ملفات وتقارير

ما علاقة إغلاق مكتبات بمصر بخسارة معركة اليونسكو؟

كيف  تهدد مثل هذه المكتبات الأمن المصري؟ (موقع مكتبات الكرامة)
كيف تهدد مثل هذه المكتبات الأمن المصري؟ (موقع مكتبات الكرامة)
جاءت مطالبة عددا من المثقفين والأدباء؛ بالتراجع عن إغلاق المكتبات ووقف الاعتداء عليها، ليعكس واقع الثقافة المصرية الذي تعيشه في ظل نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، خاصة أن ذلك تزامن مع منافسة مصرية على رئاسة اليونسكو؛ انتهت بخسارة مصر للمنصب، فيما عزا البعض أسباب الخسارة إلى موقف النظام المصري السلبي من الثقافة والفكر.

منشآت عشوائية

وكان أكثر من 300 أديب ومثقف قد وقعوا على بيان مؤخرا، يطالب محافظ بورسعيد اللواء عادل الغضبان بالتراجع عن موقفه بإخلاء مكتبة التفوق العلمي ومكتبة 6 أكتوبر التابعتين لهيئة قصور الثقافة.

اقرأ أيضا: الانقلاب يغلق مكتبات الكرامة لأنها "ضد أهداف حكم العسكر"

وجاء في البيان الذي نشرته جريدة "المساء" الحكومية: "يعرب الموقعون على هذا البيان عن استيائهم الشديد من عزم محافظ بورسعيد على إخلاء مكتبتي التفوق العلمي، المخصصة للهيئة العامة لقصور الثقافة منذ 36 عاما، ومكتبة 6 أكتوبر، المؤجرة للثقافة منذ 15 عاما تقريبا، دون بديل أفضل أو حتي مناسب وكأن المكتبات منشآت عشوائية أو كيانات لا أهمية لها".

وكانت مكتبة اليرموك بمحافظة بورسعيد أيضا؛ قد تعرضت للإغلاق وإلقاء العديد من كتبها بالشارع وتمزيق بعضها، وهو ما كشفته صور تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وتأتي هذه الحملة استكمالا لحملة بدأت منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، طالت سلسلة مكتبات الكرامة التابعة لشبكة معلومات حقوق الإنسان العربية، التي يرأسها الحقوقي جمال عيد، والبالغ عددها 37 مكتبة على مستوى الجمهورية، والأمر ذاته حدث لمكتبة البلد، والتي يملكه فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي المعارض، حيث قامت قوة أمنية باقتحام المكتبة وإغلاقها واحتجاز اثنين من العاملين بها.

وكانت لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين، برئاسة المستشار محمد ياسر أبو الفتوح، قد قررت التحفظ على الشركة العربية الدولية للتوكيلات التجارية، المملوكة لعمر محمد شريف مصطفى، أحمد الشنيطي، وهو المالك لمكتبة "ألف"، حسب بيان صادر عن اللجنة.

"تقزز ونفور"

وتعليقا على هذا الاعتداء المتكرر علي المكتبات، قال الناقد والاستاذ بكلية دار العلوم، حسام عقل، إن "العالم المعاصر ينظر بكثير من التقزز والنفور؛ إلى من يقوم بالتخلص من الكتب أو محاربتها أو تضييق الفضاء العام دونها"، معتبرا أنه "ما زال العالم يتذكر فترة الحكم النازي (الرايخ الثالث)، حين كان من سمات المرحلة الهتلرية الدامية إحراق بعض الكتب في الميادين العامة".

وفي حديث لـ"عربي21"، وجه عقل نقدا شديدا لأوضاع الفكر والثقافة في مصر قائلا: "يلاحظ أنه مع التضييق الشديد على الحريات في مصر في الفترة الأخيرة، تأثرت وضعية الكتاب تأثرا شديدا فحدثت مداهمات مؤسفة لبعض المكتبات المهمة، بدءا من دار ميريت التي تعرضت، دون مقدمات، لمداهمة أمنية، بسبب معلن يتعلق بالتراخيص، وبسبب مستتر يتعلق بالرؤى السياسية للناشر محمد هاشم"، وفق قوله.

اقرأ أيضا: السيسي يصادر "نوافذ التنوير" ويفتح "أبواب الإلهاء"

وأوضح عقل أن الأمر نفسه تكرر مع سلاسل مكتبة ألف "التي تعرضت لحملة مماثلة من السلطة دون سبب مفهوم"، مضيفا: "كان الأمر الأكثر غرابة هو ماحدث لمكتبة البلد، التي كانت نافذة بهيجة للاستنارة والمعرفة والنشاط الثقافي الهادف، وقد شاركت بنفسي في كثير من فعالياتها المجلية، حيث كانت تستقبل كل الأطياف والرؤى في نشاط ثقافي مستمر لا يتوقف، وفوجئنا جميعا بتشميعها دون أية مقدمات".

"حملة المباخر والمصادرة"

 ويضاف إلى هذا كله، بحسب عقل، "تزاحم المشهد بالمنافقين وحَمَلة المباخر الذين يزايدون على منهجية التأميم والمصادرات، كما صنعت بثينة كشك، القيادية التربوية المعروفة، التي قامت بإحراق بعض الكتب في فناء المدرسة على مرأى ومسمع من الطلاب والقيادات التعليمية، بحجة أنها كتب ضارة بالوعي، وهي جريمة تربوية لن تمحى من ذاكرة الأجيال".

وقال: "المدهش أن السلطة لم تستطع أن تتفهم أن هذه الممارسات الملتاثة المتواترة تجاه الكتاب؛ تخلق لدى الدوائر العالمية أسوأ الانطباعات والصور الذهنية عن مصر، باعتبارها طاردة للحريات والأقلام والعقول".

 وربط عقل ما هذه الحالة بمصر بخسارتها لانتخابات اليونسكو؛ بالقول: الأكثر مدعاة للدهشة أن تسأل السلطة لماذا خسرت مرشحة مصر في اليونسكو، في الوقت الذي تتراكم فيه كل هذه الكوارث التربوية والثقافية والمعرفي"، متسائلا: "هل يدفع العالم إلى أرفع منظماته الثقافية بشخص تغلق بلاده المكتبات وتنتشي بتشميعها، وتحرق الكتب علنا في أفنية المدارس؟".

الإبداع والدبابة لا يلتقيان

أما الإعلامي والإديب مسعود حامد؛ فقال لـ"عربي21": "موقف النظام السيسي من الثقافة هو الأسوأ على الإطلاق بين كل الحكام العسكريين لمصر، فمنذ لحظته الانقلابية الأولى أغلق الفضائيات وصادر الجرائد، وأوقف المدارس عن أداء رسالتها، وزج بالمئات من أساتذة الجامعات في السجون، وأغلق المكتبات، وضيق على حملة الماجستير والدكتوراة، في عودة إلى ممارسة العصور الوسطي ومحاكم التفتيش"، بحسب تعبيره.

 وأضاف حامد: "السيسي يتعامل مع القوة الناعمة بمصر وكأنها العدو، رغم أن هذه القوة الناعمة هي خير رسول لها وفي العام الماضي، أدان ماينا كياي، المقرر الخاص بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وميشيل فورست، المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، إغلاق 6 مكتبات عامة أنشأها المحامي الحقوقي جمال عيد دون جدوى".

ويتابع حامد: "يأتي تذيل مصر وخروجها غير المشرف من انتخابات اليونسكو؛ كتحصيل حاصل لممارسات النظام الإجرامية تجاه الثقافة، حيث أن العسس والإبداع لا يلتقيان، فكلما ظهرت الدبابة في الشارع هربت الثقافة إلى فضاء السكون ومستقبل الثقافة مقرون وجودا وعدما بانتفاء العسكرة"، كما قال.

بلطجة نظام

ومن جانبه، علق المحامي جمال عيد، صاحب مشروع مكتبات الكرامة التي تم إغلاقها، بالقول: "القضية ليست في يد القضاء، حيث أن ضباط أمن الدولة هم من قاموا بإغلاق المكتبات عنوة وبلطجة" مؤكدا أنه محام، "وفي حالة أنه كان يمكن حل تلك المشكلة بالقضاء ما لجأ إلى السيسي"، ذلك ردا على مطالبة السيسي له باللجوء للقضاء.

وأضاف عيد: "اللي حصل من أمن الدولة دي بلطجة، والقرار ليس في القضاء بل في يد أمن الدولة.. جهاز أمن دولة هو من أغلق المكتبات، مفيش قرار قضائي، أمن الدولة يمارس بلطجة وتقفل المكتبات في بعض المناطق العشوائية"، لافتا إلى أنه طلب أي أوراق إدارية ليلجأ للقضاء، لكن لم يستجب أحد له"، وفق تأكيده.
التعليقات (0)

خبر عاجل