مقالات مختارة

كيف أوقعت المملكة العربية السعودية نفسها في شرك اليمن؟

أحمد صلاح الدين
1300x600
1300x600
عندما شنت عملية عاصفة الحزم في مارس 2015، وعد وزير الدفاع السعودي، الأمير الشاب محمد بن سلمان، جميع من دعاهم إلى المشاركة في العملية بأنها ستكون سريعة وجراحية. 

بالفعل كانت جراحية، حيث استهدفت في البداية الحوثيين ومخازن أسلحتهم بمهارة كبيرة، ولكنها ليست سريعة بحال. والآن، وقبل شهور قليلة من الذكرى السنوية الثالثة لانطلاق العملية، يبدو أن أسوأ مخاوف المملكة العربية السعودية قد تحققت: فقد وقعت في شرك تضاريس اليمن السياسية والجغرافية. 

لقد فاجأت عملية عاصفة الحزم الحوثيين وأخذتهم على حين غرة، وبعد ما تحقق لهم من زخم وانتصارات متعاقبة في بداية الأمر، ما لبثت قواتهم أن فقدت توازنها وذهبت ريحها. ولكن لم يكن يوجد أحد على الأرض، وخاصة في العاصمة صنعاء، يمكنه استغلال الفرصة للهجوم. 

منذ البداية وحتى هذه اللحظة، كانت المشكلة التي تواجه السعوديين في اليمن هي أنهم ألزموا أنفسهم بشرطين متناقضين لتحقيق النصر الاستراتيجي، فهم يريدون إلحاق الهزيمة بالحوثيين لكن دون أن يعود ذلك بالفائدة على الإصلاح المنافس لهم. 

وبالفعل، كان بإمكان الرياض أن تنسق مع الإصلاح منذ بداية العملية بحيث تقود الجماعة انتفاضة في صنعاء كان من شأنها أن تحرر العاصمة من الحوثيين، ولكن السعودية اختارت ألا تفعل ذلك، وبذلك فقدت أول فرصة سنحت لها لكسب الحرب وبسرعة. 

لقد جعلت المملكة العربية السعودية بسبب هذين الشرطين نجاحها في تحقيق النصر أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلا، بل ساهمت بذلك في إطالة أمد الحرب. ولذلك، إذا ما أرادت الرياض الخروج من المأزق الذي تجد نفسها فيه الآن، فإن عليها أن تعدل من الشرطين أو تتخلى عن واحد منهما. 

معادلة للسلام

يمكن التوصل إلى صفقة سلام في اليمن إذا ما تحقق التوافق بين أربعة من الفاعلين الكبار، ولم يتم تهميش أي واحد منهم. 

أول هذه الأطراف هم الحوثيون، الذين يسمون أنفسهم "أنصار الله". وهؤلاء يمثلون الأصولية الزيدية، التي ثارت على التهميش بعد سقوط النظام الملكي في عام 1962. وخلال العامين الماضيين، أصبح الحوثيون أكثر قوة وكذلك أكثر شعبية في شمال اليمن؛ لاستحواذهم على دعم رجال القبائل وقادة الجيش الذين قاتلوا ضدهم في الماضي. 

وأما الطرف الثاني فهو الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحزبه السياسي، حزب المؤتمر الشعبي. وذلك أن صالحا وحزبه يمثلان النظام القديم الذي يرفض التخلي عن السلطة؛ لأنه يخشى المحاسبة على الماضي، ولأنه ليس على استعداد للتنازل عن حصته من المكاسب. 

بعد أن بدأت العملية التي يقودها السعوديون، وتحالف علي عبد الله صالح وحزبه مع الحوثيين، إلا أن العلاقة بين الطرفين انتهازية تماما وغير مستقرة. ولذلك، تراهن الإمارات العربية المتحدة، شريك السعودية في حرب اليمن، على أن علي عبد الله صالح سوف يقطع في نهاية المطاف تحالفه مع الحوثيين من خلال ابنه أحمد الذي يقيم الآن في أبو ظبي. 

وبعد التطورات الأخيرة في المملكة العربية السعودية، التي قربت الرياض وأبو ظبي بعضهما من بعض أكثر من أي وقت مضى، قد تلجأ السعودية إلى استعادة النظام العربي القديم، تماما كما فضل الطرفان أن يكون الوضع عليه في مصر وعملا كل ما في وسعهما من أجل ضمان ذلك، وهو الأمر الذي يفكران فيه في سوريا ويقاتلان بشراسة في سبيله في ليبيا. 

أما الطرف الثالث فهو التجمع اليمني للإصلاح، الذي يرتبط في العادة بجماعة الإخوان المسلمين، ولديه كوادر شعبية هائلة الحجم. شاركت هذه المجموعة بفعالية في ثورة الشباب التي اندلعت في عام 2011، وبإمكانها أن تنافس الحوثيين من حيث الشعبية. 

إلا أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى إضعاف المجموعة بينما تحاربها أبو ظبي، والمفارقة هنا أن المجموعة ستستفيد فيما لو ألحق السعوديون الهزيمة بالحوثيين. 

تجدر الإشارة إلى أنه عندما اختارت الرياض عدم التنسيق مع الإصلاح لاستعادة صنعاء في عام 2015، صبت القوات الأمنية التابعة للحوثيين وللرئيس السابق علي عبد الله صالح جام غضبها على التجمع اليمني للإصلاح واعتقلت المئات من أعضائه، وبذلك وجد الإصلاح نفسه في وضع لا يحسد عليه، إذ يتعرض للقمع والاضطهاد في صنعاء، وللتهميش من قبل الرياض وللحرب من قبل أبو ظبي. 

وأما الطرف الرابع فهم الجنوبيون، وهؤلاء يعتبرون لاعبا مهما، على الرغم من أنهم قد يستبعدون من معادلة السلطة حينما يتم التوصل إلى اتفاقية سلام؛ لأن المعركة الحقيقية التي تهدد أمن المملكة العربية السعودية هي تلك التي تجري في شمال اليمن. ولكنهم في الوقت الحالي جزء لا يتجزأ سياسيا ودستوريا من الأزمة التي تعصف باليمن بأسره، ومازالوا في حالة من الفوضى والتنافس بسبب السياسة المحيرة التي تنتهجها الإمارات في جنوب اليمن. 

فالإمارات لا تكتفي بتشجيع انفصال الجنوب عن الشمال، ولكنها تشجع أيضا الوحدة من خلال دعم المليشيات المناطقية المتنافسة. وفي الوقت نفسه الذي تسعى فيه الإمارات إلى إزالة أي أثر للإسلام السياسي في الجنوب، إلا أنها تدعم المليشيات السلفية هناك. 

ونتيجة لذلك ها هو جنوب اليمن، الذي كان بإمكانه أن يشكل نموذجا يحتذى به في بقية البلاد من حيث المشاركة في السلطة، قد غرق في حالة عارمة من الفوضى. وعلى الرغم من أنه تحرر من نفوذ الحوثيين قبل أكثر من عامين، إلا أنه مازال عاجزا عن الوقوف على قدميه وتدبير شؤونه بنفسه. 

الفرصة الثانية (الضائعة)

سنحت الفرصة الثانية لوقف الحرب بعد أربعة شهور من بدايتها في يوليو 2015، حينما تمكن الجيش اليمني والمقاومة من تحرير عدن. ولقد أدت القوات الإماراتية دورا مهما في هذه المعركة، حيث تقدمت نحو تعز، التي تقع فقط على مسافة 150 كيلومترا، ورفعت المعنويات هناك، وعلى إثر ذلك تمكنت المقاومة المحلية في المدينة من إقصاء علي عبد الله صالح والحوثيين من مركز المدينة ونجحت في تحرير القصر الرئاسي. 

وفجأة وردت تقارير تفيد بأن القوات اليمنية والتحالف توقفوا عند ما يطلق عليه بالخط 90، وهي النقطة التي تقع عندها الحدود القديمة بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي قبل أن يندمجا ويتوحدا في عام 1990. 

وجه هذا التوقف المفاجئ رسائل مربكة إلى المقاومة في تعز وإلى الحوثيين في صنعاء، وأثار تساؤلات مثل: هل بات تقسيم اليمن واحدا من أهداف الحرب؟ لماذا لم تستفد القوات اليمنية والإماراتية والسعودية من زخم الانتصار في عدن، ولم تتحرك نحو تعز لتحررها بالكامل؟

تكمن الإجابة تارة أخرى في الشرط الاستراتيجي الذي حددته المملكة العربية السعودية، وهو إلحاق الهزيمة بالحوثيين، ولكن دون السماح للتجمع اليمني للإصلاح بالاستفادة وقطف الثمار. 

من المعروف أن تعز هي المدينة الثانية في اليمن من حيث الحجم، وفيها ينتشر أتباع التجمع اليمني للإصلاح بكثافة، وهم الذين يقودون المقاومة في المنطقة. لو أن السعوديين ومن معهم من القوات مضوا قدما وحرروا المدينة، فقد يفضي ذلك إلى وضع يكون للتجمع اليمني للإصلاح فيه اليد الطولى. ولكن لربما كان هناك سبب آخر لتوقف القوات دون تعز، وهو أن تعز المحررة يمكن أن تشكل في المستقبل موقعا آمنا للحكومة اليمنية المنفية، التي تقيم حاليا في الرياض، بعيدا عن عدن التي باتت تحت سيطرة الإماراتيين وحلفائهم الانفصاليين. 

وسوف ينتقل زعماء التجمع اليمني للإصلاح أيضا إلى حيث بإمكانهم أن يستعيدوا نشاطهم وينبعثوا من جديد. بالطبع، حتى الآن لم يحدث شيء، وبعد مرور عامين مازالت تعز تحت الحصار، محرومة من الأسلحة والتموين، رغم أن هذه الأشياء سهلة المنال عادة في اليمن. 

لقد تسبب هذا الوضع الشاذ في إطالة أمد الحرب وفي استمرار معاناة اليمنيين، كما راكم الضغوط على السعوديين الذين باتوا مضطرين في عواصم العالم وأمام منظمات حقوق الإنسان للدفاع عن الأسباب الأخلاقية، التي تجعلهم يستمرون في الحرب. كما أدى هذا الوضع إلى تقوية الحوثيين وعلي عبد الله صالح، وشحذ همتهم للإصرار على مواقفهم، وخاصة أنهم يعادون التجمع اليمني للإصلاح. 

بمزيد من الصبر قد تهب الرياح تارة أخرى في الاتجاه الذي ترغب به أشرعتهم، وقد تتبدل الصداقات لما فيه مصلحتهم، بحسب القاعدة التي تقول "عدو عدوي هو صديقي". ولعل الرياض قد اقتنعت بفضل جهود أبو ظبي أن الحوثيين وعلي عبد الله صالح، ربما كانوا خيارا أفضل من يمن ديمقراطي تعددي يشارك فيه التجمع اليمني للإصلاح. 

وتماما كما أن الرياض قد غيرت موقفها الآن في سوريا، وتقترب أكثر فأكثر من معسكر القاهرة وموسكو، الذي هو معسكر إيران أيضا –ويا للمفارقة، فقد يتغير الموقف السعودي في اليمن أيضا. 

حينها فقط قد يتسنى حل لغز المعادلة السعودية الغامضة عبر التعديل التالي: السماح للحوثيين بالفوز، تصفية التجمع اليمني للإصلاح، وليذهب استقرار اليمن إلى الجحيم ومعه أمن المملكة العربية السعودية على المدى البعيد. 

ميدل إيست آي
0
التعليقات (0)

خبر عاجل