مقالات مختارة

في الطريق إلى المصالحة...

طلال عوكل
1300x600
1300x600
حرب باردة تدور رحاها على المستوى الدولي بين دولة فلسطين تحت الاحتلال والدولة الإسرائيلية. هي حرب ربما أكثر صعوبة وجدوى من الحروب التقليدية المسلحة، رغم ما في الأخيرة من ضحايا ودمار وخسائر باهظة. 

هذا ما ينبغي أن يدركه الفلسطينيون في إطار فهم وتحديد أولويات أشكال النضال، دون أن يتخلوا عن أي شكل منها، خصوصا أن مواثيق الأمم المتحدة تجيز للشعب المحتل أن يستخدم كل أشكال النضال للتخلص من الاحتلال.

لا اقصد من ذلك، أن على الفلسطينيين أن يدفنوا تحت التراب أسلحتهم وقدراتهم القتالية، بمناسبة الحديث عن المصالحة وشروطها، فالمقاومة الموجودة في ظروف قطاع غزة المعروفة والمختلفة عنها في الضفة الغربية هي ذخر لا ينبغي التفريط به بقدر ما أن المطلوب التفاهم بشأن فعاليته.

في كل الأحوال، فإن المصالحة اذا تمت على أسس مقبولة للجميع، فإن قرار المقاومة كما قرار المساومة والكفاح الشعبي، سيكون بيد قيادة وطنية وبشروط تمنع استخدامها بل تحرم استخدامها في العلاقات الداخلية الفلسطينية. 

لا بد من الاعتراف بأن النضال السياسي والقانوني والدبلوماسي حقق في السنوات الأخيرة إنجازات مهمة، تندرج في سياق عملية التراكم المطلوبة لعزل إسرائيل دوليا ومحاكمتها وإخضاعها للمحاسبة، لا يجوز بأي حال إلا للجهلة، التقليل من الإنجازات التي تحققت سواء بالاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا، ورفع العلم الفلسطيني بين أعلام الأمم أو ما تحقق في اليونسكو، ومنظمة حقوق الإنسان ومنظمة الشرطة الدولية «الإنتربول»، فضلا عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الخاص بالاستيطان.

وعلى مستوى النضال الشعبي السلمي، لا يمكن تجاهل الانتصار الذي تحقق في معركة المسجد الأقصى، والتي كانت معركة وطنية بامتياز. 

فليتصور الفلسطينيون حجم ونوع الإنجازات التي كان يمكن تحقيقها وتلك التي يمكن تحقيقها في حال كانوا موحدين على قلب رجل واحد، يديرون خلافاتهم وتناقضاتهم في اطار الانضباط العام للقرار الوطني من خلال المؤسسة الوطنية الواحدة والموحدة.

في كل مرة يحقق فيها الفلسطينيون إنجازا تتوسع دائرة الدول والمجتمعات التي تتفهم منطق العدل والحق، وتزداد نسبة المصوتين على القرارات رغم كل ما تقوم به إسرائيل والولايات المتحدة من مقاومة وتمارسه من ضغوط على الدول، اكثر من مرة هددت الولايات المتحدة بالانسحاب أو الامتناع عن دفع مساهمتها في موازنات بعض المؤسسات الدولية لكنها فشلت في أن تحمي إسرائيل من العدالة الدولية.

في هذه الفترة تبدو إسرائيل مرتبكة إلى حد كبير، فهي تراقب بغضب سير الحوارات الفلسطينية من اجل تحقيق المصالحة، والإطاحة بالإنجاز الاستراتيجي الذي حققته إسرائيل من خلال الانقسام الفلسطيني الذي دام لأكثر من عشر سنوات ووفر لها ذخيرة قوية استخدمتها للتغطية على مشاريعها ومخططاتها الاستيطانية والتهويدية، وقدمت لها الذرائع لتبرير انقلابها على عملية السلام. 

في أوقات سابقة، كانت إسرائيل جاهزة لتعطيل المصالحة في بداياتها للاحتفاظ بواقع الانقسام، كما فعلت في تموز 2014، حين خاضت حرباً ضد قطاع غزة، كان من بين أهدافها، تعطيل اتفاق الشاطئ الذي انتهى بحل حكومة حماس وتشكيل حكومة الوفاق الوطني.

في هذه المرة الأمور ستكون اكثر صعوبة، ذلك أن إسرائيل وحدها تغرد خارج سرب المجتمع الدولي بما في ذلك حليفتها الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة، حيث يشكل الإجماع الدولي حول ضرورة إنجاز المصالحة كابحا لنوايا إسرائيل العدوانية.

لولا هذا الإجماع الدولي والإقليمي على دعم المصالحة، لكان الظرف مناسبا لإسرائيل كي تشن عدوانا كبيرا آخر على قطاع غزة بدعوى محاربة الإرهاب، خاصة أن حبل التحقيق يلتف حول رقبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لقد تعودت إسرائيل على التهرب من أزماتها الداخلية عبر تصدير العدوان وخلط الأوراق، واحيانا عبر الذهاب إلى انتخابات مبكرة لكن لا هذه ولا تلك تتوفر لها ذرائع كافية، ما سيفاقم من أزمة رئيس الحكومة وائتلافه، اليميني المتطرف.

الآن تستعد إسرائيل لخوض معارك على جبهة الوضع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، تساندها في ذلك، الإدارة الأمريكية أحيانا وفي أحيان أخرى الكونغرس، تحت تأثير اللوبي الصهيوني الأمريكي.

تحضر إسرائيل نفسها لخوض معركة ضد اليونسكو، ولكن على الأرض إذ تواصل اقتحام المسجد الأقصى بمعدلات يومية، وبأعداد اكبر وبحماية الشرطة، فضلا عن متابعة الحفريات تحت وحول المسجد الأقصى في محاولة لتغيير الواقع القائم بعكس قرارات اليونسكو، الشيء ذاته بوسائل أخرى لتغيير واقع المسجد الإبراهيمي في الخليل، فبعد تقسيمه مكانيا وزمانيا تسعى لإخراجه من دائرة الأوقاف الفلسطينية من خلال تشكيل بلدية للمستوطنين التي أقامتها وسط المدينة، منظمة حقوق الإنسان العالمية هي في المهداف الإسرائيلي والأمريكي، إذ يسعى الطرفان لإنهاء صلاحياتها أو وجودها من الأساس، إذ تعتبرانها منظمة منحازة لصالح الفلسطينيين. الأونروا هي هدف ثالث لإسرائيل تسعى لإحالة ملفها وصلاحياتها إلى الهيئة العليا لشؤون اللاجئين، عبر اتهامها بالإرهاب، وتقليص صلاحياتها.

أما معركة المقاطعة المعروفة بالـ B.D.S، فهي مفتوحة على التوسع خصوصا بعد أن نجحت في اختراق المجتمع والمؤسسات الأمريكية، وبعد أن جهزت الأمم المتحدة قائمة سوداء تشمل مئة وخمسين مؤسسة وشركة إسرائيلية ودولية تعمل لصالح أو مع الاستيطان.

في الخلاصة، فإن على الفلسطينيين أن ينتبهوا لأهمية هذه الأشكال النضالية وهم يحاولون إعادة صياغة أوضاعهم الداخلية وتحديد استراتيجياتهم.
 
الأيام الفلسطينية
0
التعليقات (0)