كتاب عربي 21

قصة الجيش التونسي في كلمات

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
عندما تأسس الجيش الوطني التونسي يوم 24 جوان 1956، كانت بعض الجيوش العربية تمسك بالسلطة في أكثر من بلد عربي. لقد دشنت حركة الضباط الأحرار في مصر مرحلة غليان وصفت بالثورية، وتولى بعدها العسكر إدارة شؤون الحكم في أكثر من بلد عربي بما في ذلك دول مجاورة لتونس ضمن ما سمي بحركات التحرر الوطني.

لم يكن بورقيبة ديمقراطيا، لكنه في الآن نفسه كان يرفض بشدة تدخل العسكريين في الشأن السياسي وحريصا منذ البداية على تحديد  موقع المؤسسة العسكرية في دولة الاستقلال، بالتأكيد على حماية الوطن والتقيد بمقتضيات الدستور. ولم يكتف بورقيبة بذلك، وإنما حرص فيما بعد على إبعاد العسكر عن المهام السياسية إلا في حالات نادرة.

كان خطأه القاتل عندما قبل - تحت تأثير بعض أفراد أسرته - تعيين الجنرال زين العابدين بن علي وزيرا أول في مرحلة سادت فيها البلاد حالة مقلقة من الاضطرابات، وتصاعدت خلالها المخاوف الداخلية والخارجية من احتمال أن يسيطر الإسلاميون على الحكم. ولعل ذلك الهاجس هو الذي جعل بورقيبة ينسى البدلة العسكرية السابقة لبن علي، ويثق في قدراته على استئصال حركة الاتجاه الإسلامي من جذورها.

ولا شك في أن ذلك الجنرال قد نجح في تأخير وصول الإسلاميين إلى الحكم مدة 24 عاما، إلا أن الكلفة السياسية كانت باهضة، وتمت على حساب بورقيبة الذي وجد نفسه مقصيا من الحكم، حيث قضى بقية عمره في عزلة شبه تامة حتى فارق الحياة وفي القلب حسرة.

مع ذلك، لم يتغير نظام الحكم، أي أن رئاسة بن علي للدولة لم تؤدي إلى عسكرة النظام والحياة السياسية. على العكس من ذلك حرص هذا الجنرال على إبعاد زملائه عن دوائر القرار، ولم يقرب منهم إلى عدد قليل جدا، سرعان ما أبعد بعضهم ومات آخرون في ظروف طبيعية. لم يعتمد بن علي في حكمه أو في انقلابه على الجيش، وإنما كان سنده الرئيسي في كل ما فعله هو أجهزة الأمن، مما جعل البعض يصف حكمه ب"الأمنوقراطية". لقد تعرض الجيش في عهده إلى تطهير واسع النطاق تحت غطاء اجتثاث الإسلاميين من الجيش، حيث سجن الكثير منهم وعذبوا، وتم الاستغناء عن خدمات البقية، وكانوا يعدون بالمئات رغم عدم ثبوت علاقة معظمهم بحركة النهضة أو بأي خلفية سياسية أخرى.

كان السبيل إلى الاستيلاء على السلطة يسيرا عندما اندلعت الثورة في تونس، غير أن العسكر لم يحافظوا فقط على نفس المسافة تجاه كل الأحزاب المتنافسة والمتصارعة إلى حد المغامرة، وإنما لعبوا أيضا دورا حاسما في حماية الدولة، وساعدوا المواطنين على استعادة الهدوء في البلاد خلال الأسابيع الأولى من الثورة، ثم انحازوا إلى الدستور الجديد الذي حدد فيه السياسيون بشكل دقيق دور الجيش وصلاحياته.

وعندما أطل الإرهاب برأسه، تولى الجيش بالتعاون مع أجهزة الأمن وخاصة الحرس الوطني قيادة المواجهة الميدانية إلى تاريخ اليوم، وسقط له في هذه الحرب شهداء من أفضل كوادره وجنوده. ولولا شجاعة هؤلاء وتضحياتهم لكان وضع تونس أشبه بما آلت إليه الأوضاع في دول عربية ابتليت بهذه الآفة.

بسبب هذه المسيرة الطويلة، وبفضل عدم تورط العسكريين في مواجهة المدنيين إلا في حالات محدودة عندما استعملتهم السلطة السياسية لمواجهة المواطنين في بعض المناسبات الحرجة، يتمتع الجيش باحترام الأغلبية الساحقة من التونسيين وتعاطفهم. هذا يعني أن العسكر هم أبناء بيئاتهم، وكيفما تكون النخبة يكون جيشها.

لا توجد جيوش ملقحة ضد ممارسة العمل السياسي في المطلق، وإنما توجد شروط وظروف إذا توفرت يتحرك العسكريون في جنح الظلام، ويقررون في لحظة ما وبضوء أخضر من جهة ما الاستيلاء على السلطة وتغيير مصير شعب من الشعوب.

في مقدمة هذه الشروط فشل المدنيين في إدارة شؤون الدولة هو في الغالب العامل الأقوى لإخراج الدبابات من ثكناتها.. هذا نص الرسالة التي لا يجوز أن ينساها السياسيون. 
1
التعليقات (1)
مالك علي
الإثنين، 03-07-2017 09:09 ص
المقال من النوع العكاشي بلا شك. اذا لم تعرف معنى ذلك فابحث عن "توفيق عكاشة" على اليوتيوب.