مقالات مختارة

خطوة في الاتجاه الصحيح

حسن البراري
1300x600
1300x600
لو طرحنا جانبا النقاش البيزنطي الذي دار لعقد من الزمان حول من يمثل الفلسطينيين ومن يعبر عن تطلعاتهم، لخلصنا إلى نتيجة واضحة جوهرها أن الانقسامات الفلسطينية بين غزة والضفة الغربية هي من أسهمت في إبعاد طرفي المعادلة عن تحقيق الأهداف المعلنة لكليهما. 

حسنا فعل الفلسطينيون بشأن التنافس على السلطة السيريالية، فقد أعلن القائد الحمساوي إسماعيل هنية عن التوصل إلى اتفاق مع فتح ينهي حالة الانقسام، ويشي بطي صفحة الخلافات والبدء بعمل وطني غير فصائلي.

المسألة التي حيرتنا كمراقبين على مدار عقد من الزمان تتعلق بالانقسام ذاته، وكيف قامت أطراف خارجية بتغذية الانقسام ما منح إسرائيل فترة عقد من الزمان لكي تستمر عجلة الاستيطان بالدوران من دون توقف، فالإدارة الأمريكية كانت على سبيل المثال تهدد الرئيس عباس بعقوبات في حال فكر جديا في إجراء مصالحة كانت ممكنة في غير مرة، ولا نذيع سرا عندما نقول إن إسرائيل بدورها كانت تمنع الرئيس عباس من التفكير مليا بمصالحة تنهي الخلافات الفلسطينية، بمعنى أن إسرائيل كانت ولا تزال المستفيد الأكبر من استمرار الانقسام الفلسطيني.

إسرائيل ووفقا لصحيفة هآرتس الإسرائيلية تعتبر الاتفاق الجديد محفوف بالمخاطر، وأن مسألتي المفاوضات والسلاح الحمساوي هي من ضمن الأمور الأكثر تعقيدا في ملف المصالحة، وعليه فإن البون لا يزال شاسعا بين الطرفين والطريق لا تزال غير معبدة أمام اتفاق شامل. فالتقدير الإسرائيلي هو أن المصالحة تكتيكية وربما لن تصل إلى أكثر من اتفاق محدود. 

وتعترف الصحيفة بأن الخلافات الفلسطينية التي استعرت لمدة عقد كانت هدية من السماء وذريعة وظفها نتنياهو بشكل ممنهج لتبرير تدهور عملية السلام، فبالنسبة له فإن الرئيس عباس لم يكن قادرا على ضمان أي اتفاق، وهذا بدوره أسهم في رفع الضغط الدولي عن إسرائيل التي استثمرت هذا التطور لاستكمال حلقات المشروع الصهيوني في فلسطين. والراهن أن موقف رئيس الحكومة الإسرائيلي ووزير دفاعه وآخرون يرون أن استمرار الانقسام الفلسطيني أمر يصب في صالح إسرائيل لأنه يفقد عباس إمكانية توحيد الفلسطينيين.

المسألة الأخرى التي يخشاها الإسرائيليون وبخاصة أجهزة الأمن تتعلق بالضفة الغربية، فلطالما حاولت إسرائيل ترسيخ الانقسام من خلال ثنائية حماس ستان وفتح ستان، وهي مفاهيم ترددها الأجهزة الأمنية في إسرائيل سعيا لإدامة النزاع الفلسطيني، فحماس ستان وفقا لذلك هي الجهة الرافضة لعملية السلام وهي قادرة على عرقلة أي اتفاق يتوصل إليه عباس مع الإسرائيليين، وبالمقابل فإن الرئيس عباس وإن كان راغبا في إنهاء الصراع مع إسرائيل فإنه غير قادر على تنفيذ أي اتفاق مع إسرائيل. وعليه، فإن المصالحة – إن رأت النور – ستفضي إلى تعزيز موقف حماس في الضفة الغربية وربما ستؤدي بالتالي إلى تقويض التنسيق الأمني للسلطة مع إسرائيل.

لا نملك أن نوجه أي نصيحة للفلسطينيين بشأن عوائد المصالحة، فالقادة هناك يدركون جيدا أن الانقسام كان المسمار الأول في نعش العمل الوطني الفلسطيني، كما أنهم يدركون أيضا بأنه يمكن إعادة الحياة للعمل الوطني ووضع هدف استراتيجي متفق عليه على أن تتم المنافسة تحت سقف هذا الهدف وليس عليه. وكل ما يمكن قوله أن تصريحات إسماعيل هنية بشأن المصالحة هي خطوة في الاتجاه الصحيح. لن ندخل في هذا المقام بتفاصيل دوافع كل طرف، لكن أي اتفاق مهما كان صغيرا ومتواضعا من شأنه أن يؤسس لحالة من الثقة بين طرفي الصراع الفلسطيني، فإجراءات بناء الثقة تبدأ أحيانا بخطوات صغيرة، لكنها خطوات ستعطي ثمراتها في المستقبل المنظور.

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)