قضايا وآراء

ألف يوم من الحرب على اليمن

امحمد مالكي
1300x600
1300x600

مرَّ أكثرَ من ألف يوم على ما سُمي" عاصفة الحزم"، التي أعاد التحالف العربي تسميتها بـ"إعادة الأمل"، وخلال هذه المدة القاسية لم يتحقق "الحزم"، ولا عاد الأمل إلى ربوع اليمن؛ الذي أصبح حزيناً، بعدما ظل يُنعت لعقود بـ"اليمن السعيد". فمنذ فجر السادس والعشرين من شهر آذار/ مارس 2015، واليمنيون يعيشون هولَ الحرب، ويُكابدون جحيم نيرانها، وفظاعة خسائرها المادية والبشرية، إلى حد وصف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "مارك لوكوك" الوضعَ في اليمن بـ"يوم القيامة".

كنتُ قد كتبت مقالاً مَوسُوماً "دَردشَةٌ مع شاب يمني" قبل اندلاع "عاصفة الحزم" بثلاثة أيام (23 آذار/ مارس 2015)، وهو خلاصة حوار جرى بالصدفة في مقهى غير بعيد عن ساحة "تقسيم" وسط إسطنبول. أما قيمة استحضار هذا المقال بعد مرور أكثر من ألف يوم من الحرب على اليمن، فتكمن في ما ذهب إليه هذا الشاب من أن "الحربَ ستطول في ربوع بلده"، وأنه يخطئ من يعتقد أن "الخروجَ من اليمن أسهل من الدخول إليها"، وأن "الحربَ على اليمن بحجة محاربة المذهبية والطائفية مجرد ذريعة؛ لأن اليمنيين تعايشوا لقرون رغم تعدد مذاهبهم، وتنوع طوائفهم وأديانهم". والحقيقة أن واقع اليمن اليوم يؤكد صِدقية هذه الخُلاصات، ويُعزز قولَ هذا الشاب.

 

مرور أكثر من ألف يوم من الحرب على اليمن جعل القضية اليمنية أكثر وضوحاً من حيث أسبابها ورهاناتها، وأبعادها وخسائرها. لكن ما يبدو غير واضح في سيرورة تطور هذه الحرب الحلُّ السياسي المأمول


لا شك في أن مرور أكثر من ألف يوم من الحرب على اليمن، جعل القضية اليمنية أكثر وضوحاً من حيث أسبابها، ورهاناتها، وأبعادها، وخسائرها. لكن ما يبدو، في المقابل، غير واضح في سيرورة تطور هذه الحرب الحلُّ السياسي المأمول والمطلوب. فمن المؤكد أن القوى الإقليمية الفاعلة والموجهة للتحالف العربي؛ مرتبكة، وغير قادرة على صياغة مشروع لإيقاف الحرب، وترتيب شروط عودة السلام إلى ربوع اليمن. كما أن مكونات النسيج اليمني الداخلي منقسمة على ذاتها، وتتجاذبها ولاءات عديدة، ولا يبدو على وجه اليقين أنها في موقع قوة لاسترداد زمام المبادرة، وقيادة البلاد نحو الحل أو الحلول الممكنة.

يَقودُنا التحليلُ أعلاه إلى الجزم بأن ألفَ يوم من الحرب؛ حوّلت اليمنَ إلى دولة فاشلة، وعرّضت المجتمعَ لثلاثية فظيعة نَخرت ما تبقى من قدرة أبنائه على الصمود والاستمرار.. إنها تحديداً ثلاثيةُ: الحرب والمجاعة والأمراض. يكفي أن نُشير إلى ما أصبح متداولاً على أعمدة التقارير الدولية ذات العلاقة، حيث جسَّد اليمنُ، بعد ألف يوم من الحرب على أراضيه، أسوأ كارثة إنسانية في العالم منذ 50 عاماً، كما تنطِق بذلك الأرقامُ والإحصائيات. فمن أصل 27 مليونا، هم عدد سكان اليمن، يوجد 22 مليونا منهم في حاجة إلى حماية ومساعدات إنسانية. كما أن 18 مليونا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، يمثل الأطفال من بينهم 11 مليونا، أما الذين أكلتهم نيران الحرب فتجاوزوا ثمانية آلاف، والذين شُردوا وغادروا ديارهم قَسراً؛ فيُقدر عددهُم بثلاثة ملايين، ناهيك عن حرمان 16 مليون يمني من المياه، وخدمات الصرف الصحي، والرعاية الصحة بشكل عام. هذا، ولم يفت منظمة "اليونيسيف" الإشارة في تقاريرها إلى أن مدة الدراسة لا تتجاوز في الكثير من المؤسسات التعليمية يومين في الأسبوع، دون الإشارة إلى توقف رواتب هيئات التدريس والموظفين، وتقطع الدراسة وتوقفها أحيانا في الجامعات وهيئات التعليم العالي.. نحن إذن أمام جيل تقطعت سُبُل التعليم والتربية والتكوين لديه.

فإذا أضفنا إلى ما سلف واقع الصحة المتدهورة بانتظام، نُدرك حجم مأساة اليمن، ومعاناة اليمنيين، ونعي تمام الوعي صعوبات بناء السلام والاستقرار في هذا البلد، والأهم والأخطر، نٌقدِّرُ تعقيدات إعادة إحياء جذوة الحياة والأمل في نفسية الإنسان اليمني. لذلك، لا يبدو واضحا مُستقبل اليمن، وفرص الحل السياسي المنتظرة والمطلوبة.

يحضرني، في هذا المقام، ما قاله مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن "سايمون هندرسون"، من أن الدول الإقليمية الأساسية في التحالف العربي ليست على رؤية واحدة بالنسبة لمستقبل الحل في اليمن، في إشارة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات. فبينما تأمل الأولى، بحسب قوله، "أن تُنتج الحربُ في المرحلة الأخيرة دولةً يمنيةً خاليةً من المشاكل ومواليةً للسعودية"، يُفضل "الإماراتيون العودةَ إلى الانقسام الذي كانت تشهدُه البلادُ بين شمالها وجنوبها قبل توحيدها عام 1990".

 

ارتباك الذي يشهده التحالف العربي، وضعف الرؤية القائدة للحرب، وصعوبات البحث عن المخارج المرشِّدة لخسائر الحرب وهول دمارها


يؤكد هذا الكلام في الواقع الارتباك الذي يشهده التحالف العربي، وضعف الرؤية القائدة للحرب، وصعوبات البحث عن المخارج المرشِّدة لخسائر الحرب وهول دمارها. ففي أوج تصاعد حرب التحرير الجزائرية ضد فرنسا (1960)، ومع ازدياد وعي الفرنسيين استراتيجية الانسحاب من دولة ضموها إلى بلادهم قسراً، دعا الجنرال "ديغول" إلى ما سماه "سلام الأبطال"، أي التفاوض من أجل الاستقلال، فكانت اتفاقية إيفيان (EVIAN)، وكان الإعلان عن الاستقلال (1962).. أليس من العبث الاستمرار في حرب دمرت الشجر والبشر؟ أم الحكمة تقول: نعم لـ"سلام الأبطال أو الشجعان"؟

التعليقات (0)