مقالات مختارة

محرومون من الأخطاء!

خيري منصور
1300x600
1300x600

المجتمعات التي تصاب بتصحر ثقافي ويختلّ توازنها الأخلاقي يصبح الفرد فيها أشبه بلاعب السيرك، غير مسموح له حتى بخطأ واحد، فإما التصفيق أو السقوط عن الحبل مضرّجا بعرقه ودمه! وغياب التسامح المتبادل يرجع إلى حالة من التوتر والعصاب اللذين يفرزهما فائض القهر وكظم الغيظ، بحيث تنعطب البوصلة الأخلاقية، ويختلط حابل كل شيء بنابل كل شيء آخر!

وما نسميه في أمثالنا الموروثة القشة التي قصمت ظهر البعير هو التعبير الدقيق عن هذا التوتر والعصاب، والكأس حين يمتلئ تماما يتسع لقطرة واحدة، وهناك حكاية رواها الكاتب الفرنسي البير كامو عن رجل انتحر بعد خمس سنوات من رحيل ابنته الوحيدة، ولم يربط الناس بين الحادثة التي دمّرت حياته وأفرغتها من الأمل وبين انتحاره، ويقول كامو أن الدودة باضت في قلبه، لكن البيضة انتظرت خمس سنوات كي تفقس، ونحن في مثل هذه الظروف الشاذة التي نعيشها بل نموتها في العالم العربي غالبا ما تصدر عنا مواقف ليست ابنة اللحظة، وقد نمارس أفعالا لا تبررها المناسبة ولا علاقة فيها بين المقام والمقال! لأن مديونية القهر والغضب تتراكم في اللاوعي، وأحيانا تجد من القرائن ما يتيح لها أن تطفو على سطح الذاكرة.

وعلى سبيل المثال، حين يشتبك اثنان عند إشارة مرور أو لأي سبب عابر غالبا ما ينتهي التلاسن إلى الاشتباك الجسدي؛ لأن السبب ليس هذه الحادثة أو ما يشبهها، بل هو فائض من الشعور بالقهر والعجز عن التعبير.

وليس من المعقول أن يصبح الإنسان كلاعب السيرك محروما من حقه في الخطأ، لهذا يضطر إلى الكذب والنفاق وممارسة كل تلك المواقف التي تحدث عنها ديزموند موريس في كتابه عن القرد العاري! وفي غياب التوازن الأخلاقي والعدالة يصبح كل شيء مباحا، وهناك حكاية تلخّص هذه الدراما البشرية رواها أحد المؤرخين عن قراقوش الذي اشتكى إليه رجل شاهد بائع الحليب يخلطه بالماء، ولأن شكل هذا الرجل وربما صوته لم يعجب قراقوش عاقبه، وقال له إنه ناكر للجميل، فبائع الحليب كان يغسل الحليب وينظفه من الشوائب، وهذا ليس غشّا!

الدستور الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل