سياسة دولية

لماذا يدعم الرئيس الأمريكي حملة اعتقال أثرياء السعودية؟

 أبدى دونالد ترامب تأييده لحملة الاعتقالات بالسعودية- أ ف ب
أبدى دونالد ترامب تأييده لحملة الاعتقالات بالسعودية- أ ف ب

أثارت تعليقات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الاعتقالات وحملة التوقيفات التي أعلنتها الحكومة السعودية خلال الأيام الماضية، العديد من علامات الاستفهام، خاصة أن تصريحاته تساند التحركات السعودية رغم تضرر مصالح واستثمارات بعض رجال الأعمال الموقوفين في الولايات المتحدة.

وأبدى الرئيس الأمريكي تأييده للحملة قائلا إن بعض المعتقلين "كانوا 'يستنزفون' بلدهم لسنوات"، لكن في نفس الوقت عبر بعض المسؤولين الغربيين عن عدم ارتياح بشأن رد الفعل المحتمل إزاء ذلك في سياسات الرياض القبلية والملكية الغامضة.

وتراجعت معظم أسواق الأسهم الخليجية خلال تعاملات الثلاثاء، بفعل المخاوف المتعلقة بحملة واسعة على الفساد في السعودية، يقول منتقدون إنها مسعى شعبوي لإحكام القبضة على السلطة، لكن مواطنين سعوديين يرون فيها هجوما تأخر كثيرا على فساد نخبة ثرية.

واحتجزت السلطات العشرات من كبار الشخصيات السعودية مثل الملياردير الأمير الوليد بن طلال في خطوة من المعتقد على نطاق واسع أنها محاولة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحييد أي معارضة في وجه صعوده الخاطف لقمة هرم السلطة.

لكن المؤيدين للحملة وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، يرونها حملة على السرقة المزمنة للمال العام في أكبر بلد مصدر للنفط في العالم والذي تحكمه ملكية مطلقة.

وقال حسين الدوسري المقيم بالرياض: "كان ينبغي محاربة الفساد منذ أمد بعيد لأن الفساد هو الذي يؤخر تطور المجتمع".

وقال فيصل بن علي: "إن شاء الله كل ما حدث... هو البداية فقط لما هو مخطط له" مضيفا أنه يريد أن يرى "تصحيحا للأخطاء.. تصحيحا للوزارات وتصحيحا لأي ظلم يقع على الناس".

تحويل السلطة


لكن بعض المحللين يقولون إن حملة الاعتقال هي أحدث خطوة لتحويل السلطة من نظام قائم على الإجماع وتوزيع السلطة بين أفراد أسرة آل سعود الحاكمة إلى هيكل حكم يرتكز على الأمير محمد نفسه البالغ من العمر 32 عاما.

ويخشى المستثمرون من أن حملته على الفساد، التي تشمل اعتقال رجال الأعمال السعوديين الأشهر في العالم، قد تعرض ملكية الشركات والأصول لمخاطر تحولات سياسية لا يمكن التنبؤ بها.

وقال مصرفيون ومحامون إن البنوك السعودية جمدت أكثر من 1200 حساب مصرفي لأفراد وشركات في المملكة وإن الرقم يواصل الصعود.

وسعى البنك المركزي السعودي إلى طمأنة مجتمع الأعمال بأن التحقيقات لن تلحق ضررا بالاقتصاد قائلا إن الشركات والبنوك يمكنها العمل بشكل عادي.

وقال البنك المركزي في بيان إنه قام، بناء على طلب من النائب العام، بتجميد الحسابات المصرفية الشخصية للأفراد المشتبه بهم، إلى أن تفصل المحاكم في قضاياهم لكنه لا يعلق عمليات شركاتهم.

وأضاف في البيان أن أنشطة الشركات لن تتأثر وأنه لا توجد أي قيود على تحويلات الأموال من خلال القنوات المصرفية الشرعية.

مواصلة النشاط


وذكر بيان منفصل أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أصدر تعليمات إلى الوزراء المعنيين باتخاذ الإجراءات التي تكفل للشركات الوطنية والمتعددة الجنسية، بما في ذلك تلك المملوكة كليا أو جزئيا لأفراد قيد تحقيق شامل لمكافحة الفساد، بأن تواصل كافة أنشطتها.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن بيان صدر بعد اجتماع لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية رأسه الأمير محمد قوله: "نوه المجلس بأن استمرار عمل تلك الكيانات يشكل دعما للاقتصاد الوطني، ويحافظ على جاذبية المناخ الاستثماري بالمملكة، ويسهم في خلق فرص وظيفية بما يعزز حماية الحقوق ويضمن التنافس العادل".

وفي واشنطن، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت في إفادة صحفية: "نواصل تشجيع السلطات السعودية على ملاحقة المسؤولين الفاسدين قضائيا ونتوقع أن تفعل ذلك بطريقة عادلة وشفافة".

وأضافت أن الولايات المتحدة تلقت تأكيدات من الحكومة السعودية بأنها ستفعل ذلك لكن مسؤولا أمريكيا آخر أبلغ الصحفيين في وقت لاحق بأنها أخطأت التعبير وأنهم لم يتلقوا تأكيدات من هذا القبيل.

قلق المستثمرين


تراجع المؤشر العام السعودي 0.7 في المائة وقادت الأسهم المرتبطة بشخصيات شملتها حملة الاعتقالات تراجع السوق.

وتضمن ذلك سهم المملكة القابضة، شركة الاستثمار التابعة للأمير الوليد، الذي تراجع عشرة بالمائة لتصل خسائره في الأيام الثلاثة منذ إعلان التحقيقات إلى 21 بالمائة.

وفي دبي، التي توجد بها استثمارات كبيرة للسعوديين، تراجع مؤشر الأسهم 1.8 بالمائة. في المقابل ارتفع مؤشر أبوظبي، الأقل انكشافا على الأموال السعودية، 0.4 بالمائة. لكن الكويت واصلت تراجعها ليفقد مؤشر البورصة 2.8 بالمائة.

وتزامن قلق المستثمرين مع توتر حاد بين الرياض وطهران انعكس في تنديد ولي العهد السعودي بإيران مجددا بشأن دورها في اليمن وتبادل الاتهامات إزاء الاضطرابات السياسية في لبنان وهو بؤرة أخرى للتنافس بين إيران والسعودية.

وفي استعراض لنزوعه لمواجهة عدة تحديات في آن واحد، قال الأمير محمد بن سلمان إن تزويد إيران فصائل مسلحة في اليمن بصواريخ "يعد عدوانا عسكريا ومباشرا من جانب النظام الإيراني وقد يرقى إلى اعتباره عملا من أعمال الحرب ضد المملكة".

وكان ولي العهد السعودي يتحدث هاتفيا مع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عقب نجاح الدفاع الجوي السعودي في اعتراض صاروخ باليستي قالت القوات السعودية إن الحوثيين أطلقوه يوم السبت باتجاه الرياض.

حرب اليمن


وتقود السعودية تحالفا عربيا لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ضد الحوثيين في حرب أسفرت عن مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص حتى الآن وتسببت في كارثة إنسانية في واحد من أفقر بلدان المنطقة.

ونفت إيران وقوفها وراء إطلاق الصاروخ رافضة بيانات سعودية وأمريكية تندد بطهران ووصفتها بأنها "هدامة واستفزازية وافتراءات".

وأثار التزامن بين التوتر السعودي الإيراني والاضطرابات الداخلية في السعودية قلق بعض الحكومات الغربية ومحللين بشأن ظهور نمط ارتجالي في صنع القرار السياسي تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان.

وكتب مارك لينش أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن في مقال بصحيفة واشنطن بوست: "إنه يدفع على ما يبدو باتجاه إقامة نظام فردي من الحكم دون الضوابط والتوازنات التي ميزت نظام الحكم السعودي".

وأضاف قائلا: "في كل من الشؤون الداخلية والخارجية دائما ما ينفذ حملات مفاجئة وواسعة النطاق لأسباب غير واضحة تحطم القواعد السائدة".

قاعدة حيوية للسلطة


من بين المحتجزين في الحملة على الفساد الأمير متعب بن عبد الله الذي أقيل من منصب وزير الحرس الوطني الذي يمثل قاعدة حيوية للسلطة تضرب بجذورها في قبائل المملكة. ويعيد الإجراء إلى الأذهان تنحية الأمير محمد بن نايف من ولاية العرش في حزيران/ يونيو.

وجاء أول ظهور علني مؤكد للأمير محمد بن نايف منذ ذلك الحين في جنازة الأمير منصور بن مقرن نائب أمير منطقة عسير الذي لقي حتفه في تحطم طائرة هليكوبتر يوم الأحد. ولم يتم الكشف عن سبب الحادث.

مخاطر رد الفعل


وحذر مسؤول كبير سابق بالمخابرات الأمريكية من أن ولي العهد قد يواجه رد فعل بالنظر إلى نظام الولاء الذي يقوم عليه الحرس الوطني.

وقال المسؤول: "يصعب علي تصديق أن الحرس الوطني سيقبل ببساطة فرض قيادة جديدة بهذا الشكل التعسفي".

ويقول بعض السعوديين إن الحملة قد يكون لها بعض الأثر في تخفيف حدة السخط العام بشأن انتهاكات مالية من قبل أصحاب النفوذ.

وقال المحلل السياسي المقيم بالسعودية منصور الأمير: "ما من شك في أن الاعتقالات ستخفف غضب المواطن العادي الذي شعر أن هذه الأسماء والقادة الكبار الذين وردوا في القائمة كانوا بمنعة من المساءلة القانونية".

وأضاف قائلا: "نشر ذلك على الجمهور دليل على أنه لا أحد مستثنى من المساءلة القانونية وسيعود ذلك بالفائدة في النهاية على المواطن والتنمية (الوطنية)".

التعليقات (0)