مقالات مختارة

الإعلام الرياضي والتحليل الفني بين التهييج والتهريج!

حفيظ دراجي
1300x600
1300x600

لا يختلف اثنان في وجود محللين فنيين ومدربين ولاعبين سابقين، وكذلك إعلاميين متميزين في الجزائر، يتحلون بالأخلاق العالية والمهنية اللازمة في تحليل مباريات الكرة والتعليق على الأحداث الرياضية التي نعيشها، لكن لا يختلف اثنان في الوقت ذاته بشأن تدني مستوى النقاش الرياضي في بعض المنابر الإعلامية من طرف بعض المهرجين من الإعلاميين والمحللين، خاصة منذ إخفاق المنتخب الجزائري في التأهل إلى مونديال روسيا وما تبعه من تغيير على مستوى الإطار الفني للمنتخب والاتحاد الجزائري لكرة القدم، ما أثار موجة من الاستياء والتذمر والانقسام في الأوساط الجماهيرية والإعلامية، ما انعكس سلبا على معنويات المهتمين بمختلف شرائحهم!


تعدد القنوات التلفزيونية الخاصة بدورها سمح بظهور برامج رياضية ووجوه فنية وإعلامية شابة متمكنة ساهمت في إثراء النقاش وتوعية المشاهدين، لكن في الوقت ذاته ظهر إلى السطح الكثير من المهرجين الذين راحوا يمارسون التهييج بدافع شخصي ويزرعون الحقد والكراهية والانتقام من كل المسيرين والمدربين السابقين أو الحاليين، ومن لاعبي المنتخب، خاصة المغتربين منهم، رغم مضي سنة تقريبا على رحيل الاتحاد السابق، ما أدى بالمقابل إلى ظهور أصناف أخرى من المحللين والإعلاميين الذين راحوا بدورهم يردون بممارسة التضليل والكذب على الهيئات الكروية الجديدة، ويتصيدون هفواتها وأخطائها. 

 

أغلب البرامج التلفزيونية الرياضية ابتعدت عن دورها في الإعلام والتثقيف والترفيه، واتجه بعضها إلى ممارسة التضليل والافتراء من خلال بلاتوهات تسمع فيها كل شيء بلغة سوقية متدنية تثير الاشمئزاز، وتسمع فيها الكلام البذيء والسب والشتم وقلة الأدب، ولا تسمع فيها كلاما مؤدبا ومحترما حول الكرة وفنياتها والخطط التكتيكية والاستراتيجيات، ما أدى إلى التسويق لنظريات وأفكار وممارسات انعكست على تصرفات المناصرين في مدرجات الملاعب، التي صارت بدورها مسرحا للتهريج والتهييج وأعمال العنف مع كل جولة تلعب.

 

الاتحاد السابق لم يسلم من الانتقام والحقد وتصفية الحسابات رغم رحيله منذ مدة، والاتحاد الحالي لم يسلم بدوره من العراقيل والانتقادات والإشاعات، بما في ذلك الطاقم الفني الجديد للمنتخب الذي يدفع ثمن مواقفه السابقة عندما كان محللا، وانتقاداته اللاذعة للاعبين المغتربين والمدربين السابقين على مدى سنوات مضت. أما الاتحاد الحالي فانشغل بمحاربة تركة المكتب السابق وصار همه التخلص من بقاياه، فجند إعلاميين ومحللين يقال أنهم يتقاضون أموالا ومزايا مقابل ذلك، ودخل في حرب مع الرابطة المحترفة لكرة القدم ومع الاتحاد الأفريقي وكذلك في حرب مع إعلاميين ومحللين أخرين. 

 

ما يوصف بالحرس القديم للكرة الجزائرية بإعلامييه ومحلليه أيضا لا يتوانى في ترصد هفوات وأخطاء المكتب الحالي ونشر غسيله في مختلف البرامج على حساب الإعلام المحترف والتحليل الفني المحض، لنجد أنفسنا أمام مشهد إعلامي فاق كل أشكال الكوميديا التي عرفناها في السينما والمسرح، والنتيجة أننا ضيعنا فرصة الارتقاء بكرتنا وإعلامنا وجماهيرنا إلى مستويات اسمى من كل أشكال الحقد والكراهية والانتقام وتصفية الحسابات.

 

لقد تحول رئيس الاتحاد السابق إلى هاجس وفوبيا لبعض الإعلاميين والمحللين، وَوُصف الرئيس الحالي بكل نعوت الفشل والإخفاق رغم مرور أقل من سنة من «تنصيبه الانتخابي»، واللاعبون المغتربون صاروا يشعرون بالغربة في وطنهم وبأنه غير مرغوب فيهم على غرار فيغولي وهني ووناس وبلفوضيل وبن طالب وتايدر، وربما محرز الذي تحول في نظر البعض إلى لاعب عادي لا يستحق اللعب في المنتخب! المدرب الوطني تجرأ بدوره وقال أنه أخرج المنتخب من غرفة الإنعاش بتعادله أمام نيجيريا، على غفلة منه، وفوزه على أفريقيا الوسطى في انتظار فوزه على تنزانيا في الودية المقبلة وهو المنتخب الذي قال عنه بأنه ضعيف عندما فزنا عليه بالسداسية في تصفيات كأس أمم أفريقيا، والآن في نظره أصبح في عداد المنتخبات الإفريقية الناشئة الناجحة!


الجماهير الجزائرية انقسمت بدورها اليوم بين مؤيد ومعارض للمنتخب والاتحاد في سيناريو أثر على معنوياتها وسرق منها فرصة الاستثمار الأمثل في تلك الهبة الوطنية التي عشناها على مدى سنوات بفضل تأهل المنتخب الجزائري إلى مونديال جنوب أفريقيا وتألقه التاريخي في مونديال البرازيل. لقد اختفى في وسائط التواصل الاجتماعي ذلك الاعتزاز والافتخار بالمنتخب الوطني وبلاعبيه المحترفين والمحليين، وطغت مشاعر التذمر والحسرة واليأس، رغم وجود جيل من اللاعبين المهاريين بشهادة هؤلاء وأولئك.

 

كلنا كنا خلف المنتخب، لكننا انقسمنا بين مؤيد ومعارض للوزير والمكتب الفيدرالي والطاقم الفني للمنتخب بفعل هؤلاء وأولئك المهرجين من المحللين والمراهقين الذين يحسبون على الإعلام الرياضي. كنا ننتقد السياسات والممارسات بالأدب والاحترام، وصرنا نحقد عل بعضنا البعض ونصطف مع هذا أو نعادي ذاك. كنا نمارس حقنا في الانتقاد وواجبنا في الإعلام والتثقيف، وصرنا نمارس التضليل و الابتزاز.

 

كنا نسعى للترفيه عن النفوس فتحولنا إلى مصدر للبؤس واليأس! كنا نفتخر بالانتماء إلى الأسرة الإعلامية والكروية عندما كان الضمير المهني حيا، وصرنا نخجل اليوم من الانتماء لهؤلاء وأولئك المهرجين أمام أنظار سلطة تستثمر في فوضى فتح المجال السمعي البصري وترسخ مناهج الرداءة والانحلال الخلقي، وتغذي النقاشات المتخلفة التي جعلت من الفاشلين منظرين في مجالات الإعلام والكرة والتسيير، يسوقون للرداءة ويسخرون من الكفاءات وأصحاب الشهادات! ختاما لقد أصبح التهريج عادة والتهييج مبدأ لدى الدخلاء والأشباه الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الكرة والإعلام وراحوا يصفون حساباتهم على حساب جيل مبدع سيقع رهينة، و ضحية لصراعات هؤلاء وأولئك. 

1
التعليقات (1)
الباشا
الخميس، 15-02-2018 02:08 م
الفوضى هي سيد الموقف ، منيستهدف المجتمع يعتمد على تمييع كل ما هو نظام وتنظيم ، لم يسلم قطاع من ذلك ، حتى صار أحمد مراني مفكرا ودكتورا ، عملية التمييع متواصلة بشكل رهيب أيها الأخ الكريم حفيظ حفظك الله وإيانا من كل مكروه .