كتاب عربي 21

الولايات المتحدة… تركيا… وعملية عفرين

بشير نافع
1300x600
1300x600

طبقاً لدوائر إعلامية تركية، مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، تلقى إبراهيم كالن، الناطق باسم الرئيس التركي، اتصالاً من سكرتير مجلس الأمن القومي الأمريكي، جنرال ماكماستر، مساء 26 كانون الثاني/يناير. 

 

خلال الاتصال، أكد ماكماستر على أن الولايات المتحدة ستوقف إمدادات السلاح لحزب الاتحاد الديمقراطي، الكردي السوري، وقوات حماية الشعب، التابعة للحزب. هذه هي المرة الثانية التي قدمت فيها إدارة ترامب لتركيا مثل هذا الوعد. 

 

في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كان الرئيس نفسه، دونالد ترامب، من أخبر نظيره التركي، طيب إردوغان، أن إدارته لن تقدم المزيد من السلاح للمسلحين الأكراد السوريين، مثيراً حالة من الاحتفال في الإعلام التركي.

 

بعد محادثة الرئيسين الهاتفية بأيام قليلة، رصدت قافلة إمدادات عسكرية أمريكية تقطع الحدود العراقية ـ السورية في طريقها للوحدات الكردية في منطقة الرقة. فهل يمكن لأنقرة أخذ وعود ماكماستر هذه المرة على محمل الجد؟

 

الحقيقة، أن تركيا لم تر في الموقف الأمريكي من المسألة السورية، منذ 2011، سوى الأكاذيب والخذلان. ولم يكن هذا هو المتوقع في أنقرة على الإطلاق؛ ليس فقط لأن تحالف الناتو يجمع الدولتين منذ مطلع الخمسينات، ولكن أيضاً لأن تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، اقتصادية- مالية، ثقافية، وعسكرية. 

 

في المرحلة الأولى من الأزمة السورية، قبل التدخل الروسي المباشر، عندما أصبحت سوريا مسرحاً هائلاً للصراع بين المعارضين المسلحين، من جهة، وقوات النظام والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، من جهة أخرى، رفضت إدارة أوباما التدخل لصالح الشعب السوري.

 

وحتى قبل ظهور النصرة وداعش، ترددت واشنطن في تقديم أي دعم جوهري للثورة، أو السماح لحلفائها في الإقليم توفير السلاح النوعي للثوار، على الأقل بما يسمح مواجهة وحشية طيران النظام. وما أن بدأ صعود داعش والنصرة على حساب جماعات المعارضة الأخرى، حتى تخلت إدارة أوباما كلية عن هدف التخلص من نظام الأسد، لتتبعها، خلال فترة قصيرة، السعودية وعدد من دول الدول العربية الأخرى.

 

في نهاية أيلول/سبتمبر 2015، أصبحت روسيا طرفاً مباشراً في الصراع على سوريا، وتغيرت بالتالي معادلة القوة بصورة كبيرة. وبدلاً من أن تتقدم الولايات المتحدة لتعديل ميزان القوى، تركت تركيا منفردة في مواجهة الروس.

 

أعلنت إدارة أوباما أن مهمتها في سوريا محصورة بمكافحة الإرهاب، وأسست مجموعة تنسيق عملياتي مع موسكو لتجنب صدام محتمل بين الطرفين على أرض وفي سماء سوريا. وعندما وقع الصدام التركي- الروسي، بإسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، لم تتلق أنقرة سوى دعم لفظي من واشنطن ودعوات أمريكية لمنع التصعيد. 

 

سوغت إدارة أوباما موقف عدم الاكتراث بأن سوريا لم تكن أبداً منطقة اهتمام استراتيجي للسياسية الأمريكية في الشرق الأوسط. ولكن موقف عدم الاكتراث سرعان ما تحول إلى تباعد عدائي، عندما بدأت واشنطن في دعم الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني.

 

لم يكن الاتحاد الديمقراطي قوة رئيسية في المناطق الكردية السورية في بدايات الثورة. ولكن الحزب اتبع سياسة دموية لإقصاء القوى الكردية المتآلفة في المجلس الوطني الكردي، والممثلة في الائتلاف السوري المعارض. ومع 2014 – 2015، عندما انطلقت معركة تحرير بلدة عين العرب (كوباني) الكردية من سيطرة داعش، أبدى الاتحاد الديمقراطي وميليشياته الاستعداد للتعاون مع الأمريكيين لدحر داعش. وبدأت بالتالي العلاقة التحالفية غير السوية بين واشنطن والاتحاد الديمقراطي. 

 

خلال 2014، وحتى صيف 2015، انخرطت الحكومة التركية والعمال الكردستاني في عملية سلمية؛ ولم يكن ثمة قلق كبير في أنقرة من الصعود المستمر لامتدادات الحزب السورية. وقد لعبت تركيا دوراً مسانداً لتحرير عين العرب من داعش، حتى وهي تعلم أن القوة الكردية المسلحة الرئيسية في العملية تتبع للاتحاد الديمقراطي.

 

ولكن كسر العمال الكردستاني وقف إطلاق النار في آب/أغسطس 2015، ونهاية العملية السلمية في تركيا، ولد قلقاً متصاعداً من هيمنة امتدادات العمال الكردستاني على الساحة الكردية السورية. خلال الشهور التالية، توفرت أدلة متزايدة لدى الأتراك على تعاون وثيق بين العمال الكردستاني في تركيا ووحدات حماية الشعب والاتحاد الديمقراطي في سوريا، ليس فقط على صعيد التدريب والاتصال، ولكن أيضاً فيما يتعلق بإمدادات السلاح والمتفجرات.

 

وحتى أشتون كارتر، وزير دفاع أوباما، خلال جلسة استماع بالكونغرس في نيسان/ابريل 2016، لم يستطع إنكار العلاقة العضوية بين حلفاء إدارته من الأكراد في سوريا والعمال الكردستاني في تركيا.

 

ساعد الدعم العسكري الأمريكي، سلاحاً وتدريباً، الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب على تحقيق سيطرة كاملة على المناطق الكردية في شمال شرق سورية، وفي شمالها الغربي. راقبت تركيا، بقلق بالغ، تطور العلاقة بين الاتحاد الديمقراطي والأمريكيين في شمال سوريا الشرقي، وأعلنت بوضوح أنها لن تسمح بانتشار كردي مسلحة غربي الفرات. وسرعان ما ولد الدعم الأمريكي للأكراد السوريين مشكلة من نوع آخر. 

 

فبالرغم من أن هناك مناطق تواجد كردي ملموس في سوريا، لا يتمتع الأكراد بأغلبية قاطعة في هذه المناطق. ولذا، وكلما كان ذلك ضرورياً أو ممكناً، اتبعت القوات الكردية المسلحة في سوريا سياسة تطهير عرقي ضد العرب والتركمان، بهدف توسيع نطاق منطقة الحكم الذاتي، التي أعلنها الاتحاد الديمقراطي في الشمال السوري. ولكن، وطالما استمر الأكراد في تحمل عبء المواجهة مع داعش، وتجنب الأمريكيون دفع جنودهم إلى ساحة المعركة، غضت واشنطن النظر عن المخاوف التركية وعن سياسة التطهير العرقي التي اتبعها الأكراد.

 

في المقابل، وفي محاولة خداع ساذجة، دفع جنرال رايموند توماس، قائد القوات الخاصة في سوريا، وبرت ماكغورك، مبعوث الرئيس أوباما للتحالف ضد داعش، الاتحاد الديمقراطي، في تشرين الأول/اكتوبر 2015، إلى تشكيل ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية، التي تضم أكراداً وعرباً، كمظلة لقوات حماية الشعب وميليشيات الاتحاد الديمقراطي الأخرى. 

 

في نهاية تموز/يوليو 2016، طلب الرئيس أوباما من إردوغان، في اتصال هاتفي، السماح بمشاركة القوات الكردية في تحرير منبج، المدينة العربية، من داعش، على أن تعود الوحدات الكردية المسلحة إلى مواقعها شرقي الفرات مباشرة بعد تحرير المدينة. دحرت داعش من منبج في مطلع آب/أغسطس، ولكن وعود أوباما لم تتحقق. وبالرغم من الإلحاح التركي، لم تزل وحدات حماية الشعب الكردية تسيطر على المدينة.

 

تماماً كما أن تحرير الرقة في تشرين الأول/اكتوبر الماضي وضع المدينة العربية تحت السيطرة الكردية. وفي هذا الإثناء، كان الاتحاد الديمقراطي نجح، على خلفية فوضى الفصائل في الشمال السوري، وبفعل وجود قوات حماية الشعب في منبج، في تأسيس خطوط إمداد منتظمة للوحدات الكردية في منطقة عفرين، شمال غربي سوريا، التي تحولت خلال العام الماضي إلى قلعة حصينة للحزب وميليشياته. بمعنى، أن إدارة ترامب، وبالرغم من الانتقادات التي توجهها لسياسة أوباما السورية، لم تغير شيئاً من هذه السياسة، حتى بعد وعد ترامب الشهير لإردوغان بوقف إمدادات السلاح لميليشيات الاتحاد الديمقراطي.

 

أدى سحب الصواريخ الأمريكية من تركيا، بدون معرفة الحكومة التركية، خلال الأزمة الكوبية، في مطلع الستينات، ورسالة جونسون لأنقرة في منتصف الستينات بخصوص قبرص، إلى إجراء مراجعة شاملة للسياسة الخارجية التركية. نجم عن تلك المراجعة تحسن ملموس في العلاقات مع الاتحاد السوفييتي، الاعتراف بمنظمة التحرير، وعضوية تركيا في منظمة المؤتمر الإسلامي. إصرار أنقرة على تنفيذ عملية عفرين، والتقارب مع روسيا، بما في ذلك شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية إس 400، مؤشرات على أن التحالف التركي ـ الأمريكي لم يعد كما كان.

1
التعليقات (1)
بشير ـ الجزائر ـ
الثلاثاء، 13-02-2018 06:24 م
العلاقات التركية الأمريكية سادها كثير من المد والجزر بسبب اختلاف العمق الحضاري منذ البداية ، خصوصا أن تركيا لم تكن في يوم من الأيام مستعمرة غربية ، الغرب الليبرالي الرأسمالي الاستعماري يحفظ جيدا تاريخ الدولة العثمانية ، لذلك حاول التعامل مع تركيا من باب تركيع هذه الأخيرة وعدم السماح بقيام قوة رلدعة بها اقتصاديا وعسكريا ، وضم تركيا للحلف الأطلسي كان من باب إخضاع هذا الكيان للمراقبة عن قرب والعمل على التأثير فيه ثقافيا وفكريا ، اليوم وبعد فشل العملية الانقلابية صيف 2016 لا يمكن إلا أن تزيد الهوة بين الطرفين لأن تركيا الجديدة صارت في نظر الغرب عموما وأمريكا وإسرائيل على وجه الخصوص مصدر قلق دائم ، وعلى إثر ذلك يمكن الجزم بأن الغرب رسم لنفسه سياسة خاصة بتركيا فحواها التعامل بحذر بعيدا عن كل ضجيج إعلامي بقصد التضييق على تركيا ، خصوصا مع انخراط أنظمة الاستبداد وعلى راسها السعودية والإمارات ومصر ، وما الحصار حول قطر سوى الشجرة التي تخفي الغابة إذا صح التعبير ، الورقة الكردية هي إحدى الأدوات المستخدمة لجر تركيا إلى معارك استنزاف إمعانا في توجيهها نحو فخ الحرب الطائفية باسن محاربة الإرهاب . تركيا هي الوحيدة تقريبا إذا استثنينا إيران ، من تواجه التحدي الصليبي الجديد ، تركيا تحاول مقاربة التحدي بمنظور حضاري لكن في غياب أي استعداد من عمقها التاريخي الذي رهنت قواعده الصلبة انظمة الاستبداد في حدود الوطن العربي ، إن الفرصة مواتية أمام إيران من أجل تغيير موازين القوى ، ولن يكون ذلك ممكنا إلى من خلال تقارب حقيقي تركي إيراني أفغاني عراقي مع استثمار الصلة القائمة بالهوامش التي تنبض بالحياة ، وبالتوازي مع تجفيف روافد الاستبداد داخل حدود عالمنا العربي من خلال إجراءات نوعية غير متوقعة . هذا هو المسلك الطبيعي الذي يتطلبه الحضور التاريخي على طريق التحدي الحضاري . وشكرا .