كتاب عربي 21

ودول "غلمانية" أيضا.. (1)

طارق أوشن
1300x600
1300x600

في عز الحملة الإعلامية الشرسة التي شنتها دول الحصار على دولة قطر قبل أشهر، خرج سفير دولة الإمارات العربية المتحدة بواشنطن، يوسف العتيبة، في لقاء تلفزيوني ليعتبر أن الخلاف بين دول الرباعية والدوحة خلاف فلسفي حول شكل وطبيعة الدولة التي يريدها كلا الطرفين لمستقبل الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي تسعى فيه الرباعية لإرساء دول علمانية المنهج تعمل "الشقيقة الصغرى" على بناء شرق أوسط إسلامي متطرف الهوى. سخر كثيرون وقتها من كلام يوسف ولم يعلموا أن الفتى كان يتحدث عن دول "غلمانية" لكن التعبير خانه فخرجت "علمانية".


وكان قائد الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي سباقا للحديث، دون قصد ربما، عن هذا الاختيار "الغلماني" حين تحدث، في لقاء جمعه بوفد "إعلامي"، احتجاجا على كلمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصف خلالها ما حدث بمصر "انقلابا عسكريا" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقال: "وأنا صغير كان فيه ناس كبار يضربوني فأقول لهم بكرة أكبر وأضربكم". انتهى التأصيل النظري لفكر "الدولة الغلمانية" وهو ما تكرس على الأرض في كثير من المواقف والقرارات التي اتخذت طابع الكيد الطفولي مدخلا جديدا لتدبير العلاقات الدولية بين الأمم.


عبدالله بن زايد، رئيس يوسف العتيبة في الديبلوماسية الإماراتية،  اعتقد أنه "كبير بما فيه الكفاية" للإساءة لمن رآهم نفس الرئيس التركي "أجداده" عبر إعادة تغريدة اعتبرت مسيئة لفخر الدين باشا، فما كان من "الحفيد" غير وصف الوزير الإماراتي ب"البائس" دون قدرة الأخير على الرد، وهو ما تكفل به "الفقيه الغلام" وسيم يوسف المجنس إماراتيا قبل سنوات.


ولأن "الغلمنة" صارت منهاجا ونبراسا يحتذى، فقد توالت النماذج التي ما أن تتكلم حتى تسيء لبلدانها وللمناصب التي تقلدتها، بقدرة قادر، لا عن جدارة واستحقاق بل عن خنوع وتطبيل. تركي آل الشيخ، وفي ظرف أسبوع واحد، راكم الزلات في تناوله لقضايا "صغيرة جدا جدا جدا" بدت في الحقيقة "كبيرة جدا جدا جدا"، حيث أساء لبلده وهو يعيد نشر فيديو لمشجعين يمنيين أراد من خلاله التركيز على تجنيس دولة قطر للرياضيين، وهو نفس الكلام الذي كرره في افتتاح بطولة العالم للشطرنج، أمام أسماع الوفود الأجنبية بصيغة تعد "تحقيرا وعنصرية" ضد مواطنين لمجرد حملهم أسماء آسيوية لا ترقى لمقام "العائلات الكريمة" الخليجية كما يقول. الغرور والغطرسة صفتان تعميان صاحبهما عن رؤية الحقائق وتدفعانه للخطأ عن جهل وسبق إصرار وترصد.


من الواضح أن قضايا المنطقة العربية صارت في أيدي عديمي الخبرة لا يفرقون بين حروب في الواقع لها حساباتها الإقليمية والدولية وحقائقها على الأرض، وبين ألعاب فيديو تبشر بانتصارات وتدمير لقدرات العدو، في وقت يتأكد فيه أن الحقيقة عكس ذلك تماما. فالمغامرات غير المحسوبة سلمت للعدو المفترض مفاتيح القرار في أكثر من دولة "حليفة" لمجرد أن الماسكين الجدد بالملفات اعتبروا، عن سوء تقدير وفهم، بقية البلدان مجرد توابع على الهامش لا هامش أمامها غير تنفيذ الأوامر والاصطفاف وراء قطبا العالم، كما أسماهما إمام الحرم المكي، وإلا فالعقوبات الاقتصادية والحصار سيف مسلط على الرقاب.

 

كان هذا ما اعتقده الرئيس السوري بشار الأسد ابن والده حافظ، الذي طوعت نصوص الدستور لتصير على مقاسه حتى يتمكن من الحكم "غلاما" لم يبلغ الحلم السياسي بعد. وذاك ما اعتقده جمال مبارك ابن الرئيس المصري وهو يتطلع لحكم البلاد بديلا عن الأب، وكان ذاك حال سيف إسلام القذافي ابن والده العقيد، ولم يكن الأمر بعيدا عن  أحمد على عبد الله صالح وهو الذي لا يزال راغبا في حكم اليمن "السعيد". والنتيجة ما تنقله نشرات الأخبار على رأس كل ساعة أو عواجل تقطع الإرسال.
ما كان بالإمكان ظهور مثل هذه الكائنات "الغلامية" التي صارت تملأ الشاشات تفاهة وتتحكم في مصائر العباد، لولا الطبيعة الأسرية للأنظمة العربية وابتعادها عن ربط المسؤولية بالمحاسبة وفق الأعراف والقوانين الدولية التي تكاد الإنسانية تجمع عليها. فعندما يكون النظام السياسي العربي مبنيا على الخنوع لعائلة الرئيس أو الأمير أو الملك فردا فردا، فلا غرابة في أن تنتقل "الهيبة" و"السلطة" إلى الأتباع المقربين والبطانة الفاسدة.


في فيلم (الديكتاتور – 2009) للمخرج إيهاب لمعي، يظهر عزيز، أحد أبناء حاكم بامبوزيا شنن الجيوش، في حفلة رسمية وهو المعتاد على حفلات المجون التي ينظمها باستمرار.
عزيز: ايه الخنقة ايلي احنا فيها ده يا حنفي؟ أنا حاسس أن احنا في مجلس الشعب البامبوزي. مين دول يا حنفي؟


حنفي: ده رسميات معاليك، ومتنساش أن حضرتك هنا بتمثل دولة بامبوزيا.
عزيز: قلت لي الجدع ايلي هناك ده بيشتغل ايه؟
حنفي: ده سفيرنا في مصر.
عزيز: طب روح انده له يا حنفي..
يصل السفير إلى حيث يجلس عزيز.
عزيز: انت سفيرنا انت؟
السفير: أؤمر جنابك..
عزيز: اقعد
يطلب زوجا من الطقطقات التي تستعملها الراقصات.


عزيز: امسك.. تعرف تشغل دول؟ (يتمنع السفير للحظة) حنفي، هو سن التقاعد عندنا كام يا حنفي؟
حنفي: ستين سنة يا افندم. لكن لو جنابك تأمر يمكن يبقوا أقل بكثير..
عزيز: تك.. تك.. تك. (يبدأ السفير في استخدام الطقطقات على إيقاع لحن عزيز).. كل دقة من دول ح تمد بيك سنة.


كانت تلك الكلمة المفتاح فتحول سعادة السفير إلى مجرد طقطاقة تحزمت لتبدأ وصلة رقص بمشاركة الحاضرين إرضاء لنزوات ابن شنن الجيوش.


سلطة عزيز وأخوه حكيم مستمدة من "جينات" الوالد شنن الجيوش، وبفضلها صار لهما في بامبوزيا يد طولى تعين وترقي وتعزل وتتصرف في عزبة الأب كما تشاء.
بامبوزيا، مجرد صورة مصغرة لأوضاع الجغرافيا العربية دون استثناء..

0
التعليقات (0)