كتاب عربي 21

الأوكتاجون

آيات عـرابي
1300x600
1300x600
للكاميرا وهج وبريق، هناك تغير ما يصيب من يتعرض للكاميرا. اذكر في سنواتي الأولى، حين كنت أعمل بالقناة الثالثة والقناة الأولى، كيف كان الضيف يتحدث بشكل عادي حتى نبدأ التسجيل، فيتحول التليفزيون إلى Television وتبدأ الكلمات الانجليزية تنسكب من لسان الضيف في حالة من الزهو والانتفاش ولسان حاله يقول : أنا راقي يا ناس .. أنا اتكلم الانجليزية. هي عقدة الخواجة بلا شك وهي حالة مستفحلة في مصر بفعل الاعلام الذي يحرص على تقديم هذا النموذج لكن الأمر اعمق من هذا بكثير. 

وإذا أردت أن تدرك عمق المشكلة وحجمها في مصر, فعد إلى كتاب (استعمار مصر) لتيموثي ميتشل واقرأ الفصل الأول منه بعنوان (مصر في معرض) والذي يتحدث بتفصيل عن تقديم بلاد الاسلام في عواصم أوروبا باعتبارها قطعة توضع في متحف أو سلعة, وتدرك وأنت تقرأ كيف تحولت نظرة الغرب الأوروبي لبلادنا من الفضول إلى القطعة المعروضة في المتحف ثم كيف استمرأت بلادنا مع موجات الغزو الفكري, هذه الحالة فتكيفت معها وصارت بلادنا خدمية وصرنا شعباً يعتبر نثر كلمات اللغة الانجليزية رقياً. وهو وضع من المستحيل أن تجده هنا, فلن تجد أمريكياً واحداً ينتفش زهواً وهو يحدثك باللغة العربية مثلاً. فقط في بلادنا المنكوبة ستجد ذلك الولع بكل ما هو أجنبي. 

ربما شاهدت العصار وهو يتحدث في لقاءه التليفزيوني الشهير هنا في أمريكا. أعد مشاهدة الفيديو, ستجد الرجل يتحدث في حالة من الرضا عن العلاقة الاستراتيجية (القوية جداً) كما اسماها مع الولايات المتحدة ثم ستجد نظراته تشرد في وله ملحوظ وصوته يتهدج وهو يتحدث عن علاقات جيشه بالجيش الأمريكي ليصفها بالرائعة, ويقول بلا أدنى خجل أنه فخور بأن جيشهم جزء من الأمن القومي الأمريكي. 

وهو الوجه الآخر من خطاب العسكر, فهم في مصر حين يتكلمون باللغة العربية, يخبرونك عن ضفادعهم البشرية التي أسرت قائد الأسطول السادس الأمريكي وفي أمريكا يتحدثون عن فخرهم بأنهم جزء من الأمن القومي الأمريكي وهذا مفهوم ومُتصور, فمعداتهم أمريكية ودباباتهم أمريكية وطائراتهم أمريكية وهم يتلقون مساعدات عسكرية أمريكية سنوية قدرها 1.3 مليار دولار. 

ولهذا لا تستغرب حين يعلنون عن البدء في بناء وزارة دفاعهم الجديدة ويسمونها (أوكتاجون) والتي تعني (ثُماني الأضلاع) أسوة بالبنتاجون (خُماسي الأضلاع). 

سيكون من اللطيف حقاً أن تتصور غير المتحدثين بالإنجليزية وهم يحاولون نطق كلمة (أوكتاجون), سيكون الأمر سخيفاً وكوميديا بلا شك بل تصور الكوميديا حين يحاول عسكري الانقلاب نطق الكلمة وهو صاحب الجملة الشهيرة (ليت مي توك باي ارابيك بليز) والتسمية رغم ركاكتها وكوميديتها, فهي تُحدث نوعاً من التماهي النفسي مع وزارة الدفاع الأمريكية في اللا شعور, فالمواطن المصري العادي المؤمن بالسرد الحكومي والذي يعتنق الرواية الرسمية الحكومية للأحداث, سيتوقع بصورة أوتوماتيكية, من (الأوكتاجون) ما لا يتوقعه من (وزارة الدفاع) هذا فضلاً عن موقع المبنى الجديد المزمع انشاؤه في منطقة يسمونها (العاصمة الادارية الجديدة) وهي منطقة تبتعد قليلاً عن الدلتا وهو وضع أشبه بوضع المنطقة الخضراء في العراق والتي انشأها الاحتلال الأمريكي لتضم مقر الحكومة والجيش وباقي المؤسسات. 

أنا في الحقيقة لا اقترح أبداً التعامل مع نوايا الانقلاب ببناء وزارة دفاع جديدة في منطقة بعيدة عن العاصمة, بأي قدر من الاستهانة. فنقل العاصمة يعني احتمال اجراء تغييرات حدودية. وأمركة اسم وزارة الدفاع يعني الانتقال من مرحلة إلى مرحلة جديدة تماماً ولا أرى أن الأمر بسيط كما يبدو.
1
التعليقات (1)
ندالي رشيد
الأحد، 13-08-2017 07:03 ص
الله يعينك على الكلب السيسي واعوان