مقالات مختارة

عمّان لا "تغرد" بعيدا عن الرياض ولا تستطيع مجاراتها

عريب الرنتاوي
1300x600
1300x600

يصعب على المسؤولين الأردنيين التعبير عن مشاعر القلق والانزعاج حيال العديد من السياسات التي تنتهجها جارتها الكبرى، المملكة العربية السعودية، لكن الأصعب على هؤلاء هو التعبير عن مشاعر الارتياح والانسجام مع تلك السياسات، سيما في الآونة الأخيرة، حيث بدا أن المملكة الغنية نجحت في "اختطاف" الملف الفلسطيني من بين يدي اللاعب الأردني، الذي احتل على الدوام موقعا رياديا في جهود إحياء السلام، وعمل وسيطا للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجسرا للتواصل المباشر وغير المباشر بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، من بينها السعودية ذاتها.

الأردن يتابع بنوع من القلق والريبة، "الاندفاعة" السعودية صوب "التطبيع" المعلن والمضمر مع إسرائيل، وتولي ولي العهد السعودي ملف التنسيق مع إدارة ترامب حول مبادرة الأخير للسلام في الشرق الأوسط، وغالبا من دون تنسيق وتشاور مسبقين مع عمّان، بل وحتى مع السلطة الفلسطينية ذاتها، ليس لأن الأردن يعارض من حيث المبدأ تطبيعا للعلاقات العربية – الإسرائيلية، فهو على العكس من ذلك، طالما أعتبر أن طريق الحل السياسي التفاوضي، هو "خيار استراتيجي" له وللعرب كافة، وهو من أشد المتحمسين لمبادرة السلام العربية، التي تعرض تطبيعا شاملاُ للعلاقات بين إسرائيل و57 دولة عربية وإسلامية نظير إنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولة لهم، والتوصل إلى حل "متفق عليه" لقضية اللاجئين.

لكن الأردن يخشى أن يفضي "استعجال" الأمير الشاب الذي بات يتحكم بمفاصل السلطة والقرار في المملكة، للتطبيع مع إسرائيل، مدفوعا بالرغبة في تشكيل حلف إقليمي – دولي ضد إيران، إلى ترك الأردن وراء ظهره، من دون أن تؤخذ مصالحه بنظر الاعتبار عند صياغة أي مبادرة جديدة لحل قضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وثمة إحساس يكاد يطغى على الأوساط السياسية الأردنية، بأن المملكة الجارة، لا تعامل الأردن بما يستحق من تقدير واحترام، وأن الأردن بات مهددا بفقدان مكانته المتميزة كدولة محورية أقله في ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وفي ضوء تواتر التسريبات والمعلومات التي تتناقلها صحف ووسائل إعلام دولية وإقليمية وتتحدث عن تجاهل مبادرة ترامب لحقوق اللاجئين الفلسطينيين، يخشى الأردن الذي يعد أكبر دولة مضيفة للاجئين الفلسطينيين، أن يخرج من "صفقة القرن" من دون الحصول على ما يستحقه من تعويضات، سواء كدولة مضيفة أو للاجئين الأفراد من مواطنيه والمقيمين على أرضه ... كما يخشى الأردن أن تمارس عليه ضغوطا لاحقة، لتجنيس أكثر من 700 ألف فلسطيني مقيم، لا يحملون جنسيته الأردنية، فضلا عن إعطاء الأردنيين من أصول فلسطينية، وهم أزيد من نصف سكانه، المزيد من حقوق المواطنة في المشاركة والتمثيل السياسيين، مع كل ما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات على أمنه الوطني وسلمه الأهلي.

ويتخوف الأردن كذلك، من أن تتعرض "الرعاية الهاشمية" للمقدسات الإسلامية في القدس، وبشكل خاص المسجد الأقصى، للتهديد، في ضوء التسريبات التي تتحدث عن "تدويل" هذا "المربع المقدس" وإنهاء ما يقرب من مائة عام من رعاية الهاشميين لثالث أهم مسجد عند المسلمين، وهي الرعاية التي أكدتها معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية في العام 1994 وكرسها الاتفاق بين الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في العام 2013.

تاريخيا، كان الأردن هو من يقود الجهود عن الجانب العربي في كل ما يتعلق بعملية السلام مع إسرائيل، وهو من يقوم بتنسيق المبادرات مع الإدارة الأمريكية والقيادتين الفلسطينية والإسرائيلية حيال هذه الموضوعات، في حين ظل الدور السعودي داعما للأردن من الخلف... اليوم، يبدو أن المشهد مرشح للانقلاب تماما، فالسعودية هي من يتولى التنسيق مع واشنطن عبر قناة محمد بن سلمان – جارد كوشنير، وهي من يدير اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع الإسرائيليين، والمطلوب من الأردن أن يدعم ويساند جهود الأمير الشاب وطموحاته الجامحة، حتى وإن لم يجد الأخير، حاجة للتشاور مع عمان، وفي قضايا وموضوعات، تقع في صلب مصالحه الوطنية وصميم حسابات أمنه الوطني.

وإذا كانت المقاربة السعودية الجديدة حيال "الملف الفلسطيني" هي أكثر ما يقلق الأردن من سياسات العهد السعودي الجديد، إلا أنها ليست وحدها مصدر القلق والانزعاج والتحسب ... فالسعودية تبدي تمنعا واضحا في مد يد العون الاقتصادي والمالي للأردن، في لحظة تتميز بتفاقم حدة الأزمة الاقتصادية وتنامي العجز في موازنته العامة ...وبعد انتهاء منحة الخمسة مليارات دولار الخليجية للأردن (2011 – 2016)، والتي لم تصرف كاملة حتى تاريخه، ليس في أفق العلاقة بين الأردن والسعودية (والخليج عموما) أية بوادر لتجديد هذه المنحة، أو تقديم المساعدة المالية المباشرة للخزينة.

والأردن والسعودية، ليسا على "الموجة" ذاتها حيال أزمات الإقليم المشتعلة من حولها ... فالأردن، وإن كان جزءا من التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية في اليمن، إلا أن مشاركته في هذه الحرب لا تتعدى "الطابع الرمزي"، والأردن في "دواخله" يرى أنها حرب فائضة عن الحاجة، ولم تكن ضرورية أبدا ... والأردن، وجد نفسه في وضع محرج مع اندلاع "أزمة قطر"، ما اضطره لتخفيض مستوى التمثيل الديبلوماسي مع الدوحة، وتسبب له ذلك بخسائر اقتصادية لم يجر التعويض عنها، برغم الوعود التي قدمت له من الرياض وأبو ظبي ... وأخيرا، فإن آخر شيء كان ينتظره الأردن، هو رؤية لبنان ينزلق في أتون الفوضى والاضطراب بعد الاستقالة غير المألوفة في شكلها ومكانها لرئيس حكومته سعد الحريري، الذي عاد إلى بيروت بعد عشرين يوما من "رحلة الألغاز والغموض".

وإذ سعى الأردن لملاقاة الموقف السعودي التصعيدي ضد إيران، وعمد إلى استدعاء سفيره للتشاور بعد الاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية في إيران العام الفائت، وإذ وقفت الديبلوماسية الأردنية إلى جانب نظيرتها السعودية في كل مواقفها ومبادراتها ضد إيران في المحافل العربية والإقليمية والدولية، إلا أن الأردن لا يستطيع "مجاراة" السعودية حتى النهاية من دون أن يقامر بعلاقاته مع دمشق وبغداد، حيث تنعقد رهانات الأردنيين على تطبيع علاقات بلدهم مع الدولتين الجارتين، وفتح المعابر والحدود واستئناف حركة البضائع والرساميل والخدمات والأفراد معهما، للخروج من ضائقتهم الاقتصادية، سيما وأن إيران باتت "دولة جارة" للأردن على حدوده الشمالية والشرقية.

مشكلة الأردن مع السعودية بخاصة، تتجلى في "اعتماديته" عليها، مع وجود ما يقرب من نصف مليون أردني من العاملين في المملكة وعائلاتهم وتحويلات سنوية تتعدى الأربعة مليارات دولار، فضلا عن قناعة الأردن، بأن الرياض هي "قاطرة مجلس التعاون ومحركه الرئيس"، ورهاناته التي لا تنقطع على فرص تحسن العلاقات الثنائية وعودة التدفقات المالية والاستثمارية والاقتصادية لتصب في عروق اقتصاده المريض وموازنته العامة المثقلة بالعجوزات المتراكمة.

كل ذلك يملي على الأردن ألا "يغرد بعيدا" عن السرب السعودي – الخليجي، بيد أن ذلك لا يمنع من الاحتفاظ بـ "مسافة أمان" عن الرياض، التي تكاد صحافة العالم ودبلوماسيته أن تُجمعا على أنها خرجت كليا عن تقاليدها المحافظة في السياستين الداخلية والخارجية، وأنها تتخذ من المواقف والسياسات المفاجئة والدرامية ما يبرر وصفها بـ"المغامرة" و"المتهورة".

موقع قناة الحرة

0
التعليقات (0)