قضايا وآراء

نصيب إيران من العام الأول لولاية ترامب

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

الهجوم غير المسبوق الذي كان يشنّه دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية وبالذات في المناظرات مع غريمته الديمقراطية هيلاري كلينتون على السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية، وكذلك خلفية الرجل التجارية، جعل البعض في إيران من المحافظين المتشددين أن يستبشروا خيرا بمجيئه، اعتقادا منهم أن الرئيس الأمريكي الجديد سوف يركز على السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية بعد رفعه شعار "أمريكا أولا" من منطلقات اقتصادية، ومنها أيضا يعيد النظر في التدخلات الأمريكية المكلفة اقتصاديا في الخارج ولاسيما في الشرق الأوسط، أقله تبني سياسة خارجية مختلفة عن أسلافه في وقت حساس كانت إيران بأمس الحاجة لهذه السياسة لترسيخ أركان نفوذها المتصاعد في المنطقة.


لم يمض الكثير من الوقت حتى يكشف ترامب عن أنيابه، بعد قيامه بهجمات كلامية قاسية، أعادت إلى الواجهة مفردات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن حول إيران.

استراتيجية زئبقية


بعد عشرة أشهر من تربع ترامب على سدة المكتب البيضاوي، قدّم استراتيجية في مواجهة إيران في خطاب له بالثالث عشر من أكتوبر 2017، تضمنت أربعة محاور دون تحديد آليات عمل واضحةلتطبيقها. تناولت المحاور الدور الإقليمي، ودعم "الإرهاب"، والبرنامج الصاروخي والملف النووي لإيران. خلال الشهور العشرة التي سبقت الإعلان عن هذه الاستراتيجية، اقتصرت سياسة ترامب تجاه طهران على "تصريحات نارية" و"تغريدات هجومية" فحسب، دون اقترانها بأفعال، ما جعل البعض لأن يعتبرها أوهاما، يبيعها ترامب لخصوم إيران الإقليميين.

 

الفترة التي اعقبت الإعلان عن تلك الاستراتيجية الفضفاضة أيضا لا تختلف كثيرا عن تلك التي سبقتها، إلا في تصاعد حدة الهجمات الخطابية والتويترية للرئيس ترامب ضد إيران، لكنها ظلت دون مستوى فعل مؤثر بشأن الملفات التي تثيرها الإدارة الأمريكية الحالية، والتي تتلخص في خمسة عناوين، "الاتفاق النووي"، و"قضايا حقوق الانسان"، و"دعم الإرهاب"، والبرنامج الصاروخي البالستي"، و"النفوذ الإقليمي".


السلوك الأمريكي حيال إيران خلال 2017، أظهر أن التغيير المثير الذي شهدته السياسة الأمريكية في العام الأول لرئاسة دونالد ترامب إزاء طهران مقارنة بفترة الرئيس أوباما، اقتصر على أدوات التعبير عن هذه السياسة، أي اللغة والخطاب، أما على مستوى مضمون هذه السياسة لم يحدث تحول واضح.


رفعت الإدارة الأمريكية خلال هذه الفترة نبرة خطابها من خلال إعادة الحديث عن تغيير النظام في إيران، لكن الملفت أن الحديث عن "جميع الخيارات على الطاولة" أي التلميح إلى الخيار العسكري اختفى تماما. 


في الوهلة الأولى، أوحى التغيير الذي حدث على مستوى اللغة والخطاب وطغيان عنصر الهجوم والحدة عليهما، أن تحولا جوهريا تشهده السياسة الأمريكية في عهد ترامب في التعامل مع إيران مقارنة بعهد سلفه، أما ما حصل علي أرض الواقع لم يسند هذه القراءة. 

 

على مستوى الاتفاق النووي الذي نال نصيب الأسد من عداء ترامب تجاه إيران خلال العام الماضي، أبقى الرئيس الأمريكي على الاتفاق بعد أن أيد العمل بمقتضاه ثلاث مرات في التقارير الدورية التي بعثها للكونغرس الأمريكي وفق قانون مراجعة الاتفاق النووي. كما أنه أيضا بموجب ذلك مدّد رفع العقوبات عن طهران. مع ذلك، حدث تطوران بارزان في هذا الملف، تمثل في أمرين، الأول، رفض تأكيد التزام طهران بتعهداتها الواردة في الاتفاق في 13 أكتوبر 2017، لكن في الوقت نفسه وفي تعارض ذو مغزى مهم، لم يترجم موقفه هذا على أرض الواقع، أي أبقى على الاتفاق ولم ينسحب منه، والثاني، في 13 من يناير 2018 بعد تمديده رفع العقوبات مجددا على طهران بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، ربط الإبقاء على الاتفاق بعد 4 أشهر بتحقيق شروط وتعديلات أربعة، طبيعتها تترك الباب مواربا، ومضامينها عامة وقابلة لتفسيرها موسعا، مما يسهل التهرب منها بذرائع مختلفة بعد انتهاء المهلة، كما أن بعضها محققة أصلا فعلى سبيل المثال، شرطي "التفتيش" و"عدم السماح بالاقتراب من القنبلة النووية" تحصيل حاصل في ظل نظام المراقبة الصارمة اللصيقة الذي تتبعها الوكالة الدولية. 

 

مع ذلك وبالرغم من أن الرئيس ترامب فشل في تحقيق وعده الانتخابي الرامي إلى إلغاء الاتفاق النووي حتى الآن، إلا أنه نجح إلى حد كبير في تحجيم مكاسب الاتفاق الاقتصادية لإيران، عبر خلق أجواء غير مريحة للاستثمارات الأجنبية فيها. 

 

مازالت مقومات بقاء الاتفاق أكثر من مهدداته، وهي التي أعجزت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تحقيق ما يصبو إليه حتى يومنا هذا. أهم تلك المقومات، هو انعدام البديل المجدي للاتفاق في ظل الرفض الإيراني للنزول عند الرغبة الأمريكية والقبول بإجراء تعديلات عليه.

 

أما على مستوى مواجهة دور إيران الإقليمي، لم يطرأ تغيير جوهري في عهد ترامب على السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية التي كانت تعمل بها إدارة أوباما، حيث بالرغم من ظهور مؤشرات، أوحت بالانتقال إلى استراتيجية التدخل المباشر، إلا أن الادارة الحالية مازالت تعمل على أساس استراتيجية التدخل غير المباشر المعمول بها في ولايتي الرئيس باراك أوباما. 

 

بناء على ذلك، ظل السلوك الأمريكي في التعامل مع النفوذ الإيراني في المنطقة، كما هو، دون تغيير ملحوظ، فعلي سبيل المثال، وفي ساحات الأزمات مثل العراق وسوريا، وبالذات الأخيرة، تصاعد دور إيران ونفوذها بشكل مطرّد بعد التقدم الميداني الكبير الذي حققته القوات المقربة لها في ميادين القتال على حساب المعارضة السورية أو تنظيم الدولة، لكن لم يواجه ذلك بسياسة أمريكية جديدة، وعد بها ترامب في مواجهة طهران، بالرغم من القصف الصاروخي الأمريكي لمطار الشعيرات في ريف حمص الشمالي، والذي فهمه البعض خطأ آنذلك، بأنه بداية حرب أمريكية على النظام السوري وحلفائه. 

 

وفي الشأن السوري، سياسيا اقتربت الإدارة الأمريكية الترامبية إلى الموقف الإيراني القاضي بضرورة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه، حيث تواترت الأنباء نقلا مصادر أمريكية خلال الفترة الماضية عن قبول أمريكي به، ثم تبقى الموقف نفسه أقرب حلفاء واشنطن، وألد خصوم إيران بالمنطقة، على رأسهم السعودية التي نقل على لسان وزير خارجيتها أنه طالب المعارضة السورية في أغسطس 2016 بالاستعداد للقبول بالأسد كأمر واقع. كما لم يسجل أن تحدث الرئيس ترامب ولو مرة واحدة عن رحيل الأسد، بينما سلفه كان يردد ذلك كثيرا.

 

القضية لا تتوقف عند ذلك، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسياساته الشرق أوسطية أربك التحالفات والاستقطابات السياسية في المنطقة لصالح إيران، شاء أم أبى، فعلى سبيل المثال، بعد اختياره الرياض أولى محطات رحلته الخارجية، أراد أن يظهر للسعودية أنه يقف إلى جانبها في مواجهة إيران. لم يكتف ترامب بذلك، بل حاول أيضا مزيدا من استرضاء المضيف السعودي عبر مهاجمة إيران في القمة التي جمعت الرياض زعماء العالمين العربي والإسلامي على شرفه، أما على ما يبدو النتيجة الوحيدة لهذه الزيارة والتي ظهرت بعد أيام منها، كانت الأزمة الخليجية في يونيو 2017، والتي أضعفت الجبهة المنافسة أو المعادية لإيران في المنطقة أولا، ثم أسهمت في تقاربات بين كل من تركيا، وقطر وبين إيران ثانيا.  

 

وحول البرنامج الصاروخي الإيراني، فرض الرئيس الأمريكي عقوبات على كيانات وأشخاص مرتبطة بهذا البرنامج ثلاث مرات في عام 2017، تبقى عقوبات رمزية غير مؤثرة، وهذا ما حصل أيضا في ملف حقوق الانسان الذي ركزت عليه الإدارة الأمريكية في الأيام الأخيرة للعام الماضي بعد انطلاقة احتجاجات في مدن إيرانية، حيث إلى جانب المواقف الأمريكية المؤيدة للمحتجين، والتي لم تأت لصالح مطالبهم وأضرت بهم، قامت الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على شخصيات مثل رئيس السلطة القضائية في إيران. 

تحديات وعراقيل


ثمة تحديات واجهتها الإدارة الأمريكية في مواجهة إيران خلال 2017، جاءت لصالح الأخيرة، أهمها، أولا، فقدان دعم الحليف الأوروبي إلى حد كبير في هذا الصدد، بسبب شخصية ترامب المثيرة، وسلوكه النرجسي مع الأوروبيين في قضايا ثنائية وعالمية،  ثانيا، استمرار التوتر في العلاقات الأمريكية الروسية رغم الرغبة الأولية التي أظهرها ترامب لتحسين العلاقات مع الروس، لكن ملف "روسيا غيت" كبّرد يديه، ثالثا، الانقسامات والخلافات الحادة التي شهدتها جبهة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وبالذات الأزمة الخليجية التي كان للرئيس ترامب دور في نشوئها. رابعا، التوتر الذي بدأ يسود العلاقات بين واشنطن وأنقرة لأسباب عديدة، منذ الانقلاب الفاشل في تركيا، الذي كان حاضرا في الموقف التركي تجاه التدخل الخارجي في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها إيران.

 

هذه التحديات، وضعت إيران في موقف مريح نسبيا أولا، ثم أعزلت للولايات المتحدة الأمريكية إلى حد ما ثانيا، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، شاهدنا كيف فشلت الإدارة الأمريكية في استمالة الأوروبيين ضد الاتفاق النووي، كما عجزت عن خلق اجماع عالمي ضد إيران في مجلس الأمن الدولي، عندما دعته إلى اجتماع طاريء بشأن الاحتجاجات في إيران، حيث تحول الاجتماع إلى ساحة الانتقاد والتجريح للسياسات الأمريكية. 

استنتاج


"الكثير من الحديث والقليل من العمل"، كان طبيعة سياسة السنة الأولى من رئاسة ترامب اتجاه إيران التي انتفعت من الفرص التي أتاحتها لها العزلة التي تسبب بها الرئيس الأمريكي للولايات المتحدة في العالم، بينما تمكنت الأخيرة أيضا من استغلال "الشماعة الإيرانية" في تحصين حليفها الاستراتيجي في الإقليم، عبر إيصال مشروع التطبيع بين "إسرائيل" ومكونات رئيسية في الإقليم، وعلى رأسها السعودية إلى مراحل متقدمة. 


في الوقت الذي لم يتجاوز نصيب إيران في السياسة الخارجية الأمريكية خلال العام المنصرم سوى التصعيد الكلامي، فإن هذا لا يعني أن الإدارة الأمريكية ستتوقف عند ذلك، بل إن احتمالية التصعيد الميداني تبقى قائمة، طبعا إذا ما ظل الرئيس ترامب في موقعه ولم يطح به ملف "روسيا غيت".

 

ثمة مؤشرات توحي أن واشنطن على الأغلب لا تبقى أسيرة للتحديات التي واجهتها في العام الماضي في مواجهة طهران، خاصة كما يلوح في الأفق، فإن عنوان المرحلة القادمة التي تلي القضاء على داعش، هي "صفقة القرن"، التي تتطلب أن تأخذ مواجهة إيران منحى التصعيد شكلا ومضمونا لاعتبارات كثيرة، أهمها أن تمرير هذا المشروع يحتاج إلى أمر جلل تخديرا لعقول، وصرفا لأنظار، إقناعا لآخرين بالتنازل في فلسطين مقابل عمل ما ضد إيران. كما أنه قد يتفاهم الأمريكان والأوروبيون حول الاتفاق النووي بما يبقيه على قيد الحياة، مقابل التعاون في ملفات أخرى، على رأسها التصدي للدور الإقليمي الإيراني. 

 

أما إيران التي تحتفل هذه الأيام بالذكرى الأربعين لانتصار ثورتها، تواجه تحديات داخلية وخارجية، وبالرغم من نجاحها في توظيف مواطن ضعف السياسة الأمريكية في المنطقة، إلا أن حالة من الحيرة والقلق يساورها من غموض وجهة سياسات ترامب الشرق أوسطية في ظل المحور الإسرائيلي السعودي الأمريكي الصاعد، أو كما لخصها الرئيس روحاني في مؤتمره الصحفي الأخير: "لا إيران ولا الأوروبيون يعرفون كيف سيتصرف ترامب حيال مختلف القضايا في قادم الأيام". 

0
التعليقات (0)