حول العالم

جريمة تراثية بغزة.. تجريف مدينة عمرها 5000 عام (وثيقة)

الموقع تعود ملكيته لوزارة السياحة والآثار- تويتر
الموقع تعود ملكيته لوزارة السياحة والآثار- تويتر
منذ فترة يسود جدل كبير في قطاع غزة، حول قطعة من الأرض تجري فيها أعمال تجريف، وهي منطقة احتفظت في باطنها بمدينة كنعانية تمثل كنزا أثريا عالميا، يعود عمرها لأكثر من خمسة آلاف عام، ويؤكد مختصون لـ"عربي21"، أن هذه الأرض هي "حرم آثار" لا يجوز الاعتداء عليها.

أعمال التجريف

وأوضح مدير عام دائرة الآثار والتراث الثقافي بوزارة السياحة الفلسطينية في قطاع غزة، جمال أبو ريدة، أن "الجهة التي تقوم بالاعتداء على مدينة تل السكن الأثرية هي سلطة الأراضي الفلسطينية".

وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن الموقع المذكور "تعود ملكيته بالكلية لوزارة السياحة، وعليه لا يجوز لسلطة الأراضي ولا لغيرها المس أو الاعتداء على هذا الموقع الأثري الفريد"، منوها أن سلطة الأراضي "خصصت جزءا من هذا الموقع لبعض الموظفين".

ولفت أبو ريدة، إلى أن وزارته قامت بمخاطبة كافة الجهات المعنية؛ ومنها المجلس التشريعي، من أجل وقف كافة أعمال التجريف التي تجري في الموقع، "واتفق الجميع على وقف تام لكافة أعمال التجريف التي دمرت مساحة واسعة من تلك المدينة"، وهو ما ورد في بيان الوزارة الصادر الجمعة الماضي، وأكدت فيه وقف كافة أعمال التجريف.

وتعهد مدير عام دائرة الآثار، بالعمل على "رفع دعاوى قضائية على أي جهة حكومية أو مؤسسة تقوم بأعمال تجريف في هذا الموقع، من أجل إجبارها على وقف تلك الأعمال"، موضحا أن "سلطة الأراضي لا تملك مصادرة أي جزء من تلك المدينة الأثرية، وهي من خلال تلك الأعمال تتجاوز القانون، على اعتبار أن هذا الموقع الأثري ملك لوزارة الآثار".

وأشار إلى أن الموقع "يحتاج إلى أعمال تنقيب مستمرة، وهو عبارة عن عتبه رملية تمتد على مساحة 80 دونما تقع في مدينة الزهراء على شاطئ البحر وسط قطاع غزة"، لافتا أن الوزارة "لا يتوفر لديها الإمكانيات المالية للتنقيب في هذا الموقع".

رمال غزة

من جانبه، اكتفى رئيس سلطة الأراضي كامل ماضي، بالتأكيد في حديث مقتضب لـ"عربي21"، أن "السلطة تنتظر لجنة مختصة قادمة من رام الله للبت في هذا الموضوع، ومن ثم سيتم اتخاذ القرار المناسب"، في وقت قالت فيه النيابة العامة بغزة، أنه بعد "قيام بعض الجهات بأعمال تسوية في محيط الموقع يوم الخميس الماضي، تم تكليف مباحث الآثار بمنع أي تجريف أو تسوية جديدة بشكل احترازي".

وأكدت في بيان لها اطلعت عليه "عربي21"، أنه "بعد إجراء التحري والتواصل مع وزارة الآثار، اتضح أن أعمال التجريف تجري خارج حرم المنطقة الأثرية"، وفق قولها.

من جهته، أكد أستاذ التاريخ الإسلامي ورئيس مركز التأريخ والتوثيق بالجامعة الإسلامية، خالد الخالدي، أن "هذه منطقة أثرية مهمة جدا، أقام عليها الكنعانيون عندما هاجروا من جزيرة العرب وجاءوا إلى بلاد الشام، وكان أول دخولهم من جنوب فلسطين المحتلة، وبنوا فيها نحو 200 مدينة".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "من أوائل المدن التي أقامها الكنعانيون في بلاد الشام، هي مدينة تل السكن، التي يعود تاريخها إلى ما قبل 5000 سنة من الآن"، منوها أن "علماء الآثار في العالم تعجبوا من قدرة رمال غزة على الاحتفاظ بها وحمايتها من الدمار طيلة هذه المدة، حيث عثر عليها مدفونة في تلك المنطقة".

مدينة نادرة

وأشار الخالدي، أن "ما تم اكتشافه، يؤكد أن لهذه المدينة أسوارا وبوابة وفيها ما يؤكد وجود منازل"، مؤكدا أن هذه المدينة "تثبت حقنا التاريخي كفلسطينيين أصولنا كنعانية أننا نسكن في هذه الأرض منذ زمن بعيد، في الوقت التي يستخدم فيه أعداؤنا التاريخ المزيف ليثبتوا أن هذه الأرض لهم".

ولفت إلى أن "هذا الموقع الأثري مسجل في كل الموسوعات التاريخية والأثرية، كما أن هناك العديد من الدراسات لعلماء أجانب، تؤكد أن هذه المدينة هي كنز أثري تخفيه رمال غزة"، منوها أن "العديد من علماء الآثار جاؤوا منذ سنوات طويلة إلى هذا المكان وقاموا بأعمال تنقيب، وأكدوا أن هناك مدينة بنيت بطرق القدماء".

ونبه أستاذ التاريخ، الذي يتابع الموضوع مع مجموعة من المختصين في الآثار والتاريخ، أن "كل من حكم غزة خلال القرن الماضي، سجل هذا المكان كموقع أثري"، معبرا عن آسفة لقيام الحكومة في غزة بتوزيع "جزء من هذه المنطقة على بعض من الموظفين الكبار، بدلا من مستحقاتهم المالية الكبيرة".

وذكر أنه تمت دعوة العالم الفرنسي جان باتيست، وقد سبق له العمل في ذات المكان، و"قدم إلى قطاع غزة وقام بزيارة الموقع الذي تعرض للتجريف والاعتداء، وحزن بشدة بعدما رأى ما حصل بالمكان، حيث تم تدمير جزء كبير من المدينة الأثرية"، لافتا أن العالم الفرنسي "وثق في تقرير له باللغتين العربية والفرنسية ما شاهده، وأكد أن ما تم تدميره هو أرض آثار والجزء المتبقي هو أرض آثار أيضا وهو أحد الأماكن النادرة في العالم ".

وأفاد بأن المختصين الذين قاموا بزيارة المكان بصحبة باتيست وبعض الشخصيات الحكومية، وشاهدوا أعمال التجريف، "أجمعوا على ضرورة توقف العمل بشكل نهائي في تلك المنطقة التي تعتبر حرم آثار، لكن للأسف لم يتوقف العمل"، موضحا أن القانون الفلسطيني ينص على أن "أي مكان به آثار غير منقولة تبقى هذه الأرض حرم آثار لا يجوز الاعتداء عليها".


















التعليقات (0)

خبر عاجل