قضايا وآراء

اليمن.. سيناريوهات مظلمة

محمد  الشميري
1300x600
1300x600
قُتل صالح في مشهد لم يتوقعه أحد، فتهديداته التي سبقت مقتله بساعات؛ لم تكن تحمل في طياتها تلك النهاية، فقد كان الجميع يقرأ من ثنايا خطاباته وتهديداته مخاوف جمة على أعدائه الحوثيين. فالكثيرون ممن عرفوه أخذوا تلك التهديدات محمل الجد، خاصة وأن الرجل استطاع خلال فترة حكمه الطويلة الممتدة لثلاثة وثلاثين عاما؛ تحصين نفسه وإمبراطوريته بسياج عسكري متين، ليس من السهل اختراقه أو الوصول إليه.

ولكنه سقط، وسقطت معه آمال الكثيرين، أشخاص ودول، ممن علقوا عليه آمال تخليصهم من عدوهم اللدود (الحوثيين)، ورفع الحرج عنهم، والانتصار لهزيمتهم وفشلهم الذريع. فالحرب التي شنتها السعودية والإمارات؛ كان من ضمن أهدافها المعلنة اجتثاث الحوثيين، وتأمين اليمن والمنطقة والإقليم (على حد قولهم) من التدخلات الإيرانية.

لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة ببعيدة عن المشهد اليمني منذ ثورة فبراير الشبابية 2011م، فقد كانت اللاعب الأبرز في الأحداث الدراماتيكية التي مر بها اليمن.. فهي من أشعلت الحرب العبثية، وهي من قضت على آمال وتطلعات اليمنيين، بهدف القضاء على ثورة الشباب، والانتصار لفكر غاشم تبنته على حساب دماء وأرواح اليمنييين. ومن أجل ذلك، رسمت سيناريوهاتها الحاقدة التي كان لها وقع في تحديد ما آلت إليه اليمن إلى اليوم.

بدأتها بسيناريوهين متلازمين: الأول: تمثل في إسقاط صنعاء بيد الحوثيين وتمكينهم من السلطة، وإجبار صالح على التنسيق والتحالف معهم، في طريق إعادة إنتاج نظامه، والآخر تمثل في القضاء على الإخوان المسلمين، وإزاحتهم من المشهد السياسي.

لكن هذين السيناريوهين لم يحققا للإمارات شيئا.. فأما الحوثيون، فقد غير التدخل الإيراني مجريات الأحداث لصالحهم، وأصبحت صنعاء رابع عاصمة عربية تخضع للسيطرة الإيرانية مباشرة، مستخدمة في ذلك نفس الأداة التي استخدمتها الإمارات، أي صالح ذاته، والذي أصبح - من حيث لا يعلم - أداة بيد الإيرانيين، واستطاعت إيران من خلاله إدخال السعودية والإمارات في مأزق كبير في حربهما على اليمن، فسلاح صالح الذي بات بيد الحوثيين حطم مشروع السعودية والإمارات.

وهنا لم يكن من بد أمام الإمارات إلا باستغلال حليفها صالح من جديد؛ للتعاطي مع الحوثيين وفق خطة جديدة، لإظهار جرائمهم، وإفساح المجال لهم لنهب مقدرات اليمن، والنيل من كرامة وعزة اليمنيين، في محاولة لحمل الشعب اليمني للترضي على صالح ونظامه، والقبول بعودته كمخلص لهم.

أما بالنسبة للإخوان المسلمين، فقد استطاعت الإمارات القضاء على أبناء الشيخ الأحمر، وإسكات حزب الإصلاح في مناطق سيطرة الحوثيين، ولكنها لم تستطع اجتثاثهم حسب مخططها، فقد ظلوا ملازمين لهادي في منفاه، واعتلى الجنرال محسن مهمة نائب الرئيس، وهنا كان لزاما على الإمارات ابتكار سيناريو جديد، بالاستفادة من تطورات الأوضاع في المنطقة.

السيناريو الثالث تمثل في عرقلة هادي وحكومته، والطعن بشرعيته، وإظهاره بالعاجز عن إخراج اليمن من محنته. ونجحت في ذلك بامتياز، وأصبح هادي رهين فنادق الرياض لا يستطيع منها الخروج، وأصبحت حكومته في صدام مع رجالات الإمارات في عدن، تاركين الشعب اليمني يعاني الأمرّين: من الحوثيين في صنعاء، والانقلابيين في عدن.

أما السيناريو الرابع الذي رسمته الإمارات؛ فتمثل في الدفع بصالح لإشعال انتفاضة ضد الحوثيين، وإظهاره بالقوة الخارقة التي تتحطم على آلاتها أطماع وجرائم الحوثيين. وقد كان لها ذلك، فقد أعلن صالح فض شراكته مع الحوثيين، ودعا إلى مواجهتهم عسكريا للقضاء عليهم. وهنا كانت الكارثة، فالرجل الذي صدّق الإمارات ونفذ طلبها؛ لم يكن حقيقة يملك القوة التي تحميه من الحوثيين. فرجاله الذين أنفق أموال الدولة عليهم أصبحو أداة بيد الحوثيين، يستخدمونهم في مطاردته ومحاصرته، ولم يعد يملك قرار عودتهم أو استرجاعهم إلى إمرته. كما أن الإمارات نفسها لم تف بوعودها معه، وتركته فريسة للحوثيين الذين حاصروه في عقر داره، وقضوا عليه دون رحمة.

وهنا تثار الشكوك حول الإمارات، لماذا تركته وحيدا؟ وما دوافعها من ذلك؟ 

ربما أرادت الإمارات إدخال حبكة في المشهد، لمزيد من الإثارة، ولإبراز موهبتها الدرامية في استحلال دماء اليمنيين، فعملت على تسهيل قتل صالح؛ في محاولة لإلصاق التهمة بدولة قطر التي عملت على إدخالها دون سابق إنذار كفاعل سلبي في المشهد اليمني، وإثبات تدخلها لمصلحة الإيرانيين، بهدف إضفاء مصداقيتها لدى العالم بعامة، والسعودية بشكل خاص، فبدأت بنشر إشاعة عرض قطر للتوسط بين صالح والحوثيين لإجهاض "الانتفاضة" التي أشعلها صالح، وإنقاذ الحوثيين من نهاية محدقة، وختمتها بإشاعة تورط قطر في عملية القتل المهينة.

وإذا كانت الإمارات قد حبكت خيوط ذلك الاتهام المفضوح للنيل من سمعة قطر، فإنها لم تضع في حسبانها التصريحات التي خرجت بها القيادية في حزب المؤتمر الشعبي العام، فائقة السيد، التي تحدثت عن العرض الطارئ الذي تلقاه صالح من السعودية ما جعله يسارع في الانقلاب على حليفه الحوثي، حيث قالت السيد في تغريدة على تويتر؛ إن "السعودية تواصلت مع الرئيس السابق صالح بشكل مباشر، وعرضت عليه الدعم العسكري لمواجهة ما تبقى من مليشيات الحوثي وتطهير كافة المناطق اليمنية".. وإن كان في هكذا تصريح تبرئة لقطر، فإن فيه إهانة للسعودية التي ظلت ثلاث سنين تسعى للقضاء على صالح، فجاء الحوثي للقضاء عليه خلال ثلاثة أيام.

والسؤال من الذي قتل صالح؟

حقيقة لم تكن الإمارات تهيئ المشهد اليمني لصالح، فهي تعلم أن الرجل أصبح من الكِبَر ما لم يعد يقوى معه على القيام بالمرحلة المقبلة، ولكنها تملك البديل، إنه "أحمد" الذي أعدته جيدا لخلافة والده، وليكون رجلها الأول في اليمن. فالإمارات تعد نفسها لتكون مليكة الزمان، والمتفردة بالأمر في المنطقة، الأمر الذي يستوجب معه أن تصنع رجالاتها في المنطقة، من السيسي في مصر، وابن سلمان في السعودية، إلى أحمد في اليمن، وهكذا.

وفي سبيل تهيئة الأمور لأحمد؛ يستوجب على الإمارات القضاء على منافسيه، واصطناع أحداث تظهر بطولة الرجل، وأحقيته بقيادة اليمن في المرحلة المقبلة.

وهنا جاءت تعديلات متسارعة في سيناريوهات الإمارات في ضوء المستجدات في المشهد اليمني، فانتفاضة صالح كانت تستوجب إقامة تحالف جديد تقوده الإمارات للقضاء على الحوثيين، فعملت على نزع فتيل الفتنة التي زرعتها بين هادي والجنرال من جهة وبين صالح من جهة أخرى، فسارع هادي بإيعاز من الإمارات بالإعلان رسميا بالوقوف مع صالح في انتفاضته، ودعوة الشعب لمساندته في وجه الحوثيين.

لكن الأمر تغير، فالتعديلات السابقة التي أجرتها الإمارات، والتي سهلت بموجبها التخلص من صالح، سيحملها على إجراء تعديل آخر ستؤكده الأيام القادمة للتخلص من آخر العوائق التي تقف أمام تنصيب أحمد، وسيتمثل في الدفع بالجنرال علي محسن الأحمر لقيادة معركة صنعاء والثأر لصالح، جنبا إلى جنب مع أحمد، ومن ثم التخلص منه بالكيفية نفسها التي تخلصت بها من صالح، وقبل أن يدخل صنعاء منتصرا، لإتاحة المجال لأحمد لدخول صنعاء فاتحا، ومنقذا لأبنائها، وآخذا بثأر أبيه.

وبذلك تكون الإمارات قد ضربت عدة أهداف بقذيفة واحدة، وإن كانت على الطريقة الحوثية في تطوير وتجريب الصواريخ البالستية التي تطلقها صوب الأراضي السعودية: القضاء على الحوثيين والإخوان، وإعادة إنتاج نظام صالح في صورة نجله أحمد، وتشويه صورة قطر، وإحكام قبضتها على محمد بن سلمان والقرار السعودي.
التعليقات (0)