قضايا وآراء

الجانب الإنساني في الحرب اليمنية

محمد  الشميري
1300x600
1300x600
عادة عندما تنشب الحروب بين فريقين أو دولتين؛ لا تنظر للجانب الإنساني، ولا تضع ضمن مخططاتها تجنيب الإنسان آثارها. وهل للحروب العبثية أهداف سوى النيل من الإنسان؛ مهاجما كان أم مدافعا؟ لكنها أيضا تجرف في طريقها الأبرياء والمظلومين الذين ليس لهم علاقة بأطماع المتحاربين. فالحرب، مهما تكن صغيرة أم كبيرة، قصيرة أم طويلة، تؤدي لا محالة إلى الإضرار بالإنسان: حياته، وحقوقه، وممتلكاته، ومقدرات وطنه.

وعادة ما تكون الحروب بين طرفين: مهاجم ومدافع.. يدعي أحدهما حماية الإنسان وحراسة حقوقه من الآخر. لكن الحرب اليمنية تعاضدت فيها ثلاث فئات استهدفت اليمنيين: المملكة والتحالف، والحوثيون، والمنظمات الأممية.

فالمملكة التي تتزعم الطرف المهاجم للقضاء على الانقلابيين، واسترجاع الشرعية كما تزعم، استباحت الإنسان اليمني، ونالت من كرامته، وأضرت بمصالحه، وبات فيها الإنسان اليمني البريء هدفا لأسلحتها، ومقدرات اليمن غاية لتدميرها.

وليس صحيحا أن الحرب التي تقودها المملكة والتحالف محكومة بالجانب الإنساني، وأن تأجيل الحسم وإطالة الحرب لتجنيب الإنسان تبعات الحرب، كما يتشدق بذلك وزراؤها وسفراؤها وإعلاميوها، فالجانب الإنساني هو آخر ما تفكر فيه المملكة والتحالف، ومجريات المعارك تؤكد ذلك.

وعن أي جانب إنساني يتحدثون؟ وهل الحصار المميت المفروض على اليمن يلبي الجانب الإنساني؟! وهل الضربات الجوية التي تستهدف منازل المواطنين الأبرياء وأسواقهم وطرقهم ومزارعهم ومدارسهم؛ لها ارتباط بالجانب الإنساني؟ وتهجير أبناء القرى والجزر من بيوتهم، كما فعلت الإمارات في ميون وباب المندب.. ألم تكن جرائم ضد الإنسانية؟ وابتكار سجون ومعتقلات سرية وملؤها بالمواطنين الأبرياء؛ ألا يعني ذلك انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان؟!

ربما أتقنت المملكة والإمارات - لبعض الوقت - فن الاستحواذ على القرار الأممي، وتجييره لصالحهما، من خلال تلك الصفقات الضخمة التي قدمتاها للأمريكان والروس والفرنسيين والإنجليز، لكنهما لن تستطيعا تغطية جرائمهما في المدن والقرى اليمنية، والتي رصدتها كاميرات وأقلام الحقوقيين الأمميين، قبل المحليين. فالجرائم ضد الإنسانية لا تنمحي بمال، ولا تزول بالتقادم، واليمنيون على دراية بحقيقة الأهداف التي جمعت خصوم الأمس، والأطماع التي وحدت بينهما.

أما الحوثيون الذين يرون في أنفسهم الطرف المدافع في الحرب اليمنية، فلا يقلون إجراما عن المملكة والتحالف، وإن كانوا في الحقيقة هم أخطر على اليمن ممن سواهم، فدفاعهم المستميت عن صنعاء اليوم ما هو إلا دفاع عن سلطة نهبوها، وحق صادروه، ووطن دمروه. ولا يهمهم مطلقا اليمن، ولا يحسبون قط للجانب الإنساني أي حساب، ولا يعني لهم الإنسان اليمني إلا كذباب يضعون له مصيدة لقتله والتخلص منه.

فالحوثيون يتخذون من الحرب سبيلا لامتهان كرامة الإنسان اليمني، ومصادرة حقوقه، وابتكروا لذلك وسائل شيطانية للتخلص منه وإذلاله وتجويعه وإفقاره، ولا يتحرجون في ذات الوقت؛ من المتاجرة بمعاناته، والتباكي على أوضاعه.

ولعل الأحداث التي أعقبت مقتل صالح في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر الحالي؛ فتحت شهية الحوثيين لارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، فلاحقت القيادات العسكرية لتصفيتها، والقيادات السياسية ففرضت الإقامة الجبرية على بعضها، وملأت المعتقلات بالبعض الآخر، وقادت المعتقلين إلى سجون مستهدفة من قبل طيران التحالف. ووفقا لمنظمة "رايتس رادار"، فإن حجم انتهاكات حقوق الإنسان في صنعاء عقب مقتل صالح؛ تجاوزت كل التوقعات، وبلغت مستوى خطيرا للغاية، وأن بعض الانتهاكات تصل إلى مستوى جرائم الحرب، مثل القتل الجماعي، والتهجير، والحصار، وتقييد الحريات، والاعتداء على التظاهرات النسائية، والاعتقالات الجماعية، وحجب المواقع الإخبارية الالكترونية وكافة وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها. وأصبح اليمنيون تحت طائلة البطش الحوثي: قتلا وتصفية واعتقالا وإفقارا وتجويعا.

وكلا الجانبين (التحالف والحوثيون) لايرقبان في مواطن إلا ولا ذمة.. يتعمدان الإضرار باليمنيين، والنيل من كرامتهم، ومصادرة حرياتهم، وحرمانهم من أبسط الحقوق. ويتساوى في ذلك مواطنو المناطق المحررة ومواطنو المناطق التي لا زالت تحت السيطرة الحوثية. فالجرم الذي يرتكبه الحوثيون في مناطق سيطرتهم هو ذات الجرم الذي يرتكبه التحالف في المناطق المحررة، فأصبحوا جميعا يتفننون في اختلاق الأزمات لزيادة معاناة اليمنيين.

فبينما يعمل الحوثيون في صنعاء ومناطق سيطرتهم على منع الموظفين مرتباتهم، يذهبون إلى احتكار السلع الغذائية والمشتقات النفطية، والإخفاء المتعمد لتلك السلع التي يعتمد عليها المواطن المسكين، شراء وعملا وتسويقا، والتحكم ببيعها بأسعار خيالية.. وهكذا أيضا يقوم التحالف في عدن والمحافظات المحررة بافتعال الأزمات، وإخفاء المشتقات النفطية، وحرمان الناس من الخدمات الضرورية، من الكهرباء والمياه وغيرهما.

وإذا كان الحوثيون يستولون على قوافل الإغاثة المقدمة من المنظمات الدولية ويمنعونها عن المواطنين، فإن دول التحالف تمنع الدول الأخرى (غير المملكة والتحالف) من تنفيذ أي مشروع خدمي يستفيد منه المواطنون، في الوقت الذي تتمنع هي عن إعادة المشاريع الخدمية، مغالاة في معاقبة اليمنيين، وزيادة في معاناتهم.

والأنكى من ذلك، أن الحصار الذي يفرضه التحالف ويرمون من ورائه إضعاف الحوثيين، لا يتضرر منه سوى المواطنون، أما الحوثيون فإنهم يستفيدون أيما استفادة من ذلك الحصار، وكلما أحكمت المملكة والتحالف الحصار كلما طار الحوثيون فرحا به. ولو لم يكن التحالف من يقوم بهذا الحصار وإحكام الأزمة، لبحث الحوثيون عمن يحاصرون اليمن، ولو دفعوا لهم ثمن ذلك. فالحوثيون يبحثون عن ذريعة لتجريع اليمنيين الويلات؛ انتقاما منهم على السنين التي مضت في عصر الجمهورية، أما هم  فتكفيهم تلك المساعدات الإغاثية التي قدمتها لهم الأمم المتحدة، والتي منعوها عن المواطنين بمعرفة وعلم المنظمات الدولية كلها، وجعلوا منها تجارة رائجة لمليشياتهم، يخنقون بها المواطنين، وينهبون أموالهم، ويحتكرون الأسواق.

أما المنظمات الأممية التي يفترض أن تكون منحازة للجانب الإنساني، وداعية الأطراف لتجنيب الإنسان وحقوقه وممتلكاته جرائمها (الأطراف)، والالتزام بمعايير وقوانين الحرب الدولية، تراها (المنظمات) تجاري طرفي الحرب في انتهاكاتهم لحقوق الإنسان اليمني.. فتارة تساند التحالف، وأخرى تدعم الحوثيين، والمتضرر في كلتيهما الإنسان اليمني الذي أنهكته الحرب، وأعياه الحصار.

وبينما ترفع المنظمات الأممية تقاريرها التحذيرية حول الوضع الإنساني الكارثي في اليمن، تجدها هي نفسها تتمادى في الإسهام في تفاقم تلك الأوضاع، وزيادة حجمها، من خلال انبطاحها أمام الأطراف المتحاربة. ولعل أكبر جرم ارتكبته تلك المنظمات؛ هو مغادرتها صنعاء بعد مقتل صالح، وتركها غنيمة للحوثيين.

وكنتيجة لتلك الحرب العبثية، وتواطؤ المنظمات الدولية، فإن ملايين اليمنيين يعيشون أوضاعا غاية في البؤس. إذ أصبح ما يزيد عن 18.8 مليون يمني يبحثون عن لقمة تقيهم الموت، ويتكففون المنظمات الدولية للحصول على ما تقدمه من مساعدات إنسانية، في الوقت الذي يعاني فيه 8.4 مليون من اليمنيين خطر المجاعة، ما حمل الأمم المتحدة على وصف الأزمة في اليمن، ولأول مرة، بأنها "أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم"، وأن الحرب حولت اليمن إلى أسوأ الأماكن على وجه الأرض، وفقا للتقارير الأممية.

ولا يتورع المتحاربون في اليمن عن الإضرار بالمواطنين بكل فئاتهم. فالنساء اللاتي ليس لهن ناقة في الحرب ولا جمل؛ طالتهن آلة الحرب، وفقدت اليمن خلال عام 2016م فقط؛ أكثر من 4272 أمّا. أما الفقر والجوع، فقد قاد بعض النساء إلى عرض أجزاء من أجسادهن للبيع لمواجهة لقمة عيش تُسكت بها أمعاء أبنائهن، وتنقذهم من الموت.

وحتى الأطفال الصغار حديثي الولادة؛ طالتهم آلة الحرب، حيث فقد اليمن خلال العام الماضي أكثر من 23 ألف طفل. وتوقعت منظمة اليونيسف أن يفقد اليمنيون ما يقارب 150 ألف طفل بنهاية 2017، جراء الحصار الأخير وإغلاق ميناء الحديدة من قبل التحالف، عقب صاروخ الحوثيين الذي وصل الرياض. أما الأطفال الذين تقتادهم المليشيات إلى جبهات القتال، فتلك مصيبة أخرى، ولعل توجيه  سيد الحوثيين لأتباعه بعدم الإعلان عن القتلى من الأطفال، وعدم الاحتفاء بمقتلهم، لئلا يسجل من قبل الحقوقيين، أكبر دليل على فداحة إجرام المليشيات، وحجم انتهاك حق الطفولة.

وبعد كل هذا، أما آن للمنظمات الدولية أن تعمل وفق أهدافها؛ بعيدا عن الانحياز والتآمر على الشعوب؟ وأما آن للمجتمع الدولي أن يقف بحزم أمام تجاوزات المتحاربين في اليمن بحق الإنسانية؟ وأما آن للمتحاربين أن يقلعوا عن أحقادهم الدفينة نحو اليمنيين؟ فاليمن سيبقى مهما طالته آلات مكرهم وأحقادهم، واليمنيون باقون مهما تآمر عليهم المتآمرون، وسيلاحقون من ظلمهم وجنى عليهم.. عاجلا أم آجلا.
التعليقات (0)