قضايا وآراء

الديون الخارجية في مصر.. مخاطر لا منافع

أشرف دوابة
1300x600
1300x600
كشف البنك المركزي المصري في تقرير الاستقرار المالي للعام 2016 عن ارتفاع صافي الدين الخارجي خلال العام المالي 2016-2017 ليصل في حزيران/ يونيو2017 إلى 79 مليار دولار،  وهو ما يعني ارتفاعه خلال عام واحد فقط بنحو 23.2 مليار دولار ونسبة 41.6% حيث بلغت قيمته في نهاية يونيه 2016 مبلغ 55.8 مليار دولار، كما بلغت تلك الزيادة منذ الانقلاب العسكري في مصر (نهاية حزيران/ يونيو 2014) 35.8 مليار دولار بنسبة 82.9? حيث كان الدين العام الخارجي في ذلك التاريخ 43.2 مليار دولار.

ورغم هذه الزيادة الملفتة للنظر لكل متابع محايد إلا أن البنك المركزي ادعى في تقريره أن الدين الخارجي يظل في الحدود الآمنة وفقاً للمعايير الدولية لكونه أقل من نصف صافي الاحتياطيات الدولية التي وصلت إلى 36.5 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر الماضي.

وهذا الادعاء من البنك المركزي المصري وما لحقه من تبرير هو وسيلة من وسائل التضليل المتعمد، فالحدود الآمنة للدين العام بصفة عامة داخلي وخارجي هي ألا يتعدى إجمالي هذا الدين نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن الدين العام المحلي الداخلي والخارجي في يونيه 2017 بلغ 4.5 تريليون جنيه (حيث يبلغ الدين العام المحلي فقط 3.1 تريليون جنيه) وهو ما يعني أن نسبة الدين العام المحلي والخارجي تجاوزت نسبة 136% من الناتج المحلي الإجمالي. 

كما أن تبرير ذلك باعتبار أن الدين العام الخارجي أقل من نصف الاحتياطيات الدولية هو تحريف للمعلومات، فالاحتياطي الذي يمتلكه البنك المركزي في جله ليس ملكه بل هو في جله ودائع دولارية ملك دول أخرى، وسندات تم إصدارها بالخارج، فضلا عن حصيلة بيع أذون خزانة حكومية لأجانب والتي لن يستمر الوقت طويلا في الاحتفاظ بها باعتبارها أموال ساخنة دخلت مصر للاستفادة من العائد المرتفع على أذون الخزانة وهي للخروج في الأجل القصير أقرب منها للبقاء.

إن ما يحدث في مصر ما هو إلا تطبيق لسياسة ترقيع الديون التي انتهجتها الحكومة تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي من أجل قرض بمبلغ 12 مليار دولار، لم تقتصر تبعاته على تعويم الجنيه ورفع الدعم وتبديد الحماية الاجتماعية واكتواء الشعب بلهيب ارتفاع الأسعار وفي مقدمتها أسعار الوقود والغاز والمواصلات والطعام والشراب، فامتدت تلك التبعات إلى فاتورة مستمرة من الاقتراض من العديد من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل اتجهت الحكومة لسوق السندات الدولية، فقامت ببيع سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار في حزيران/يونيو 2015 كانت الأولى من نوعها في مصر منذ ثورة كانون الثاني/يناير 2011.

ثم باعت في كانون الثاني/يناير 2017 سندات دولية أخرى بأربعة مليارات دولار على ثلاث شرائح. وفي نيسان/أبريل 2017 وافقت الحكومة على زيادة سقف إصدار السندات الدولية ليصل إلى سبعة مليارات دولار، وباعت ما قيمته ثلاثة مليارات دولار أخرى في أيار/ مايو 2017. ثم أعلنت الحكومة أخيرا في يوم الأربعاء 27 سبتمبر 2017، عن برنامج لطرح سندات دولية في حدود سبعة مليارات دولار خلال السنة المالية 2017-2018. وهو ما يعني أن الدين العام الخارجي في طريقه للزيادة السريعة لاسيما وأن برنامج الحكومة المقدم لصندوق النقد، يتوقع ارتفاع الدين العام الخارجي إلى 102.4 مليار دولار بحلول 2020-2021.

ولم تكتف الحكومة بهذا السلوك الترقيعي المدمر لموارد مصر الحالية والمستقبلية ودور سحر نصر التي تحولت لوزيرة للقروض بديلا عن الاستثمار في ظل هذا التوجه، فاستخدمت الحكومة مزيدا من أسلوبها التضليلي باعتبار أن اللجوء للاقتراض الخارجي يتمتع بميزة انخفاض سعر الفائدة مقارنة بنظيره المحلي ناسية أو متناسية أن رفع سعر الفائدة المحلي هو من سلوك السياسات النقدية اللاعقلانية بتعويم الجنيه، فضلا عن أن الاقتراض بالعملة الصعبة يعرض مصر لمخاطر سعر صرف تلك العملة والتي تضاعف من فاتورة الاقتراض.

وإذا كانت الحكومة تتباهى بوجود فائض كلي في ميزان المدفوعات بلغ نحو 13.7 مليار دولار عن السنة المالية 2016-2017 فإن هذا الفائض هو نتيجة للتدفقات النقدية الداخلة التي يتمثل جلها في الأموال الأجنبية الساخنة التي تستثمر في أذون الخزانة مرتفعة العائد وكذلك لإصدار سندات بالخارج،لذا فإنه في المقابل فإن أعباء خدمة هذا الدين من فوائد وأقساط ستمثل حتما تدفقات نقدية خارجة سوف تزيد من العجز في ميزان المدفوعات، وهو ما سوف يزيد من سعر صرف الدولار، ويحمل الموازنة العامة والمواطن بمخاطر ارتفاعه.

إنه في الوقت الذي يصل نصيب المواطن المصري من الدين العام الخارجي نحو 760 دولار، والدين العام المحلي والخارجي معا نحو43.3 ألف جنيه (وفقا لآخر إحصائية لعدد السكان) ويعاني هذا المواطن من ويلات الفقر والمرض والغلاء والضرائب يقرر السيسي صرف مليون ونصف جنيه مصري لكل لاعب كرة قدم في المنتخب المصري الذي تأهل لكأس العالم دون اعتبار لما يعانيه المواطنين.

وختاما فإن تحول الاقتراض إلى غاية للحكومة وعدم وجود تصور واضح لديها للخروج من هذه الحلقة الخبيثة،وسعي المؤسسات المالية الدولية إلى جعل الاقتصاد المصري لا يموت ولا يحيى، يمثل صورة من صورة استعباد المواطن المصري في الداخل واستعباد الوطن كله بما فيه من إنسان وثروات وسيادة لحساب التبعية للخارج. كما يفتح الباب على مصراعيه لجدولة الديون بفائدة مغالي فيها ، والوقوع في دوامة الإفلاس، فلا يمكن لاقتصاد الديون أن يستمر خاصة في ظل سياسة الترقيع وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي عن معدل نمو الدين العام،وهو ما ينذر حتما بانفجار فقاعة الديون ووقوع موارد مصر وحاضرها ومستقبلها بيدي الدائنين إن عاجلا أو آجلا. 

0
التعليقات (0)