كتاب عربي 21

لا ياشيخ الأزهر.. الارهاب معروف النسب

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
كنا بمؤتمر دولي عقد بمدينة منستر الألمانية تحت عنوان "الطرق نحو السلام" بمبادرة من منظمة "سانت إيجيديو" المسنودة من الفاتيكان. ونظرا لأهمية المؤتمر افتتحته المستشارة أنجيلا ميركل، وشارك في فعالياته العشرات من الباحثين وإعلاميين ورجال دين من مختلف الأديان السماوية وغيرها من المعتقدات. ومن بين الكلمات الافتتاحية كانت كلمة شيخ الأزهر الذي حظي برعاية خاصة حيث اعتبر ضيف شرف وأجلس الى جانب رئيسة الحكومة التي رحبت به ووجهت له تحية خاصة في خطابها الهام الذي ألقته بهذه المناسبة.

الدكتور أحمد الطيب شخصية محترمة حتى ولو تم الاختلاف معه في عديد المسائل والقضايا سياسية كانت أو دينية. لكن ما لفت النظر في خطابه المكتوب الذي ألقاه أمام مئات المشاركين ووسائل الاعلام عندما وجه إشارة صريحة إلى الغربيين دعاهم من خلالها الى أن يساعدوه على معرفة هوية الأب والأم لهذا الارهاب الذي ظهر فجأة و" عجزت الدول الكبرى" عن مواجهته والقضاء عليه.

أراد شيخ الأزهر بهذه الإشارة إلى إحراج الغربيين وتحميلهم مسؤولية صناعة هذه الظاهرة ليحققوا من خلالها أهدافهم الاستراتيجية في المنطقة على حساب الإسلام والمسلمين. وهي فرضية شائعة في كثير من الأوساط العربية والاسلامية، غير أنها في نفس السياق تطمس عديد الحقائق، وتقفز على الواقع الموضوعي، ولا تساعد على فهم الظاهرة وتحليلها، وبالتالي لا تؤدي إلى تحديد المسؤوليات والتوجه مباشرة للوالدين الشرعيين لهذا الكائن الخطير والمحير.

هناك ضرورة للتأكيد مرة أخرى على أن "السلفية الجهادية" ليست بضاعة مستوردة من خارج المنطقة أو أنها غريبة تماما عن تراثها الديني. هي ظاهرة نشأت ضمن سياق محدد ومعروف. هي جزء مما أصبح يسميه الغربيون بحركات "الإسلام السياسي"، رغم تبرؤ معظم هذه الحركات من هذا المنافس المزعج الذي ألحق بها أضرارا جسيمة، ولا يزال مصرا على افتكاك المبادرة منها وسحب الشرعية من قادتها وأنصارها.

لم تولد "السلفية الجهادية" من فراغ، وإنما اعتقد مؤسسوها ومنظروها بأنها الأقدر على تجاوز ما عجز عن تحقيقه بقية الإسلاميين من تطبيق للشريعة وإقامة الدولة الإسلامية واستئناف الخلافة. 

كما أن أصحاب هذا التيار جاؤوا ليسحبوا أيضا المرجعية الدينية من المؤسسات الإسلامية القائمة، وفي مقدمتها الأزهر اعتقادا منهم بأن هذه المؤسسات لم تعد إسلامية بالمفهوم "الصحيح" الذي ينفردون هم به، ويدعون إلى اعتبار أمرائهم وأصحاب الفتوى في تنظيماتهم هم الأولى بهذه المرجعية.

بمعنى آخر، هؤلاء لم تصنعهم المخابرات الأمريكية بقدر ما ولدوا نتيجة المعضلات الهيكلية التي تتخبط فيها الأوساط الدينية في المنطقة بجناحيها السياسي والعلمي، فجاء مشروعهم مدمرا لم يزد الأوضاع إلا سوء ، وأدى عمليا إلى توفير المناخ المناسب للقوى الدولية لكي تتدخل وتلعب بالجميع بما في ذلك هذه الحركات وأنصارها.

هنا مربط الفرس. تولد هذه التيارات من صلب رحم الحركات الإسلامية. تنفصل عنها بالاعتماد على أفكار ومفاهيم لها أصل في أدبيات هذه الحركات وكذلك في التراث العقائدي والفقهي القديم. تشرع في تنظيم صفوفها، وكسب الأنصار المتحمسين من جميع الأقطار. تدربهم على القتال، وعندما تنجح في أن تكون لها قطعة أرض تتحكم فيها يصبح احتياجها للسلاح ملحا جدا لتحافظ على مواقعها. وفي هذه المحطة بالذات تبدأ المخابرات المحلية والإقليمية والدولية تشتغل من أجل توظيف هذه الجماعات والتمهيد للقضاء عليها بعد أن تستنفد هذه الأطراف أغراضها وتتحول هذه الجماعات إلى خطر حقيقي على مصالح المتحكمين في اللعبة الدولية.

ما ورد في كلمة شيخ الأزهر ليس خاطئا كله، إذ للقوى الغربية والحكومات العربية وغيرها ضلع في المشكلة القائمة حاليا، لكن ما نختلف فيه معه هو تحويل ما يجري إلى مجرد مؤامرة عالمية ليس لها جذر محلي. إذ بذلك نبرئ أنفسنا من أي مسؤولية ذاتية، ونريح ضمائرنا، وبدل أن نتجه بكل شجاعة نحو مصدر الداء وموقع النزيف، نواصل تحميل الآخرين العبء كله كأننا أبرياء من دم يوسف.

ما يخشى اليوم هو أن ينجح الحل العسكري في القضاء على الوجود المادي لهذه التنظيمات بعد أن تسارع نسق تراجعها إلى الخلف نتيجة الضربات الموجعة المتواصلة حاليا. لقد اتفقت الدول الكبرى على تصفية هذه " الخلافة " الهشة التي وفرت الظروف المناسبة لهذه الدولة للتدخل، وإعادة صياغة المنطقة بما يحقق لها مرة أخرى وصاية مباشرة على الأوطان والثروات.

وبعد طي صفحة هذه المغامرة الفاشلة للسلفية الجهادية، يخشى أن تعود المؤسسات الدينية والحركات الإسلامية إلى سالف عهدها، تعيد إنتاج نفس الخطاب وتكرر نفس الوعود وكأن شيئا لم يكن، وعندها سيكون حال المنطقة شبيها بمن أعطاه طبيبه مسكنات أشعرته بقليل من الراحة في حين أن السرطان كامن في داخل جسمه يتحين اللحظة المناسبة للإجهاز عليه.
1
التعليقات (1)
محمد راجح دويكات
الأربعاء، 18-10-2017 01:59 م
الآن / ومنذ 1979/م خرجتْ أكثر الحركات والعصابات التي تُسمَى إرهابية من عباءة الدين السُّني الظلامي الخرافي (مع أن الدين الشيعي لا يقل خرافية عنه) .. وهي تقوم مقام الحركات اليسارية السابقة والتنظيمات الفلسطينية ، وتعمل بالوكالة عن بعض الغرب المسيحي ضد بعضه الآخر . هذه هي حقيقة الإرهاب ! بعض الغرب المسيحي يظن أنه يستفيد من الدين السني الخرافي لحشد عصابات منه تقاتل عنه بالوكالة تحت شعار حديثٍ إجرامي يقول " أُمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله " . وبعد أن عرفنا الإسلام الرباني الحق من كتاب الله / بفضل من الله علينا وعلى الناس / وعرضناه على العالَم أخذ بعض الغرب المسيحي الآخر يسعى لهدم الدين السني من أساسه لينزع عن عصاباته غطاءَها الديني !

خبر عاجل