذه القيود والإجراءات لا تقتصر على مكافحة الإرهاب، ولكن يمكن أن تستخدم أيضا فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي الخالي من العنف، وفيما يتعلق ببعض العبارات والمفاهيم الفضفاضة والمبهمة مثل "التشجيع غير المباشر" لأعمال الإرهاب و"التمجيد"، الذي يفسر بأنه يتضمن "أي شكل من أشكال الثناء أو الاحتفال".

فلقد أثنى المقرر الخاص على الإدراج الصريح لعنصر النية في بعض أجزاء القوانين، إلا إنه يأسف لأن النية لا تشكل دائما عنصرا ضروريا من عناصر الجريمة، ولأنه من الممكن بوجه خاص أن ترتكب جريمة تشجيع الإرهاب ونشر المنشورات الإرهابية بفعل "الإهمال". ويرى المقرر الخاص أنه بعدم وضع حد أقصى للتجريم بوضوح، فإن عبارتي "تمجيد" الإرهاب أو "تشجيع الإرهاب بصورة غير مباشرة" لا تتيحان للأفراد أن ينظموا سلوكهم على النحو السليم، وهذا لا يتفق مع أحكام المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقد يصل إلى مستوى التقييد غير المتناسب لحرية التعبير.

ويؤكد المقرر الخاص الصلة القوية بين حرية التعبير والحقوق السياسية وحرية تكوين الجمعيات. وفي هذا الخصوص، فإنه يؤكد على أن وجود الأحزاب السياسية أمر حاسم بالنسبة لوجود مجتمع ديمقراطي، فلا ينبغى اتخاذ تدابير بحل حزب سياسي إلا في أقصى الحالات خطورة، وألا يتم ذلك إلا على أساس وقائع وأحكام نهائية قاطعة. ويجب ألا يشكل قيام أي حزب سياسي بنشر أفكار مخالفة أو مناقضة لأفكار الأغلبية أو لأفكار الحزب الحاكم؛ أساسا لحظره.

ويكرر المقرر الخاص بالأممم المتحدة لحرية التعبير أن من طبيعة الديمقراطية السماح للأحزاب السياسية بالتعبير عن أفكار مختلفة، حتى لو كانت تلك الأفكار تشكك في التنظيم الحالي للدولة أو للحكومة التي في السلطة. والمسألة الأساسية التي يجب النظر بها في هذه الحالة هي ما إذا كانت المنظمة تستخدم وسائل إرهابية تتناقض بصفة جوهرية مع الديمقراطية وتهدف إلى تدميرها.

وعلى وجه الخصوص، تناول المقرر الخاص باختصار مسألة حظر المنظمات بسبب تحريضها على الإرهاب، حيث أنه يؤكد على أن تجريم التحريض على الإرهاب في حد ذاته مطلوب ومتسق تماما مع الالتزام بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحظر الدعوة إلى الكراهية القومية والعنصرية والدينية التي تشكل تحريضا على الأعمال العدائية أو العنف. ولكن يلاحظ المقرر الخاص أنه لضمان ألا يكون هناك تحريف للرسالة الأخلاقية المتمثلة في إدانة الإرهاب، فلا بد من تحديد شروط جريمة التحريض بدقة تامة. وهنا ينبغي استيفاء ثلاثة شروط: أولها، أن يكون هناك قصد وراء التحريض على ارتكاب جريمة إرهابية؛ ثانيا، ألا يكون هذا ألا يكون هذا القصد من شخص واحد أو من عدة أشخاص، بل ينبغي أن يكون هو قصد الجمعية أو الجماعة أو الحزب السياسي ككيان جماعي؛
وثالثا، أن يوجد احتمال فعلي بأن يتم ارتكاب هذا العمل.

وكان الرأي الوارد من المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية التعبير في تقريره لعام 1999، عندما تحدث عن واجب وسائل الإعلام المملوكة للدولة في التعبير عن مجموعة متنوعة من الآراء، وألا تكون جهازا للدعاية لحزب سياسي معين. كما أن لديها التزامات خاصة بتوفير التربية المدنية، إضافة إلى توفير منبر لمختلف الأحزاب السياسية، وضمانة احترام أن المعلومات الرسمية هي ملك وحق الجمهور، وتتم حمايتها من أجل الحفاظ على مصالح الأمن القومي المشروعة، أو لعدد من الأسباب الأخرى المحددة بشكل دقيق ومعرف ومنضبط، ورقابة المجالس المنتخبة ديمقراطيا على تلك المعايير.

وخلافا لذلك، ينبغي أن تكون هناك آليات لضمان وصول الجمهور إلى المعلومات الرسمية. يجب ألا يجبر الصحفيون على الكشف عن مصدر المعلومات السرية، إلا في ظروف محدودة جدا، ومن الناحية العملية عندما يكون الحفاظ على السرية من شأنه أن يعرقل سير التحقيق الجنائي، وحيث لا تتوفر معلومات من أي مصدر آخر.

وفي النهاية، وضع الأطر التنظيمية أو القوانين المنظمة لوسائل الإعلام يجب أن ينطلق من قاعدته الإنسانية التي تعلو وتسمو على كل المواثيق الدولية والمعاهدات والقواعد الدستورية والفوق دستورية والقوانين الوضعية، وهي قاعدة "إن الحق في حرية التعبير هو حق لصيق بالحق في الحياة".

وأي نظام قوى لا بد أن ينطلق من القاعدة الديمقراطية التي تعزز التعددية والتنوع وقبول الرأي الآخر. وقوة القواعد القانونية تأتي من رفع وعي المجتمع ورفع فاعلية المؤسسات الإعلامية؛ كرقيب قادر على النقد البناء. ويضاف إلى حق الحصول على المعلومة التي تراعي دائما الصالح العام، ومنظومة بناء مجتمعات فاعلة نشيطة ينهض فيها المواطن بالالتزام الطوعي تعزيزا لمفهوم المسؤولية العامة والتطوعية للصالح العام.


وهذا بالتأكيد يحد من تدخل الحكومات لصالح تطوير المعايير الأخلاقية والمهارات المهنية، ويعزز إجمالا التنمية والرفاه المنشود للمجتمعات.

التعليقات (0)