قضايا وآراء

المغازلة السعودية لإيران!

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600
فجّر وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي قنبلة سياسية من الوزن الثقيل، عندما كشف بفم مليان في العاصمة الإيرانية عن طلب سعودي ملكي وأميري معا، منه ومن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالوساطة لدى الإيرانييين لتطبيع العلاقات بين طهران والرياض.

قبل الخوض في غمار البحث، قد يتساءل القارىء المحترم عن جدوى هذه المقالة بعد النفي السعودي "القاطع" لوجود هذا الطلب من الأساس، الإجابة تكمن في أن هذا النفي بحد ذاته محل تساؤل وتشكيك، وعليه علامة استفهام كبيرة، أولا لأن عند الكاتب مصدر معلوم الهوية مثل وزير الداخلية العراقي أكثر وثوقا من مصدر مجهول الهوية في الخارجية السعودية، وثانيا أن تصريحات الوزير العراقي في طهران، هي نفسها التي قالها قبل ذلك علنا على شاشة قناة العربية المحسوبة على السعودية، دون أن تواجه بنفي سعودي، لكن أن يأتي النفي بعد تصريح الأعرجي بذلك في طهران، نفهم منه أنه تحفظ على الإعلان في طهران فحسب بما يسبب ذلك حرج كبير للرياض.

كما أن النفي بعد 4 أيام من زيارة الأعرجي لإيران وكشفه عن هذا الأمر، يثير شكوكا حول أسباب هذا التأخر، فلو لم تطلب السعودية حقا الوساطة من العراقيين، فكان لزاما عليها أن تنفي ذلك بعيد مقابلة الوزير مع العربية، أو فور انتهاءه من مؤتمره الصحفي مع نظيره الإيراني، وليس الانتظار طوال هذا الوقت لإصدار هذا النفي، الذي يبدو أنه جاء بعد الضجة الكبيرة التي أثاره هذا التصريح المتسبب بإحراج كبير للسعوديين، وخاصة بعد أن عزوا أحد أهم أسباب مقاطعتهم قطر إلى علاقات الأخيرة مع طهران. فاللغة الحادة التي استخدمها المصدر السعودي في بيان النفي، كانت تستهدف بالدرجة الأولى إزالة آثار هذه الضجة.

فضلا عما سبق، وأنه "لا نار بلا دخان"، ثمة وقائع ومؤشرات قوية تعزز صحة وجود هذا الطلب، وهذه المغازلة أهمها:

أولا، تراجع حدة التراشق السياسي بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، فلم نعد نسمع تصريحات نارية من المسؤولين السعوديين، على رأسهم الوزير عادل الجبير تجاه طهران، كما أن الجانب الإيراني أيضا بعد علمه بالطلب السعودي من الجارة العراقية، اتبع لغة هادئة تجاه السعودية.

على الأغلب جاءت في هذا السياق مبادرة وزير الخارجية السعودي بالتوجه نحو نظيره الإيراني ومصافحته وكما تقول مصادر توجيه الدعوة له لأداء مناسك الحج، على هامش مشاركة الوزيرين باجتماع منظمة التعاون الإسلامي في تركيا في الأول من أغسطس الماضي.

ثانيا، قبول مطالب وشروط إيران لإيفاد بعثتها للحج هذا العام حسب تصريحات وزير الثقافة الإيراني، بعد أن امتنعت طهران عن ذلك العام الماضي بسبب أحداث المنى عام 2015.

ثالثا، استجابة السعودية لطلب إيران بضرورة حسن معاملة حجاجها والسماح لهم بزيارة البقيع كبادرة حسن نية لتحسين العلاقات، وذلك بعد أن أخبرت بغداد الجانب الإيراني بطلب الرياض الوساطة، حيث تلقت البعثة الإيرانية حفاوة بالغة بعد أن حط قدمها في الأراضي السعودية، وذهب مسؤولون سعوديون على رأسهم نائب وزير الحج السعودي إلى مطار المدينة لاستقبال الحجيج الإيرانيين والترحيب بهم.

أما الآن السؤال الأبرز المطروح، هو عن أسباب ودوافع التوجه السعودي الجديد نحو طهران، الإجابة تكمن في فشل الرهان السعودي على الحصان الأمريكي الجديد في مواجهة طهران.

لا يخفى على القاصي والداني كم عولت الرياض على الرئيس دونالد ترامب في ذلك، كادت أن تسمله مفاتيح الخزانة السعودية لقاء فعل ما ضد إيران، ولاسيما بعد قمة الرياض في مايو 2017، لكنّه خيّب آمالها فلم يبع لهم إلا الهواء، ووعودا لا تسنده أفعال خلال الأشهر التي مضت على توليه الرئاسة الأمريكية.

اليوم ترى السعودية أن دونالد ترامب ليس حصان الطراودة الذي يستحق التعويل عليه، وأنه محاصر بأزمة داخلية مستفحلة، أصبح عاجزا عن حماية نفسه، فكيف يمكنه حمايتها في مواجهة طهران.

كما أن السعودية أمام تجربة مريرة أخرى، وهي أن الرئيس ترامب ورطها في أزمة خليجية مع قطر، وتركها وحيدة دون أي ضغط على الأخيرة للتجاوب مع شروط دول القطيعة، مما أقحم الرياض في مأزق أمام العالم.

أمام هذا الواقع السياسي المؤلم، تشعر السعودية أكثر من قبل بورطة اليمن، فتبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهها، وهذا ما أكدته رسائل مسربة للسفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، حيث جاء فيها: «ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يريد انهاء الحرب التي بدأها في عام 2015 على اليمن، ولا مانع لديه في أن تتواصل الولايات المتحدة مباشرة مع إيران.» فهل أرادت السعودية أن تتواصل بنفسها مع الإيرانيين للتوصل إلى صيغة مشتركة تخرج من هذه الورطة؟ التي لم تجن منها سوى قتل الأطفال وارتكاب مجازر دون مكاسب سياسية وعسكرية حقيقية على الأرض.

الخلاصة أن تراجع الرياض أمام طهران ليس أمرا جديدا، فكما حصل في قضية الرئاسة اللبنانية في أكتوبر 2016، وتخفيض إنتاجها النفط في اجتماع أوبك بالجزائر في أيلول 2016، والقبول مؤخرا ببقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، لا يستبعد تكرار ذلك مستقبلا، خاصة وأن السعودية تجد نفسها اليوم محاصرة بأزمات مركبة مستعصية في ظل طموحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في بناء السعودية الجديدة حسب رؤيته وخطة 2030.

في بحر الأزمات هذا، وفي ظل أزمة الحليف الأمريكي، ليس غريبا أن تبحث الرياض عن طريقة لتخفيف التوتر مع طهران، بعد فشلها في خلق توازن في العلاقات مع الجارة الإيرانية سواء على صعيد التعايش أو على صعيد المواجهة معها، بالتالي تأتي رغبتها الجديدة في تحسين العلاقات من منطلق الضعف، واعتقد أن الإيرانيين يعرفون ذلك جيدا، لذلك هم ليسوا مستعجلين اليوم في أمرهم في المضي بخطوات بهذا الاتجاه.

فلوا كانوا مستعجلين في ذلك، لنصحوا الوزير العراقي الحليف بعدم البوح بهذا السر، للحيلوله دون إفشال المهمة.

بعد الغضب السعودي الشديد من قيام الوسيط العراقي بالكشف عن طلب الوساطة، السؤال المطروح أنه هل سينسف هذا الغضب الوساطة من أساسها، أم أن هناك أمل أن يبقى هذا المولود الخديج على قيد الحياة؟
آمل أن تجتمع القوى الإقليمية على رأسها إيران، وتركيا والسعودية على ما فيه الخير والمصلحة للمنطقة وشعوبها حاضرا ومستقبلا، على قاعدة النصر للجميع، وليس غالب ومغلوب.

للقصة بقية وفي القلب شجَنْ وفي الفم ماء.
 
0
التعليقات (0)

خبر عاجل