مقالات مختارة

14 يوما تزلزل عرش نتنياهو

حسين لقرع
1300x600
1300x600
أخيرا، رضخ نتنياهو وأمر بإزالة الأبواب الإلكترونية والكاميرات الذكية والممرات الحديدية التي نصبها الاحتلال أمام المسجد الأقصى لإذلال الفلسطينيين. لقد كان المنظر مهيبا وآلاف المصلين يدخلون المسجد مهلِلين مكبِّرين، يحمدون الله على كسر عجرفة العدو وإجباره على الاستسلام لإراداتهم بعد 14 يوما من المكابرة والعناد.

هذا النصر - مهما بدا لبعض الناس محدودا- ما كان له أن يتحقق بفضل جهود بعض الزعماء العرب واتصالاتهم بقادة العالم كما زعموا، بل تحقق فقط بعد أن هبّ الفلسطينيون كالموج الهادر طيلة أسبوعين قارعوا خلالها الاحتلال وقدَّموا العديد من الشهداء ومئاتِ الجرحى، وأبدوا إصرارا كبيرا على الدفاع عن الأقصى، ورفضوا جميع العوائق التي وضعها أمامهم لتقييد حركتهم وإذلالهم، فكان لهم في الأخير ما أرادوا.

لقد فوجئ العدوّ بالهبّة الفلسطينية الكبرى لنصرة الأقصى والدفاع عنه، وهو الذي كان يعتقد أن الفلسطينيين سيستسلمون بعد أيام للأمر الواقع ويقبلون بوصايته على المسجد المبارك ودخولِه تحت الرقابة والتفتيش والإذلال في كل صلاة، لكنه فوجئ بما لم يكن يحتسب وتصاعدت الأحداث، وتجاوز الفلسطينيون كل الانقسامات والخلافات الحاصلة في الساحة الداخلية، وتوحّدوا لنصرة المسجد الأقصى، وبدأ العدو يشعر بأن عدم تراجعه سيفجّر ضدّه انتفاضة ثالثة قد تستمرُّ سنوات ويخسر خلالها الكثير، تماما مثلما أدت الانتفاضة الثانية التي أشعلها شارون بزيارته الاستفزازية إلى الأقصى في سبتمبر 2000، إلى إلحاق خسائر كبيرة بالاحتلال، وأجبرت شارون في النهاية على سحب مستوطنيه وجنوده جميعا من غزة في عام 2005.. وهنا شعر نتنياهو بخطورة الوضع وأنه قد يخسر القدس والضفة في الانتفاضة الثالثة، ويدفع الفلسطينيين إلى إعادة توحيد صفوفهم على أساس المقاومة، فضلا عن تأليب أحرار العالم والشارعين العربي والإسلامي ضده، ودفعِ أنظمة التخاذل والتآمر العربي إلى كبح خطواتها المتدرِّجة نحو التطبيع المجاني، فآثر رفع راية الاستسلام وألغى كل تدابيره الأمنية بالأقصى، ليُكسر بذلك المرابطون عجرفته وغروره ويدفعوه إلى سحب أبوابه ومتاريسه وكاميراته ذليلا مُهانا، وهو التراجع الذي شبّهه وزير التعليم العالي نفتالي بينيت بالهروب من جنوب لبنان في ماي 2000.

أمرٌ آخر سبّب غيضا كبيرا للعدوّ عدا النفير إلى الأقصى، وهو قيام نحو 10 آلاف من فلسطينيي 1948 بتشييع جنازة الشبان الثلاثة من عائلة "جبارين" الذين قتلوا شرطيين صهيونيين منذ أسبوعين قرب الأقصى واستشهدوا بعد العملية؛ فقد اشترط العدوّ إثر تسليمهم جثامينهم الطاهرة لذويهم أن يُدفَنوا ليلا بهدف تقزيم عدد المشاركين في جنازتهم، وكان يتوقع ألا يزيدوا عن 60 مشاركا، لكنه فوجئ بـ10 آلاف مشيِّع رددوا كلهم هتافاتٍ تمجّد الأبطال الثلاثة وتنصر الأقصى وتدعو إلى مقاومة العدوّ، ما دفعه إلى وصف فلسطينيي 1948 بـ"الطابور الخامس" وهو الذي كان يعتقد أنهم سيصبحون "إسرائيليين" بمرور الوقت. 

هذه الحادثة دليلٌ آخر على أن الشعب الفلسطيني حيثما كان، لا يزال حيا يتحيّن الفرص لتحرير وطنه مهما طال ليلُ الاحتلال، وهذه بشارة أخرى بقرب تحقيق النصر الأكبر وتحرير فلسطين ولو بعد عقود أخرى من الآن، كما تحررت الجزائر بعد 132 سنة كاملة من الاحتلال.

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)