كتاب عربي 21

أطلقوا سراح هشام

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

كل الذين عرفوه، وأنا أحدهم، يُجمعون على أنه شخص وديع ومهذب، وغير محسوب على أي طرف حزبي. هذا لا ينفي أن خلفيته اسلامية، ولكن ذلك لا يشكل في حد ذاته تهمة تستوجب إيقاف الرجل قرابة السنتين دون تهمة أو محاكمة. وهو بالتأكيد ليس عضوا بحركة الإخوان المسلمين - إن كان ذلك يعتبر جريمة يعاقب صاحبها بالحبس - فمنذ أن عرفت هشام جعفر، لفت نظري نزوعه نحو الاعتدال، وتميزه برؤية نقدية واضحة لفكر الإخوان وخطابهم السياسي ومناهجهم في التربية والتنظيم. فهو من المشاركين بصدق وجدية في توسيع دائرة التنوير وتجديد الثقافة الإسلامية. وقد حاول ذلك في مختلف المسؤوليات التي تولاها، بما ذلك رئاسة تحرير موقع "اسلام أون لاين" في وقت سابق. كما أنه مناهض للعنف ولجماعات العنف التي يرى في أعمالها ومنهجها وبالا على الدين والأمة، وقد انتقدها بشدة في العديد من مواقفه وكتاباته.

 

منذ أن عرفت هشام جعفر، لفت نظري نزوعه نحو الاعتدال، وتميزه برؤية نقدية واضحة لفكر الإخوان وخطابهم السياسي ومناهجهم في التربية والتنظيم


بناء على هذه الصورة الإيجابية التي أحملها عنه، ويشترك معي فيها كثيرون، صدمت عندما علمت بخبر اعتقال هشام، وظننت في البداية أن الرجل قد يكون ضحية خطأ إداري سيقع تصحيحه سريعا، أو أن ما حصل له كان بسبب وشاية كاذبة سرعان ما ستكتشف الأجهزة الأمنية عدم صحتها، وسيتم الإسراع بالإفراج عنه، وبل وربما تقديم الاعتذار له عما تعرض له من ظلم!

على العكس من ذلك، طالت فترة الاعتقال، وساءت ظروف الإقامة، وتدهورت صحة الرجل الذي يعاني من قبل بمرض السكري، وهو الآن مهدد بفقدان البصر. لماذا كل هذا التنكيل بشخص شريف ونظيف ووطني يحب بلاده، ويسعى الى كل ما يحقق لها ولشعب مصر الأمن والاستقرار والحرية والرفاه؟

آخر مرة التقيت فيها بهشام؛ كانت بجينيف، ضمن لقاء شاركت فيه شخصيات مصرية متنوعة، من بينها من كان قريبا من النظام، ومنهم من كان يتحمل مسؤوليات سياسية بارزة في عهد الرئيس مبارك. وكان الهدف من اللقاء تبادل الرأي حول أهمية الحوار في حل الخلافات السياسية وحسن إدارة الأزمات، ولم يُدع إلى ذلك الاجتماع أي شخص ينتمي للإخوان المسلمين أو قام بالدفاع عنهم. وكانت مساهمة هشام جعفر في النقاش رصينة وثرية ووفاقية، ولاقت استحسان المشاركين. ولم يكن أحد يتوقع أن الرجل سيحرم بعد ذلك اللقاء من حريته، وسيسحب عنوة من عائلته، وسيعيش محنة مؤلمة عجزت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية حتى الآن؛ من تخفيف حدتها، وهو ما جعله يشن أكثر من إضراب جوع، معرضا حياته للخطر عسى أن يجد من يتفهم قصته ويتدخل لإنقاذه قبل فوات الأوان.

هل يعقل أن يعاقب شخص ما بسبب كونه معتدلا ومستنيرا ومخلصا لوطنه؟

 

هل يعقل أن يعاقب شخص ما بسبب كونه معتدلا ومستنيرا ومخلصا لوطنه؟ هذا ما يحصل لهشام في ظرف تحتاج فيها مصر له ولأمثاله، وبدل أن يتم الاحتفاء به ودعمه والاستفادة من خبراته وتشجيعه على نشر الأفكار المناهضة للعنف والتطرف، وجد نفسه محشورا ضمن عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، ليطحن معهم في ظروف سجنية سيئة، دون أن يعرف سبب اعتقاله، أو يعرف على الأقل تاريخ إحالته على القضاء؛ حتى يتأكد مما له وما عليه. ولعله في محبسه يتذكر يوميا تفاصيل فيلم "إحنا بتوع الأوتوبيس" لعادل إمام.

وكما أن الإخوان لم يستوعبوا الدروس الضرورية من أخطائهم السابقة؛ التي نتجت عنها خسائر ضخمة لهم ولوطنهم مصر، فإن الكثير من خصوم الإخوان لم يدرسوا بشكل جيد الأسباب العميقة التي تجعلهم قد يربحون معركة أو أكثر، لكن ذلك لا يعني أنهم قد كسبوا الحرب نهائيا، فهؤلاء تعودوا أن يعمموا المواجهة مع الإخوان؛ يبدأون بالمنتمين عضويا من كوادر وعليا وقواعد، ثم ينتقلون إلى توجيه ضرباتهم بشكل عشوائي، فيصيبون عددا كبيرا من المسالمين والمعتدلين، وينتهي بهم الأمر إلى استعداء من هم مختلفون عن الإخوان، أو كانوا شركاء للنظام في حربه على الإخوان، فإذا ببعضهم يجد نفسه يقاسمهم السجون والمنافي. هذا ما حصل في تجارب عديدة بالمنطقة العربية، وهو ما نتجت عنه سيئات عديدة ومخاطر شديدة الوطأة والكلفة، مثل استقالة الشرفاء من الشأن العام أو صعود جماعات راديكالية هوجاء تؤمن بما تسميه إدارة التوحش.

 

كما أن الإخوان لم يستوعبوا الدروس الضرورية من أخطائهم، فإن الكثير من خصومهم لم يدرسوا بشكل جيد الأسباب العميقة التي تجعلهم قد يربحون معركة أو أكثر

يجب أن ينتهي هذا الكابوس.. يجب أن يعود هشام إلى أسرته وأولاده وأصدقائه. من الخطأ الاستمرار في هدر الطاقات والمعادن النفيسة، وقد سبق لرسول الله محمد أن قال قولته الشهيرة والعميقة: "الناس معادن".. فهل من مستجيب؟

التعليقات (1)
منجي دلالي
الإثنين، 06-11-2017 08:32 ص
اعتقال أيّ شخص من أجل آرائه السّياسيّة وقناعاته الفكريّة سواء كان إخوانيّا أو غير إخوانيّ جريمة في حقّ الإنسانيّة ولكن تلك طبيعة حكم العسكر ولا خلاص لمصر إلاّ بذهاب هذا الحكم.