مقالات مختارة

الدعوة إلى تعديل الدستور إساءة للسيسي

جمال سلطان
1300x600
1300x600
لا أعرف من الذي دفع ببعض أعضاء البرلمان إلى طرح فكرة إجراء تعديل دستوري يسمح بمد فترة رئاسة الجمهورية لست سنوات بدلا من أربع سنوات كما هو معمول به الآن وفق دستور 2014، ولكن خبرة الحراك السياسي الرسمي طوال العامين الماضيين يكشف عن أن هذه الأفكار لا تصدر اعتباطا، وإنما وفق ترتيبات ترعاها جهات نافذة في الدولة، وبالتالي، فلنا أن نعتقد أن هناك جهات رسمية نافذة تجهز خططا وترتيبات لإجراء تعديلات دستورية خلال الأشهر المقبلة، ما لم تكن هناك ردات فعل، سواء محلية أو دولية تسبب حرجا شديدا يمنع من تنفيذ تلك الخطوة حاليا.

قبل حوالي عامين أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي عبارته الشهيرة التي قال فيها، إن الدستور الحالي "كتب بنوايا حسنة" وأن النوايا الحسنة لا تبني دولة، العبارة، سواء أفلتت منه أو هو قصدها وهذا الأرجح، تعني أن فكرة تعديل الدستور قديمة عند الرئيس وأنها تسكن رأسه وتشغله منذ سنوات وأنه عاقد العزم على تعديل الدستور وفق رؤيته هو إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، بعد أن يحكم قبضته على السلطة، والأسبوع الماضي قال رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال، وهو مفتاح التشريع المقرب من الرئيس والمجلس العسكري، إن دستور مصر الحالي كتب في مرحلة انتقالية أو غير مستقرة وأن مثل هذه الدساتير لا يمكن استمرارها، وقد فهم من كلامه أن "خطة" تعديل الدستور وصلت إليه، وأنه على علم بها، وأنها ربما تكون قد دخلت في مرحلة التجهيز والترتيب، ودون شك فإن الأجواء الإعلامية المتنامية حاليا، التي تخضع لتوجيه صارم، والتي بدأت الدفاع عن ضرورة تعديل الدستور ومد فترة الرئاسة، تمثل تمهيدا واضحا للفكرة في عقول الناس ونفوسهم.

الدستور هو أكثر العلامات الدالة على استقرار الدول واستقرار نظمها السياسية، وهو أوضح دلالة على ثبات ورسوخ فكرة المؤسسية في الدولة، بما يضمن انتظام نشاطها السياسي والاقتصادي والتعليمي والتنموي بكل أبعاده، ولذلك من النادر أن تسمع عن تعديلات دستورية في الدول الكبيرة أو الناضجة أو دول العالم الأول إن صح التعبير، لا أذكر آخر مرة سمعت فيها عن تعديلات على الدستور في أمريكا أو فرنسا أو ألمانيا أو السويد أو إيطاليا أو غيرها من الدول الأوربية، بينما في العالم الثالث تسمع عن أخبار التعديلات الدستورية أكثر مما تسمع عن تعديلات قوانين المرور، من كثرة شيوعها وتكرارها، وفي مصر لم تخل فترة حكم لأي حاكم فيها من إجراء تعديلات على الدستور من عبد الناصر للسادات لمبارك للمشير طنطاوي لمرسي لعدلي منصور، وكان ذلك كله كاشفا ضعف البنية المؤسسية للدولة المصرية وهشاشة قواعدها، بحيث تصبح رهنا لإرادة الحاكم الفرد ورغباته، وأغلب تلك التعديلات الدستورية كانت تُجرى لتعزيز حظوظ الحاكم في السلطة، إما بتمكينه من سلطات أكبر أو بتمكينه من عدد سنوات أكثر للحكم أو مدد أطول، والاستثناء الوحيد في ذلك هو دستور 2013 الذي وصف بأنه دستور الإخوان ودستور 2014، وكلاهما متطابقان تقريبا باستثناءات قليلة، فهما النصان الدستوريان الوحيدان منذ تأسيس الجمهورية اللذان كتبا لتعزيز فكرة المؤسسية ومنع ظهور الحاكم الفرد الفرعون، وضمان إشراك الشعب في السلطة بشكل حقيقي وعملي وضمان الحريات العامة، ويبدو أن البعض استكثر على الشعب المصري أن ينتزع تلك الحقوق على حساب الحاكم الفرد، فيريد الآن أن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قديما.

في الخبرة الإنسانية، فإن الدستور يصبح ورقة بلا قيمة ولا فاعلية ولا حصانة ولا وجود أصلا، ما لم تكن محمية بتوازن قوى حقيقي على أرض الواقع في المجتمع يحمي نص الدستور ويراقب تطبيقه ويحول نصوصه إلى ثقافة دولة وثقافة أفراد، ويمكن ألا يكون نص الدستور نفسه مكتوبا، كما هو الحال في بريطانيا، ولكن قواعده محفورة في ثقافة الدولة وراسخة في جذر قضائها وأعرافها السياسية، يحميه توازن قوى سياسي وتوازن سلطات وفصل حاسم بين السلطات، بينما يمكنك أن تجد في سوريا بشار الأسد ـ على سبيل المثال ـ نصوصا دستورية أرقى مما يمكنك سماعه في الدستور الأمريكي نفسه، ولكن هذه "النصوص" لم تغير شيئا من واقع دكتاتوري إجرامي دموي، ودولة عصابات وسيطرة استخباراتية تسحق أي إرادة شعبية مخالفة.

التفكير في تغيير الدستور المصري الآن أصبحت رايته الواضحة وغايته الصريحة هي مد فترة رئاسة السيسي لست سنوات بدلا من أربع سنوات، وهي راية بائسة ومسيئة للسيسي نفسه، وتظهره بأنه فاقد الثقة في قدرته على الفوز في الانتخابات المقبلة بعد أقل من عام، وأن نظامه "مهزوز"، ولذلك يريد أن يضمن بقاءه عامين آخرين في السلطة، بعيدا عن الاحتكام إلى رغبة الشعب وصندوق الانتخابات، فهل هذا المشهد يضيف للرئيس أم يخصم منه؟ يعزز من صورته في الداخل والخارج أم يضعف منها؟

في الدستور الحالي نص واضح يمنع إجراء أي تعديلات دستورية تمس ما يتعلق بانتخاب الرئيس، وذلك لقطع الطريق على "الشهوات" السلطوية القديمة، ولكن خبرة التاريخ تعلمنا أن من يملك القوة يملك ـ وحده ـ الحق في تفسير النصوص وتنقيح النصوص و"ترقيص" النصوص.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)