مقالات مختارة

الثقافة جدارنا الأخير

صالح عوض
1300x600
1300x600
عندما تخرج أمة من نكبة ما حلت بها بفعل عوامل طبيعية أو بشرية تدخل مرحلة الترميم والبحث عن سبل نهوضها من واقع النكبة.. هنا تبدأ المحاولة للتشكل من جديد وهنا تكمن المسألة كلها فهل تستطيع أو لا تستطيع؟ الموضوع هنا ليس مأمون الطريق فلطالما قدمت أمة في وقت المحنة ما يكفي من صمود ولكنها فيما بعد تنتكس وكأنها لم تخض معركة مع عناصر النكبة.. وتبرز من جديد كل أخلاق الهزيمة والانتكاس، متمثلة في عدم المبالاة والتسكع على موائد الغير واختراق الشخصية الحضارية بمفاهيم تنخر البنية الثقافية الخاصة، وتسقط الجميع في مغبة الفوضى والارتباك.

الديماغوجيا هنا مضرة كثيرا.. والشعارات الكبيرة تقتل الفرصة الحقيقية في بناء خطوات على سلم التحرر والنهضة.. ونحتاج كثيرا إلى تدبر حدود الكلمات والتركيز كثيرا على احتياجاتنا الحقيقية لبناء حيا تليق بنا وبتضحياتنا والاتجاه نحوها بصرامة لا هوادة معها.

في هذه المعركة الكبيرة التي يسميها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم " الجهاد الأكبر" تقف الثقافة تمنح الرواد مفاهيم وقيم كافية لاستئناف الجهد لبناء الحياة.. ومن هنا خطورة أن تكون الثقافة قد تزعزعت والمفاهيم قد اختلطت والقيم قد تبعثرت.. لأننا في مثل هذه الحالة سنسير في غير الاتجاه وتكون محصلة جهودنا تحت الصفر أو قريبة منه وتصبح النكبة متأبدة فينا.

أما إن كانت الثقافة بخير وبسلامة فلن يكون اثر عميق على سيرنا من نكبة أو هزيمة موضعية لان الثقافة فورا ستنقذنا ما دامت ثقافة مسكونة بمفاهيمنا وقيمنا التي لها في الوجدان عميق الترابط والتأثير.

وهنا لنا أن نتذكر ما حصل باليابان بعد أن حلت به النكبة كيف نهض عملاقا اقتصاديا وصناعيا وكذلك ألمانيا حيث ظل سمو اليابان عند اليابانيين هو الهدف وظلت عظمة ألمانيا عند الألمان هي الهدف ولقد تولدت من هذه القاعدة النفسية مفاهيم وقيم ومضت الأيام وكان لا هزيمة لحقت باليابان أو ألمانيا..

اللامبالاة هنا مضرة تماما والنأي جانبا عن التفاعل الوطني يكون بمثابة كارثة حقيقية موغلة في التخريب الروحي والنفسي.. وهنا تتقدم الثقافة وتفعيلها بما تقوم عليه من معاني وقيم ومفاهيم والتركيز على عناصر التحريك الحضاري في الوجدان الشعبي لكي تنهض بالمجتمع من براثن الهزيمة والجراح والانكسار إلى مشارف التقدم والنهضة.

إن الخسارة على جبهة الثقافة هي الخسارة التي تكون مقدمة لخسارات عديدة والانتصار على جبهتها هو البداية لكل انتصار، ومن هنا تكون ثقافتنا هي جدارنا الأخير.. فهل ندرك خطورة المسألة ونليها ما تستحق من رعاية واهتمام؟

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)