كتاب عربي 21

متى سيتم رفع الغطاء الخارجي عن السيسي؟

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600

نشهد كل سنة من اعتلاء الثورة المضادة السلطة؛ خطوة أخرى نحو الكاريكاتورية والتيه والجنون، وليست الانتخابات الرئاسية الحالية سوى محطة أخرى في هذا الاتجاه. يبقى أن السند الأساسي للثورة المضادة ممثلة في السيسي؛ هو الغطاء الخارجي بتفرعاته الإقليمية والدولية، من موسكو إلى وشنطن مرورا بتل أبيب. والسؤال الآن هو التالي: هل أن تدهور مسار سلطة السيسي بلغ مستوى من الكارثية لرفع هذا الغطاء عنه؟ أم أنه لا يزال يمثل بالنسبة لهؤلاء رافعة لمهام وتعهدات أولها "صفقة القرن"؟

 

نقرأ في ترشح شفيق، ثم خاصة في ترشح عنان عدم قدرة قيادة المؤسسة العسكرية الحالية على لجم حزامها ورموزها وفرض الانضباط، وهو ما يشير إلى امتداد وتواصل التشققات العميقة التي مست هذه المؤسسة الصلبة


بقاء عبد الفتاح السيسي حتى الآن على رأس السلطة في مصر؛ لا يعكس نجاحا، بقدر ما يعكس حدة مسار الصراع بين الثورة والثورة المضادة في أكبر قطر عربي، والأكثر تعقيدا وتفاوتا في القوى. لا شك أن الثورة المصرية، والتي نعيش الآن ذكراها السابعة كانت حدثا فارقا في سياق الثورات العربية ذاتها، وفي سياق الثورات المعاصرة في مصر، حيث كان زخمها الشعبي - وإصرار المصريين من كل فئاتهم وخلفياتهم - ضخما وملحميا ويستحق الفخر. وأجبرت الثورة، لأول مرة منذ عشرات السنين، أكبر مؤسسة مصرية، وهي ليست الدولة بل الجيش، أن تنحني وتتفاوض حول دور جديد، أي دور مؤسسة تسند السيادة الشعبية؛ عوض أن تكون مالكة للدولة والمجتمع. ولهذا كان ثأر السيسي ومسانديه في المؤسسة العسكرية من الثورة دمويا وجهوريا، إلى حدود لاعقلانية، وفي شكل مهزلة.  

يجب بداية أن نقرأ في ترشح شفيق، ثم خاصة في ترشح عنان عدم قدرة قيادة المؤسسة العسكرية الحالية على لجم حزامها ورموزها وفرض الانضباط، وهو ما يشير إلى امتداد وتواصل التشققات العميقة التي مست هذه المؤسسة الصلبة إثر زلزال الثورة، وأصبحنا نرى مجالات التباين والخلاف والصراع داخلها. كما أن حيازتها على كلية الشأن العام بوجه مكشوف، إثر اعتلاء السيسي للسلطة، جعل الصراع العام في البلاد يظهر في المؤسسة ذاتها.

لم يكن مصدر قلقها بالأساس ترشح المدنيين مثل المحامي اليساري خالد علي، بل ستسعى لدفع مرشحين مدنيين للتنافس، حيث تعرف جيدا المعنى الكاريكاتوري في أن ينافس السيسي نفسه، وربما يكون ما تبقى من حزب الوفد القربان المناسب لهذا الدور المتقزم، ولجعل الانتخابات "حلال" سياسيا.

 

الإيقاف المهين والغادر لعنان؛ سيترك أثرا داخل المؤسسة وحزامها، وسيقلص بالضرورة من الدعم الداخلي للسيسي. هذه النقطة تحديدا هي التي ستجلب بديهيا اهتمام الرعاة الخارجيين للسيسي

كان مصدر قلقها وجه عسكري آخر ينافس الأخير، والأهم وجه أكثر خبرة وأقدمية وأكثر وضوحا من حيث السجل الحربي. ترشح عنان بالضرورة يجعل السيسي ثانيا، وهو بقصر قامته الفعلية والرمزية؛ يعلم أكثر من غيره أن وقوفه بجانب عنان يقلل من وزنه قبل المنافسة نفسها، وبمعزل عن النتائج. وعليه يجب أن نتوقع أن الإيقاف المهين والغادر لعنان؛ سيترك أثرا داخل المؤسسة وحزامها، وسيقلص بالضرورة من الدعم الداخلي للسيسي. هذه النقطة تحديدا هي التي ستجلب بديهيا اهتمام الرعاة الخارجيين للسيسي، أي مدى قدرته على الحفاظ على التماسك داخل مخبئه العسكري.

كان عنوان افتتاحية واشنطن بوست يوم 24 كانون الثاني/ يناير صارما: "على ترامب أن يدرك أن الديكتاتور المصري ليس صديقا للولايات المتحدة". خاتمة الافتتاحية تلخص كل شيء: "لا عجب أن يقدم اثنان من كبار الجنرالات المتقاعدين أنفسهم بدائل للسيد للسيسي. إن رده باعتقالهم يظهر عدم ثقته في موقفه. قاعدته بصدد التآكل بشكل مطرد، وبدون دعم الكثير من النخبة العسكرية - وهي نفسها أقلية معزولة في مصر - فإن السيد السيسي لا يحظى بفرصة ضئيلة لمعالجة مشاكل البلاد الداخلية المتفاقمة أو هزم تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا يجعله ليس صديقا، بل عبئا بالنسبة للولايات المتحدة".

حتى الصحف الإسرائيلية التي تتصدر الدفاع عن الطاغية المصري عادة، سجلت مؤشر الضعف الحالي، حيث عنونت "جيروزاليم بوست" افتتاحيتها يوم 26 كانون الثاني/ يناير بأن السيسي أقل ديمقراطية من مبارك. وهو ما يعني أنه أضعف وأقل ثقة في نظامه. 

من أهم ما تم نشره في الولايات المتحدة فيما يخص الانتخابات الحالية؛ هو نص لإليوت أبرامز، نائب مستشار الأمن القومي لدى بوش الابن، يوم 23 كانون الثاني/ يناير الجاري، على موقع "الفورين أفيرز" والذي عنوانه: "الانتخابات على طريقة بوتين في مصر".. أبرامز الذي لا يعرف عنه ميل خاص لمسار الثورات العربية، وتوجهه نحو علاقات قوية مع الأنظمة المحافظة، قارن بين طريقة بوتين في إقصاء أي منافسين أقوياء قبل بدء الانتخابات، والسياق الراهن في مصر.

 

نحن بصدد اهتراء لأسس الثقة الغربية، والقدرة على تفعيل "صفقة القرن"، وبالتالي دفن أي أفق جدي لإنجاحها، بل تسويقا ضمنيا لفشلها


الأهم، ما كتبه أبرامز: "السيسي يرى أن من الضروري القيام بذلك؛ هو مؤشر تحذيري لواشنطن. ما مدى شعبية هذا الرجل إذا كان يخشى السماح لأي خصم حقيقي من منافسته؟ فمن المنطقي أن يكون الشخص الذي يحظى بشعبية؛ سعيدا بأن يظهر ذلك من خلال فوز انتخابي حاسم. السيسي يتصرف مثل شخص يعرف أنه فقد دعم الشعب المصري". ثم يضيف: "إذا كان السيسي له شعبية كبيرة، لماذا يخاف من المنافسة؟ وإذا كان يعلم أن شعبيته قد اختفت، فإننا في الولايات المتحدة يجب أن ندرك ذلك أيضا، وهذا ينبغي أن يحدد السياسة الأمريكية تجاه نظامه. كنا نميل إلى معاملته مثل الزعيم الشعبي الذي أنقذ مصر من جماعة الإخوان المسلمين، كما رآه عدد من المصريين في عام 2013".

موسكو لا تبدو قلقة من حالة التقليد التي يمثلها السيسي، بل الأغلب أنها تمثل مصدر فخر. يبقى أن أي إخفاقات أمنية سيتم النظر إليها بوصفها إشكالا كبيرا.

في كل الحالات، نحن بصدد اهتراء لأسس الثقة الغربية، والقدرة على تفعيل "صفقة القرن"، وبالتالي دفن أي أفق جدي لإنجاحها، بل تسويقا ضمنيا لفشلها.

التعليقات (1)
حرفوش
السبت، 27-01-2018 05:49 م
أعتقد أن النظم الغربية ليس لديها مانع من أن يبيد نظام مستبد شعبة كاملا طالما مصلحتهم مع هذا النظام المستبد ولذا أذا لم تتحرك هذة الشعوب للتخلص من هذة الأنظمة وخاصة النظام الحالى بمصر الذى يقف معة الكيان الصهيونى بكل ما اوتى من قوة فلن يرحمة الغرب أو الشرق