قضايا وآراء

الفلسطينيون بين مطرقة عباس وسندان دحلان

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600
حملت زيارة وفد حماس القيادي لمصر مفاجأة كبيرة تمثلت باللقاءات التي جرت مع محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح وغريم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وقد جاءت هذه اللقاءات مع دحلان وفريقه في وقت حساس يتعلق بالحصار الخانق الذي بدأت السلطة الفلسطينية بزعامة عباس بممارسته على قطاع غزة جنبا إلى جنب مع حصار مصر وإسرائيل.

الرهان الخاسر


لقد بدأ عباس إجراءاته ضد قطاع غزة قبل زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة فقام، باقتطاع نسبة 30% من رواتب أنصاره الموظفين في غزة متعللا بالميزانية، أتبعها بتقليص إمدادات الكهرباء ما أسفر عن توقّف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل، كما وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر على تقليص كمية الكهرباء الواردة إلى قطاع غزة بنسبة 40%، وذلك استجابة لطلب الرئيس عباس ما قلص عدد ساعات وصول الكهرباء لغزة  إلى 3 ساعات يوميا فقط. 

كما هدد عباس بإجراءات جديدة ضد غزة أثناء زيارة ترمب للرياض، من ضمنها وقف مخصصات الشهداء حيث تعتبر إسرائيل ذلك دعما للإرهاب. 

وكان عباس يأمل من هذه الإجراءات ي خنق حماس وإضعافها لمصلحة إسرائيل وإن كان تعلل بالضغط عليها لدفعها لوقف عمل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة القطاع في ظل غياب الحكومة الفلسطينية، مع العلم أن عباس لا يريد التورط بإدارة غزة وإنما يريد الإظهار للإسرائيليين بأنه يملك الكلمة الأولى بفلسطين وأنه يستطيع ضبط حماس من خلال الحصار في مواجهة اتهامات تل أبيب له بأنه لا يهيمن على غزة وبالتالي لا يمكن إنجاز عملية سلام معه.

ومع وجود رئيس أميركي جديد، أراد عباس توصيل رسالة بأنه راغب في المضي قدما بعملية السلام مع إسرائيل متجاهلا أن ترمب لا يدعم أصلا حل الدولتين وأن الموقف الإسرائيلي المستند إلى السلام الإقليمي هو الحاكم في موقف الرئيس الأميركي. 

ومن خلال خطاب ترمب الذي ركز فيه على محاربة الإرهاب وتجاهل حل الدولتين اتضح قصر نظر الرئيس الفلسطيني ومراهنته الخاسرة التي حارب شعبه في غزة من أجلها.

وفيما كانت الإمارات هي أكبر الرابحين من زيارة ترمب، فإن خسارة عباس تضاعفت أكثر لصالح دحلان المدعوم إماراتيا ومصريا.

هجمات مرتدة لدحلان

لقد تمكن عباس من هزيمة دحلان في المؤتمر السابع لفتح في نهاية نوفمبر من العام الماضي حيث تمكن من طرد كوادر ومؤيدي الأخير من مواقع التأثير في اللجنة المركزية لفتح ، ولكن الرئيس الفلسطيني ما لبث أن خسر المواجهة عندما استعان دحلان بحلفائه الإقليميين في مصر والإمارات بعد أن كان استجمع كوادره بمؤتمرات في القاهرة والعين السخنة، دون أن يتمكن من النفاذ إلى غزة في ضوء الحصار الذي فرضته عليه حماس في غزة فمنعته من الأنشطة فيه باستثناء تنظيم زيارات لزوجته لتقديم مساعدات من خلال جمعيات تابعة لها في القطاع.

وتبددت آمال دحلان في استمالة حماس بعد لقاءات في الدوحة سبقت مؤتمر فتح بين عباس وحماس واستجابة الأخيرة لدعوة حضور الاجتماع التحضيري للمجلس الوطني في بيروت مطلع العام الجاري الذي أسفر عن البدء فوراً بمشاورات تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مهمة معالجة الانقسام القائم بين غزة والضفة، والتمهيد لإجراء الانتخابات الرئيسية والتشريعية والمجلس الوطني!إلا أن عباس أجهض ذلك من خلال  فرض شروط جديدة متمثلة باشتراط تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالتزامات منظمة التحرير ثم الذهاب إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، إلا أن حماس رفضت هذا المطلب واعتبرته تجاوزا لما تم الاتفاق عليه في اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني.

ويبدو أن عباس غره اتصال ترمب به عقب انتخابه وتوجيهه دعوة لزيارة البيت الأبيض قريبا لبحث سبل استئناف العملية السياسية، مؤكدا له التزامه بعملية سلام تقود إلى سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

إلا أن طبيعة العلاقة المميزة التي ربطت بين الأمير محمد بن زايد بالرئيس الأميركي أثناء الانتخابات وبعدها، وسعي أبو ظبي والقاهرة لتقديم دحلان لقيادة الشعب الفلسطيني، ودفع هذا الأخير لتقديم تنازلات لم يكن بالإمكان لعباس أن يقدمها بما في ذلك تمرير عملية الاستيطان وتهويد القدس، قلب المعادلة على عباس رغم أنه التقى ترمب في رام الله.

والتقط دحلان الفرصة ليعاجل عباس بضربة قوية عبر محاولته معاكسة إجراءاته في غزة وتحقيق نقطة عليه في إطار الصراع الدائر بينهما.

ونجح غريم عباس في إجراء حوار مع قيادة حماس في قطاع غزة بعد طول انتظار وفيتو ضده.

وكان واضحا الدور المصري المؤثر الذي ربط التسهيلات لغزة بتحسين العلاقة مع دحلان، وهو الأمر الذي وافقت عليه قيادة حماس تحت وطأة الحصار الظالم الذي فرضه الرئيس الفلسطيني عليها محاولا استثارة الناس عليها ودفعهم للثورة ضدها باعتبارها المتسبب في الحصار، وذلك تمهيدا لإسقاطها وفق مخطط لم ينجح في استكماله بسبب الفيتو المصري والإسرائيلي عليه.

وحينما بدأت قوافل السولار تتدفق على غزة، وفي ظل الوعود بفتح المعبر ضمن تفاهم مع حماس، ثارت ثائرة عباس الذي شعر أن البساط سحب من تحت رجليه لصالح غريمه.

 وفورا بدأ رئيس مخابراته ماجد فرج - الذي قاد ولا يزال حملة مكثفة لاعتقال المقاومين في الضفة وإحباط خطط المقاومة ومحاربة انتفاضة الأقصى- مساع لدى قطر وتركيا لإقناع حماس باللقاء معه إلا أنه لم يتراجع عن خطواته التي أدت إلى موت عدد من الأطفال في غزة بسبب عدم تحويلهم للعلاج في الضفة وإسرائيل في خطوة زادت من حجم الاحتقان ضده في قطاع غزة.

مكاسب لحماس .. ولكن 

وقد رأت قيادة حماس في غزة أنها حققت مكاسب لشعبها في غزة وخففت من الاحتقان ضدها، ولكنها تدرك تماما أن الاستمرار بهذا الخط يستدعي تقديم استحقاقات لدحلان وإعادته لغزة وربما تشكيل حكومة معه، وهذا يعني الانجرار لخطوة فصل غزة عن الضفة وإغضاب حلفائها في قطر وتركيا.

 ولتجنب ذلك فإن على حماس أن تسير وفق حبل رفيع من التوازنات بين دحلان وعباس شريطة أن يتراجع هذا الأخير عن حربه ضد غزة.ويقتضي ذلك من حماس الاستمرار في تطمين حلفائها من أنها لن تتحالف مع عميل الإمارات الذي أدار حربا ضد تركيا وهو الآن في صميم الحملة الظالمة على قطر.

 ويستدعي هذا الكثير من الجهد الدبلوماسي والتأكيد على أن حماس لن تستبدل حلفاءها بشخص معروف بالتآمر، وأنها إنما تسعى لتحقيق مصالح شعبها من خلال العلاقة معه، كما أنها لن تدخل في معركة الرئاسة كسند لأي من الطرفين دحلان وعباس. ولكن على الأخير أن يفهم أن حماس وغزة لن تكونا لقمة سائغة له، وعلى دحلان أن يعرف أنه يجب أن يتخلى عن تحالفاته الإقليمية لكي يصيغ علاقة متزنة مع الحركة.

والأهم أن لا يستفيد العدو من هذه التحركات التي يفترض أن تساهم في تمتين الجبهة الداخلية وإزاحة شبح الدولة في غزة والتوطين والوطن البديل.

إن الحفاظ على جذوة المقاومة والانتفاضة يساهم في إجهاض مخططات الاحتلال والمشاريع الإقليمية لتصفية القضية من خلال تمرير مشروع السلام الإقليمي الذي يتبناه نتنياهو وترمب.
1
التعليقات (1)
Samer Allawi
الخميس، 06-07-2017 07:30 م
الوصول إلى حل لقضية فلسطين وإنجاز ( صفقة العصر) يتطلب إضعاف حماس في غزة وعباس في الضفة الغربية، وبذلك يفسح المجال لدحلان وجماعته، ومصادفة اجتماع حماس بجماعة دحلان في مصر مع الحصار على قطر ومطالبتها بطرد قيادة حماس يصب في نفس الانجاه، إذا كانت حماس لا تعرف أن الحصار على قطر يبدأ في 5 حزيران مع بداية زيارة وفد حماس للقاهرة فإن مصر ودحلان يعرفان ذلك جيدا وخططا له.