مقالات مختارة

«الشيطان في التنفيذ أيضا»

علي الصالح
1300x600
1300x600

لولا بعض الكلمات، لفازت قرارات وتوصيات لجنة الصياغة في اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته الثامنة والعشرين (القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين) بإجماع المشاركين في الجلسة، وعددهم 82 عضوا من أصل 109. 


ورغم ذلك فقد كانت هذه القرارات بالقوة التي لبت إلى حد ما مطالب قوى المعارضة وصوت لصالحها 72 عضوا، وضدها 82 امتنعوا عن التصويت.


ومن الكلمات التي أثارت الجدل وتحفظ بعض المعارضين في المجلس، الذي عقدت جلستاه الثانية والأخيرة بعيدا عن وسائل الإعلام، كلمة «تعليق» التي جاءت في سياق القرار «تكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتعليق الاعتراف بإسرائيل، إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود عام 1967، وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية (بالمناسبة فإن قرار ضم القدس اتخذ بعيد احتلال القدس الشرقية عام 1967)». المعارضون طالبوا استبدال «تعليق» بكلمة «سحب» الأكثر وضوحا وحسما، حسب قولهم. لكن الموافقين يرون في كلمة «تعليق» المشروطة إيجابية وليست منفرة، ويمكن إقناع الأصدقاء، لا سيما في أوروبا بها، ولا يريدون الظهور بمظهر المتشدد. فهي تبقي الباب مفتوحا أمام أي فرصة للتسوية.


الكلمة الثانية التي أثارت جدلا احتد إلى حد استدعى تدخل أبو مازن، هي «السلمية» المرادفة للمقاومة الشعبية، التي جاءت في سياق القرار «تأكيد حق شعبنا في ممارسة أشكال النضال كافة ضد الاحتلال، وفقا لأحكام القانون الدولي والاستمرار في تفعيل المقاومة الشعبية السلمية ودعمها وتعزيز قدراتها». الموافقون رأوا في مطالبة المعارضين بشطب كلمة السلمية نوعا من المزايدة غير اللازمة واللامسؤولة، خاصة أن هناك إشارة إلى حق الشعب في ممارسة أشكال النضال كافة ضد الاحتلال، إلخ.


وكانت هناك انتقادات لغياب التصور والخطوات العملية للانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة، وبدء تجسيد سيادة دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967. وتقدم تيسير خالد ممثل الجبهة الديمقراطية، ببعض الخطوات العملية، ولكن لم يؤخذ بها.


وصدرت دعوات لإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، في سياق «تفعيل قرار قمة عمّان 1980 الذي يلزم الدول العربية بقطع جميع علاقاتها، مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتنقل سفارتها إليها، الذي أعيد تأكيده في عدد آخر من القمم العربية، مع الطلب من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي القيام بالمثل». وقال متحدثون إنه إذا كنا نطالب الدول العربية والإسلامية، بالإقدام على مثل هذه الخطوة فالحري بنا أن نكون القدوة التي تُحتذى، وطبعا رفضت هذه الفكرة. 


لا أحد يستطيع أن ينكر أن القرارات بحد ذاتها، حتى بالصياغة التي صدرت فيها في غاية الأهمية، وتعتبر متطرفة في ظروف غير هذه الظروف. إذن المشكلة ليست في القرارات بل في تنفيذها والالتزام بها. صحيح أن الشيطان كما يقول المثل في التفاصيل ولكنه أيضا في التنفيذ.


التجارب السابقة لا تبشر بالخير، وستبقى هذه القرارات حبرا على ورق، وليست ذات قيمة إذا لم يحرص على تنفيذها بحذافيرها، وسيكون مصيرها مصير غيرها من قرارات وتوصيات صدرت عن اجتماعات سابقة للمجلس المركزي، ونخص بالذكر جلسة مارس 2015، إذ لم تلتزم اللجنة التنفيذية للمنظمة التي أحيلت إليها مسؤولية تنفيذ هذه القرارات، لا سيما قرار وقف التنسيق الأمني.


لكن الواقع السياسي وليس الاحتلالي، حاليا مختلف عما كان عليه في 2015، وهو العام الذي سبق انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكانت فيه الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما، لا تزال تضع وزنا للعرب، وفي مقدمتهم الفلسطينيون، ولا تريد أن تخل بالتوازن القائم في حينه، ولم يكن لديها النية لكشف عورات العرب بقرارات، كما قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. أقول ذلك ليس دفاعا عن إدارة أوباما وما سبقها من إدارات، بل لأن قرار ترامب، بشأن القدس كان قائما عمليا على الأرض وجاء ليكشف كذبة السلام التي لطالما صدقناها، أو بالأحرى أردنا تصديقها، لأنه لا خيارات أخرى لدينا، بعد ان حرقنا جميع سفن العودة إلا الخيارات الأخرى في حال فشل خيارنا الاستراتيجي وقد فشل. ورغم قوتها فإن هذه القرارات كما سابقاتها، حبر على ورق فاقدة للقيمة والوزن، إذا بقيت آليات التنفيذ مغيبة. ونأمل ألا تكون هذه القرارات والتوصيات مجرد ردود أفعال، وسط فورة غضب ستخمد مع الزمن، كما في الكثير من ردود الأفعال التي تصدر عنا، وهو ما جعل مسؤولا في البيت الأبيض يصف أيام الغضب الفلسطيني بمجرد ردود أفعال متشنجة سرعان ما ستنتهي مع الأيام، وهو بذلك يشير إلى تجارب وفورات غضب سابقة، باستثناء هبة الأقصى التي غيرت الانطباع ونجحت في تحقيق أهدافها، والسبب هو توحيد الهدف والمطلب والجهد بين الشارع والقيادة، والعمل معا وبتناغم، والثبات على الموقف حتى تراجع الاحتلال مكرها عن قراراته ومخططاته وبواباته وكاميراته، في المسجد الأقصى ومحيطه.


وكما أسلفنا فقد أقر المجلس المركزي العديد من القرارات التي جاءت تحت عناوين مختلفة في تسع مواد، وفي كل مادة هناك عدد من البنود. وبرأيي فإن أحد أهم القرارات، التي ربما لم تلفت الانتباه، ولم تحظ بالاهتمام والتركيز، هو قرار «تبني المجلس لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها «بي دي أس»، ودعوة دول العالم إلى فرض العقوبات على إسرائيل، لردع انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي، ولجم عدوانها المتواصل على الشعب الفلسطيني ونظام الأبارتهايد الذي تفرضه عليه». 


فهذا القرار كما قلنا لا يقل أهمية عن غيره من القرارات، إن لم يكن من بين الأهم ويتطلب البناء عليه، وله متطلباته التي تبدأ داخليا بترتيب البيت الفلسطيني، وإعداده خير إعداد لتحمل أعباء مثل هذا القرار، لا سيما زيادة الوعي لدى الناس، خصوصا الشباب بضرورة مقاطعة كل السلع والمنتجات الإسرائيلية بالمطلق. ووقف استيرادها خاصة إذا كانت هناك بدائل لهذه السلع، وهذا بدوره يحتاج إلى تفعيل قرارات اتخذتها الحكومات الفلسطينية المتعاقبة ولم تلتزم بها؛ وسيتطلب أيضا فرض العقوبات والغرامات الكبيرة على كل من يخرق قرارات الحكومة.


ولأن «بي دي أس» حقا تقلق إسرائيل وساستها، فقد خصصت عشرات ملايين الدولارات لمكافحة هذه الظاهرة التي بدأت تكتسب اهتماما واسعا، لا سيما في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، خاصة في أوساط الشباب، أي قادة المستقبل الذين لم تعد اتهامات معاداة السامية تشغل أفكارهم كثيرا، ولا تشكل عامل خوف لديهم. وهذا ما يخيف دولة الاحتلال وهو ما دفعها إلى التعاقد مع عشرات القانونيين الدوليين لملاحقة المسؤولين عن هذه الحركة في أمريكا وأوروبا وغيرهما.


وأخيرا، فإن قرارات المجلس المركزي في دورته الأخيرة، قرارات تصلح لأن تشكل قاعدة وبرنامج حد أدنى في مثل هذه الظروف العصيبة، تلتف من حوله كل الفصائل بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، لمواجهة التحديات التي تمر بها القضية الفلسطينية والتصدي لما يسمى «صفقة العصر»، التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى فرضها بالتنسيق مع أنظمة عربية، وهذا يحتاج إلى تضافر الجهود وعدم إدارة الظهر لها، لأن مثل هذا الموقف هو الأسهل لإلقاء المسؤولية على الطرف الآخر، وهذا ما لا نحتاجه الآن، لأن الخطر المحدق والتحديات أكبر من كل الخلافات والكلمات. 


وأختتم بالقول إن اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير، الذي أحضره لأول مرة كضيف، أعادني بالذاكرة إلى أكثر من45 عاما مضت وتحديدا سبعينيات القرن الماضي، إلى مؤتمرات الاتحاد العام لطلبة فلسطين، حيث كانت لدينا القدرة على استيعاب كل الاتجاهات السياسية بصدر واسع ورحب وقلب مفتوح، صحيح أننا كنا نتصارع ونتناطح فكان ذلك ملح وبهار المؤتمرات. ألا ليت الشباب يعود يوما.

 

القدس العربي

0
التعليقات (0)