كتاب عربي 21

محنة الحركات السياسية الإسلامية

شريف أيمن
1300x600
1300x600
شهدت الحركة السياسية الإسلامية في تاريخها أزمتيْن تعلقتا بمصيرها، إحداهما مع انقلاب يوليو 1952، والأخرى مع انقلاب يوليو 2013، لكن ما يشهد به من عاصر الأزمتين أن تلك الأخيرة هي الأشد فيهما، إذ لم تشهد الأولى عمليات القتل خارج إطار القانون بذلك الاتساع، ولم تتفق العداوة للحركات السياسية الإسلامية في أغلب الدول العربية كما هو الحال الآن، كما أن بعضا من القيم التي تدعو إليها تلك الحركات لم يتم الهجوم عليها ومحاولة تجريفها من وعي المجتمع، مثلما يجري الآن خاصة في قضايا كبرى كفلسطين والارتباط بالثقافة الدينية كأحد محددات مقاومة الفساد والانحلال الأخلاقي، والتماسك الأسري والمجتمعي.

أزمة الحركات السياسية الإسلامية في أصلها أزمة ذاتية، وهذا لا يعني انعدام تأثير العوامل الخارجية، لكن العامل الداخلي هو أصل الأزمة التي أحدثت المحنة الحالية، ورغم تعدد الحركات السياسية الإسلامية المصرية، تظل جماعة الإخوان في عين عمليات النقد والتقييم، باعتبار وصولها للحكم عقب ثورة يناير 2011، وباعتبار تاريخها الطويل وامتدادها الفكري أو السياسي جغرافيا، وباعتبارها في قلب جهة تلقي النقد عما لحق بالوطن العربي منذ تطلّع شعوبه للحرية مطلع عام 2011.

ما كشفته المحنة من قصور ذاتي عند الإخوان أن هناك فريقا استأثر بالقرار والفكر داخل الحركة، وهذا الاستئثار لا يعيب الفريق المستحوِذ على كل شيء إذا كان هناك تداول فعلي للإدارة دون وجود تربيطات انتخابية، أو عمليات تشويه لشخصيات معينة تمنع وصولهم لجهة الإدارة، أو سماح بتداول الأفكار المتنوعة داخل الجماعة بشكل طبيعي ومناقشة الأطروحات كلها، دون إخلال بحق التنظيم في الحفاظ على تماسكه بإجراءات عقابية لمن يخالف القرار "عقب صدوره بصورة حرة تماما"، لكن ما جرى أن حرية تداول الآراء كانت غائبة بحجج متعددة، مما صوّر أن قيادتها عندها مظنّة احتكار الحق سواء كان هذا في الفكر أو السياسة أو الدعوة، وترتّب على هذا عدم وجود مراجعة لما يصدر من قرارات وتوجهات حتى لو بدت عواقبها السيئة بعد التجربة، كما يتم وصف السلوك أو التوجّه بكونه مستلهَما من نص ديني أو تجربة نبوية وهو ما لا يتناسب مع الوقائع التي ربما تم ليّ عنق النص لأجل تفسير واحد أو كان النص يحتمل غير هذا الفهم وربما كان الفهم المعمول به هو المرجوح لا الراجح.

هذا الكلام لا يستأثر به أحد، بل هو منسوب لمن بقي في التنظيم حتى لحظة الخلاف ثم صاح به، كما أن هناك من زعموه في فترة ما قبل الثورة لكن تم اتهامهم بتهم عدة كالعَلْمنة وطلب الجاه والتحلل الأخلاقي والارتباط بالأجهزة الأمنية وغير ذلك، وأصبح الطرفان اللذان كانا جزءا واحدا يتراشقون نفس الاتهامات، لذا زعمنا أن الأزمة ذاتية قبل أن تكون بفعل فاعل.

انضاف على العامل الذاتي في الأزمة الحالية وجود حملة هجومية إقليميا ودوليا على الحركات السياسية الإسلامية، وهذا بسبب الانخراط في المنافسة السياسية بشكل أساسي مع حكام المنطقة، وبالمناسبة هذا حق لأي طرف، وهو ما ساهم ومهّد في الثورات العربية، لكن الأوفق كان ترشيد المشاركة السياسية خاصة بعد نجاح الثورة في تحقيق رؤيتها في مرحلتها الأولى، وهذا الترشيد يعتبر مرحلة تمهيدية لإحداث فصل وظيفي كامل يحقق التخصص في المجالات المتعدد، لكن ما جرى كان انخراطا كاملا في المنافسة السياسية وعلى كل المستويات فجرى ما جرى، وفقدنا السياسة والدعوة والمناخ الثقافي والفكري.

أصبحت الحالة السياسية الإسلامية في مصر في أحلك فتراتها كباقي الأحوال السياسية المصرية، ويمكن وصف وضعهم الحالي بأنهم لا يزالون يمثّلون رقما في الحسابات لكنهم ليسوا الرقم الأهم أو الأكبر، إذ غابوا عن الفاعلية في عملية التغيير وبقوا في إطار إمكانية التوظيف والاستفادة من انتشارهم العددي وبقاء جسد التنظيم رغم ضعفه، ولم تعد لديهم القدرة على التواجد ولا فرض رؤية أو أمر واقع، رغم قدرتهم في مرحلة ما بعد فض رابعة على حشد الملايين في الشوارع دون أي أثر سياسي، ما يشير للخلل في الرأس وليس في الجسد، وهو خلل ليس محصورا في الفريق الذي يسمى بالقيادة التاريخية، وما تحتاج إليه تلك الجماعة وغيرها من الحركات السياسية الإسلامية وأيضا الساسة بشكل عام أن يتوجهوا بطلب النصح من متخصصين يعاونونهم على الخروج من المأزق الحالي والانتقال لخانة الفعل تدريجيا بعدما أصبحوا الآن في خانة المفعول به فقط.

إن حساسية أبناء تلك الحركات تستلزم إيضاح أن المسطور لا يعني أن حركاتهم تمثّل الشر المحض وكذا قيادتهم، وأن المراد ليس الهجوم بل النقد والإشارة لمواضع الخلل -كل حسب رؤيته- كما أن الفقير ابن للثقافة الإسلامية برحابتها عن كل التنظيمات والمدارس.
0
التعليقات (0)