كتاب عربي 21

أشرار المرحلة!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقول فيها عبد الفتاح السيسي "أنا لست سياسياً"، فذكرنا بمفيد فوزي وهو يقول: "أنا لست مذيعاً، أنا محاور"!

كان "مفيد" قد بدأ في تقديم برنامجه التلفزيوني "حديث المدينة"، ولأنه كائن مفتعل، فقد كان يردد، وبدون طلب من أحد، هذه المقولة، حتى صارت تستخدم للسخرية والتندر، وبنفس طريقة المذكور في الحديث، حيث يُعرف عنه أنه يتكلم من "مصرانه الأعور": "أنا لست مذيعاً، أنا محاور"!

 

يقول إنه ليس سياسياً، فإنه يؤكد عدم لياقته بالمنصب الذي يشغله، والذي من شروط شغله، أن يكون الشاغل سياسياً

السيسي قال، وبدون أن يسأله أحد عن وظيفته: "أنا لست سياسياً"، ولم يكمل "الكوبليه"؛ لأن إكماله يعني أن يقول: "أنا عسكري"، فلم يفعل، ومع ذلك كان في حكم من يقف في غرفة العمليات ويهتف: "أنا لست طبيباً.. أنا مهندس معماري". وعلى أهمية مهنة الهندسة، وهم من المتفوقين في الثانوية العامة، إلا أن هذا ليس مكانهم، وكذلك فإن السيسي عندما يتولى المنصب السياسي الأول في البلاد، ثم يقول إنه ليس سياسياً، فإنه يؤكد عدم لياقته بالمنصب الذي يشغله، والذي من شروط شغله، أن يكون الشاغل سياسياً، وإن كان تخصصه قبل ذلك "طبيب أمراض نساء وولادة"!

"هيكل"، في مجال إثبات جدارة جمال عبد الناصر بشغل منصب رئيس جمهورية، قال أكثر من مرة، إن صاحبه كان ضابطاً عادياً، ولم يكن ضابطاً متفوقاً. وذلك رغم أنه كان ضابط أركان حرب، ليؤكد أنه في الأصل رجل سياسة وحكم، انتقل بين الأحزاب، وانضم لأكثر من حزب في وقت واحد، ومن حركة "حدتو" الشيوعية، إلى تنظيم الإخوان المسلمين، مما يؤكد أهليته لشغل منصب رئيس الجمهورية. وإذا كان السيسي جاء من المؤسسة العسكرية، حيث يحظر على المنخرطين فيها الاشتغال بالسياسة، فإنه من العيب، أن يأتي وبعد أربع سنوات من شغله لموقع الرئيس، وبعد عامين قبل ذلك في منصب وزير الدفاع، وهو منصب سياسي، ليقول إنه ليس سياسياً، ليؤكد أنه ليس أهلا للاستمرار في شغل أعلى منصب سياسي في أي بلد، وأنه في حكم منتحل صفة رئيس الدولة.

 

هي لغة احتقار من عسكري أكد بعد أربع سنوات من التعلم والتمرين على المنصب؛ فشله الذريع في الموقع الذي شغله بقوة السلاح

في لقاءاته التلفزيونية، إبان ترشحه في الانتخابات الرئاسية في سنة 2014، قال السيسي إنه ليس سياسياً، واعتبر أن هذا مما يبعث على الفخر. وقد انتقدت هذا التصريح كثيراً، لا سيما وأن من كان يحكم البلاد بعد الانقلاب، هو قاض ممنوع عليه - بحكم وظيفته - الاشتغال بالسياسة، وهكذا كنا في مرحلة "تدريب" على الحكم، انتهت بعد عام من تولي المستشار "عدلي منصور" الحكم، بعودته إلى موقعه رئيساً للمحكمة الدستورية العليا قبل إحالته للتقاعد، وانتهت بعد أربع سنوات من الحكم في حالة السيسي؛ إلى إعلانه أنه ليس سياسياً "بتاع كلام". وهي لغة احتقار من عسكري أكد بعد أربع سنوات من التعلم والتمرين على المنصب؛ فشله الذريع في الموقع الذي شغله بقوة السلاح.

لا يختلف اثنان على أن السيسي كان عصبياً في لقائه الأخير، وأن وجهه كان عبوساً قمطريرا. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يخاطب فيها "العوالم السفلية"، واحتاج إلى "أداة فك الشفرة" لفهم من يقصد برسائله. فقد بدا أن لديه أزمة مع "الأشباح"، و"الأرواح الشريرة"، وإن اختلفت الجهة المعنية بتهديداته، وهو يعلن أنه قد يستدعي الشعب لتفويضه مرة أخرى في مواجهة الأشرار. وقال أحد رؤساء التحرير إنه يقصد بذلك "الإخوان المسلمين"، وهذا ليس صحيحاً.

 

الأشرار هذه المرة يبدو أنهم من داخل معسكره، وإذا كان قد نجح في حمل الفريق أحمد شفيق على عدم الترشح، فقد فشل مع الفريق سامي عنان، ولم يكن أمامه إلا اختطافه

فالإخوان في الحقيقة لم يعودوا يمثلون لحكمه أزمة، فقد توقف الحراك السياسي تماماً، والمعارضة تشمل الآن القوى المدنية، وهى على قلة أعدادها، وهوانها على الناس، فإنها تزعجه. فحربه على الإخوان، تمكنه بالمزيد من "الرز" ومن الدعم الغربي، ولم يكونوا هم من يعنيهم في خطابه الأخير، وفي وصفه لهم بـ "الأشرار"!

فالأشرار هذه المرة يبدو أنهم من داخل معسكره، وإذا كان قد نجح في حمل الفريق أحمد شفيق على عدم الترشح، فقد فشل مع الفريق سامي عنان، ولم يكن أمامه إلا اختطافه، وإصدار بيان إدانة له، على نحو نال من شرعيته هو ذاته في محيطه، وهو الذي كان يقدم نفسه تعبيراً عن الجيش وما يمثله من مكانة في نفوس المصريين، فإذا بالرسالة التي يتم ترويجها أن الجيش كان على قمته فاسد بل خائن يدافع عنه وزير الدفاع الأمريكي!

إلى الآن لم يتم الإفراج عن سامي عنان، وبات واضحاً أن الرجل لم يخضع في محبسه بالقول ليطمع الذي في قلبه مرض، وباتت العملية الانتخابية برمتها مطعوناً في نزاهتها!

لقد أطاح باللواء "خالد فوزي"، رئيس المخابرات العامة، ولم يجد من يثق فيه، سوى سكرتيره الخاص "عباس كامل" فعينه مديراً للجهاز، وهو تعيين كاشف عن حالة القلق التي يعيشيها، وفقدانه الثقة في كل دوائره. فعلى مدى السنوات الماضية عزل وعين (73) وكيلاً بالمخابرات العامة. ورغم أن ولده "محمود" يعمل هناك ويعرف من المخلص لوالده، فلم يجد من يضع فيه ثقته إلا سكرتيره، فعينه بجانب عمله الأصلي متخطياً الرقاب!

هذا فضلاً عن أن وكالة "رويترز" نشرت أنه أطاح بـ(23) ضابطاً، لرفضهم تنفيد التعليمات الخاصة بالتنكيل بالمعارضين. ولا نظن أن ما جرى ضد الفريق سامي عنان يلقي قبولاً داخل الدوائر العسكرية، فلا يبدو أن عنان وحده، ومع هذا كان التهديد بهدم المعبد على من فيه وبالتهديد بطلب التفويض من الشعب لمواجهة هؤلاء الأشرار!

 

لقد ذكر الناس في خطابه الأخير؛ بخطاب السادات الأخير، وهو يهدد المعارضين بأنه سيفرمهم، وأنه لا يبدل القول لديه وما هو بظلام للعباد، وأنه لن يتسامح أبداً!

يدرك السيسي أن فكرة استدعاء الشعب، هي التي كان يتخوف منها عبد الحكيم عامر وزير الحربية، ومدير المخابرات الحربية صلاح نصر، وهما من كانا يخططان لانقلاب عسكري ضد عبد الناصر، لكنهما ترددا كثيراً لخوفهما من "جيش عبد الناصر"، ممثلاً في الفقراء. وفي فترة لاحقة، استدعى عامر أقرباءه من قرية "أسطال "وضواحيها في المنيا؛ لتمثيل غطاء شعبي لانقلابه العسكري، لكن عبد الناصر كان أسبق، فانتهز هزيمة سنة 1967، ليفطر بوزير الدفاع ومدير المخابرات قبل أن يتعشيا به!

التفويض ليس لمواجهة الإرهاب هنا، فالرسائل ليست موجهة للإرهابيين، ولكن لأطراف في السلطة، ولقوى سياسية مدنية، ويعلم، كما يعلم الجنين في بطن أمه، أن التفويض استخدمه للقيام بالمجازر، وإن كان يدرك أن الشعب، وللدقة القطاع الذي خرج تلبية لطلبه في المرة الأولى، لن يؤوب معه هذه المرة، وهو لا يمكنه أن يطلب من الشعب تفويضاً جديداً؛ لأنه إن فعل؛ فسوف تمتلئ الميادين بمن يقولون له: "ارحل"!

لقد ذكر الناس في خطابه الأخير؛ بخطاب السادات الأخير، وهو يهدد المعارضين بأنه سيفرمهم، وأنه لا يبدل القول لديه وما هو بظلام للعباد، وأنه لن يتسامح أبداً!

وتذكرت مع هذا خطاب مبارك الأخير قبل قيام الثورة، وفي افتتاحه لأعمال البرلمان في 2010، وهو يقول سأظل أحكم ما دام هناك نفس يخرج وقلب ينبض!

"بشرة خير"

التعليقات (4)
hamasa
السبت، 03-02-2018 06:04 م
على العقلاء أمثال الرائع الأستاذ سليم عزوز أنه لن يحكم مصر سوى نتاج معسكر كامب ديفيد لأنهم يمثلون الأمن والأمان لبنى صهيون وإن كنت أشك أن جل حكامنا الخونة هم من ربتهم جولدا ائير عندما قالت بملئ فيها " أن الشعوب العربية ستفاجأ يوما أن من يحكمونهم من أبنائنا أو من أبناء بناتنا " فهذا السفيق التافه الغث الذى لا يعى ما يخرج من فمه أهو كلام أم فضلات طعام والكل يعلم تمام العلم أنه ابن مليكة تيتان اليهودية المغربية وأن خال أمه مازال عضوا فى الكنيست . ولكن الشعب المصرى رضى الهوان والذل والإنكسار وسيخرج إلى المسرحية الهزلية بذاكرة السمك أو تحت تهديد منع رغيف الخبز
طير حيران
السبت، 03-02-2018 10:02 ص
لا يثق العسكرى فيمن حوله لأنهم كلهم ( معرفة أروانة ) أى وعاء طعام كبير قدم إليهم على حساب الفقراء ـــ وليس بينهم رابط العيش والملح من كد عملهم
العقيد ابو شهاب
السبت، 03-02-2018 06:46 ص
تصور لو أن ركاباً كانوا في حافلة "باص" قد سار بهم أربعة أمتار ، و إذا بالسائق "قائد المسيرة" يصرخ بعصبية و انفعال و توتر أنه ليس بسائق أو لا يتقن فن السواقة مع إصرار عنيد على البقاء وراء المقود و طلب تفويض من الركاب أن يستمر بل و تهديد من يقترب من كرسي القيادة بالقتل و التكسير. من شبه المؤكد أن الركاب سيعتبرونه هارباً من مستشفى العباسية في مصر أو مستشفى العصفورية في لبنان للأمراض العقلية. إن صبروا عليه و خافوا منه ، فهنالك احتمال كبير أن يهلكهم و يهلك هو معهم في عملية انتحار جماعي . لذلك لا بد مما ليس منه بد و هو مواجهته ببطولة و الأخذ على يده ، و قد يصاب أثناء ذلك اثنان أو ثلاثة من الركاب و لكن إصابتهم ستكون في سبيل إنقاذ العشرات من الركاب أي أوسمة فخر على جباههم مع ثواب من رب العالمين على منع الضرر عن عباده. مصر الحبيبة تستحق أن يقودها سياسي عاقل متزن التفكير ، و لا نريد أن نذرف عليها الدموع مثلما بكينا على سوريا و ليبيا و اليمن علماً بأن بشار و القذافي و عفاش لا يختلفون عن بلحة في شيء . حسبنا الله و نعم الوكيل ، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
هشام ميشلان
السبت، 03-02-2018 01:34 ص
أصبحنا نتلقى مقالاتك يا أستاذ عزوز بوجل ، لعلمنا المسبق بمجريات الأمور ، و مستجدات الأحداث ، و بجهلنا المطبق بخفايا المراد من هذه الوقائع التي لا يقبلها خيال و لا واقع ، فنتوجس خيفة من أسلوبك الساخر و الساحر في قلب الدراما إلى كوميديا ، أو جعلها كوميديا سوداء كما يسميها أهل الفن السابع ، فلا نحن قادرين على الضحك فنستلقي على " قفانا " ، و لا نحن قادرين على البكاء فنندب حظنا العاثر و ننتحب كالثكالى من هول ما وصلت إليه أحوالنا العربية ، و في القلب منها جمهورية مصر العربية الحبيبة ، أمل هذه الأمة الذي تحول إلى ألم ، و كعادة مقالاتك ، كالكتب تقرأ من عناوينها ، فنبدأ الضحك من العنوان ، ثم نسترسل في الضحك و العين تدمع ، حتى أننا لا ندري أهي دموع فرح و نشوة بمقالة كاتب ساخر مثلك ، و ما قد يأتي فيها من مضحكات ، أم هي دموع أسى و حسرة على ما قد يأتي فيها من متناقضات ، الغربيون كما تعلم يا أستاذ عزوز يكتبون مقالات ساخرة ، و يقدمون برامج تلفزيونية ساخرة لينتقدوا سياسات ساستهم ، و يفضحونهم " فضيحة المطاهر يوم طلوعه على المعاش " على أقل هفوة أو غفوة في البرلمان ، رغم أن قادتهم و سياسيوهم ناجحون بتفوق ، بالمقارنة مع من ابتلينا بهم في دولنا من " صبيان الميكانيكي " الذين يظلون في السلطة دهرا ثم يكتشفون أنهم ليسوا بسياسيين ، كاللأخ القائد معمر الذي ظل أربعة عقود رئيسا ، و هو يردد : ( أنا لست رئيسا ، أنا قائد ثورة !)، و مع ذلك فكثيرا ما نخجل من هذا الترف ، ترف السخرية ، خوفا من أن نكون في موقع السخرية من أنفسنا و فشلنا و تخبطنا و ضياعنا و هواننا على الأمم ، لأننا بكل بساطة قد تحولنا إلى دول فاشلة بكل المقاييس ، رغم أن معظم دولنا العربية فاحشة الثراء ، لقد تحول المشهد السياسي العربي يفتقر إلى أية مقومات إبداعية حتى ، كي نطلق عليه تصنيف " مسرحية هزلية " ، و لا يمكن إلا أن نضعه في خانة المسرحيات الهابطة . لكن المحزن في الأمر هو أننا مجبرون على أن نلعب دور الجمهور لهذه المسرحيات الهابطة ، و أحيانا نضطر للضحك على أحداث المسرحية ، و نحن نعلم أننا نضحك على أنفسنا ، على ماضينا و حاضرنا و مستقبلنا .