كتاب عربي 21

ورشة اسطنبول (2): مبادرات لبنانية وعراقية للمصالحة وحوار عن ازمات المنطقة

قاسم قصير
1300x600
1300x600
للمرة الثانية خلال عامين يلتقي عدد من الناشطين العرب في مدينة اسطنبول بدعوة من مؤسسة قرطبة بجنيف وبدعم من وزارة الخارجية السويسرية، وذلك لبحث الاوضاع المتأزمة في عدد من الدول العربية ومتابعة اطلاق عدد من المبادرات الحوارية بهدف تعزيز التماسك الاجتماعي في اطار المواطنة ولتخفيف التوترات المذهبية والطائفية والعرقية ومن اجل تحقيق المصالحات المناطقية.

وقد عقدت الورشة خلال الايام القليلة الماضية في اسطنبول بحضور شخصيات سياسية وفكرية واعلامية واجتماعية من السعودية والبحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن ، وتميز الحضور بالتنوع السياسي والفكري والمذهبي من اجل تمثيل كل الحساسيات وعقد حوار معمق وهاديء حول الازمات والاوضاع التي تواجهها دول المنطقة بعيدا عن السجالات الاعلامية والسياسية وبعيدا عن المواقف المسبقة.

وهذه الورشة هي استكمال للجهود التي تبذلها مؤسسة قرطبة بجنيف في العديد من الدول العربية من اجل تخفيف التوترات والبحث عن جسور للتواصل بين مختلف الاطراف والفئات السياسية والحزبية والفكرية.

وتميزت الورشة هذا العام بتخصيص جلسات خاصة لبحث مبادرتين  حواريتين الاولى تم تم اطلاقها في لبنان تحت عنوان: ملتقى الهيئات الانسانية ، والثانية يتم التحضير لاطلاقها في العراق حول : دورالقادة القبليين والدينيين في مسار المصالحة الوطنية ومستقبل العراق، واهمية هذه المبادرات انها لا تقتصر على الجانب النخبوي والنظري بل تعمل للوصول الى الفئات الفاعلة والناشطة في المجتمع لاقامة انشطة عملية تستطيع ان تتجاوز الخلافات والمشكلات وتؤسس لتجارب عملية على صعيد الحياة المشتركة.

وقد جرى خلال جلسات العمل بحث الاوضاع في لبنان والعراق واليمن والسعودية والبحرين وسوريا من كافة الجوانب السياسية والاجتماعية والدينية ، وعرض المشاركون للتطورات الحاصلة في هذه الدول والمؤشرات الايجابية والسلبية بشأن الازمات والمشكلات التي واجهتها خلال المرحلة الماضية والتوقعات المستقبلية في المرحلة المقبلة.

وفي حين اتسمت الرؤية عن الاوضاع في سوريا واليمن بالسلبية في ظل الخوف من تفاقم الصراعات العسكرية والسياسية وعدم التوصل الى اتفاق او حلول للازمات القائمة ، فان المشاركين من السعودية ولبنان والبحرين اعتبروا ان بلدانهم تجاوزت مخاطر الصراعات المذهبية والطائفية وان الاحداث في هذه الدول تتخذ طابعا سياسيا واجتماعيا وان الجهود مستمرة لمعالجة التطورات المتسارعة.

واما على الصعيد الاوضاع في العراق فقد جرى تخصيص جلسات عدة لبحث الاوضاع فيه ولا سيما بعد الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان وفي ظل الازمة السياسية والدستورية والامنية والاقتصادية التي يواجهها هذا البلد، وقد قدمت وجهات نظر متعارضة حول ما يجري والتوقعات المستقبلية ، لكن رغم كل التحديات والمخاطر التي جرى الاشارة اليها ، فقد تم الاتفاق على اطلاق مبادرة مجتمعية جديدة من اجل اشراك القادة الدينيين والقبليين في المصالحة الوطنية ومن اجل التخفيف من الازمات التي يواجهها هذا العراق اليوم.

ومن خلال المناقشات الصريحة والحيوية التي تمت في ورشة اسطنبول ، فان النتيجة الاهم التي يمكن استخلاصها، انه لا يمكن الخروج من الازمات القائمة في الدول العربية الا من خلال العمل لاقامة دولة المواطنة والقانون وحماية الحريات العامة واشراك جميع الاطراف بشكل متساوي في بناء اوطانهم بعيدا عن الانتماءات الطائفية او المذهبية او العرقية ، كما ان التعاون ووالتنسيق بين مختلف الاطراف سواء داخل كل قطر او بين مختلف الاقطار هو الطريق الاقصر لحل الازمات والمشكلات القائمة لان الحروب والصراعات والسجالات لن توصل الى اية نتيجة.

واذا كانت برزت في الحوارات العامة والثنائية بعض الخلافات ووجهات النظر المتعارضة حول دور العوامل الخارجية في تأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية داخل الدول العربية، فان ذلك لا يمنع من التأكيد ان القوى المحلية والداخلية قادرة على القيام بمبادرات عملية وواقعية لتخفيف هذه التوترات وعدم انتظار الحلول من الخارج وانه بدل التركيز على القضايا والموضوعات الخلافية يمكن البحث عن المساحات المشتركة والموضوعات الايجابية تاريخيا وفي الواقع الحاضر.

وبانتظار النتائج العملية للمبادرات الحوارية التي جرى الاتفاق عليها في ورشة اسطنبول الثانية، فان من يشارك في مثل هذه اللقاءات يخرج بانطباع اولي بانه رغم الصورة السوداوية التي يتسم بها الواقع العربي والاسلامية، فان هناك امل بالخروج من هذه السوداوية من خلال التعاون العملي بين حاملي راية الحوار والاعتدال.  

وعلى امل ان تبقى مدينة اسطنبول الى جانب غيرها من المدن العربية والاسلامية مساحة حرة لحوار صريح وشفاف ولاطلاق مبادرات جديدة للحوار والتعاون في مواجهة الدعوات للحروب والصراعات.
0
التعليقات (0)