قضايا وآراء

هل أزفت الآزفة؟

محمود عبد الله عاكف
1300x600
1300x600
منذ عدة أيام استيقظ الشعب السعودي، والشعوب العربية على خبر مفاده انتقال السلطة والحكم في المملكة العربية السعودية من محمد بن نايف إلى محمد بن سلمان وذلك من خلال مراسيم عديدة أصدرها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وهي المرة الثانية وقد تكون الأخيرة منذ حكم المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود التي يكون العاهل السعودي وولي عهده من نفس الفرع أي أب وابنه. عندما كان العاهل هو عبد العزيز آل سعود وولى عهده سعود بن عبد العزيز ابنه بعد وفاة أخيه الأمير محمد بن عبد الرحمن آل سعود عام 1943. 

والمضحك المبكي أن من ضمن ما صدر من مراسيم كان مرسوم بتعديل نظام الحكم بألا يكون العاهل وولي عهده من نفس الفرع بعد هذه المرة أي في عهد العاهل محمد بن سلمان. وبالطبع سيتم تعديل النظام مرة أخرى إذا قدر الله سبحانه وتعالى واستمرت المملكة العربية السعودية على حالها دون انقسامات أو تفتيت والله أعلم. 

جانب آخر من جوانب الشكل هو اختيار التوقيت وهو صدور تلك المراسيم موافقا لليلة القدر وأن البيعة تمت بعد صلاة التراويح في قصر الصفا بمكة المكرمة حتى يعطي الانطباع بأن العاهل القادم شخص مبارك تتم بيعته في ليلة القدر في رمضان وفي مكة أم القرى بجوار الحرم الشريف. 

الجانب الأخير بالنسبة للشكل أن المراسيم فيما ضمت إجازة مدفوعة الأجر للعاملين بالسعودية لمدة أسبوع كرشوة للمواطنين للسكوت وعدم الحديث عن المرسوم المقصود وأسبابه وضرورة إصداره الآن.

منذ اعتلاء العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز منصة الحكم في السعودية منذ عامين وهناك العديد من التسريبات و التوقعات بأن يُمكن ابنه محمد من سدة الحكم قبل رحيله. وبدأ بنقل ولاية العهد من الأشقاء وأبناء المؤسس إلي أحفاده بأن عزل أخاه الأمير مقرن من ولاية العهد وعين محمد بن نايف ابن شقيقه السديري نايف بن عبد العزيز. بحجة تمكين الشباب والأجيال الجديدة وتم الترويج للإحصاءات التي تتحدث عن نسبة الشباب في المجتمع السعودي وأنهم في حاجة إلى من يمثلهم والمطالبة بعودة الروح إلى الحكم السعودي. 

كما عين ابنه محمد وليا لولي العهد في سابقة لم يفعلها أي شقيق من أشقائه ممن سبقوه في الحكم وخلال العامين الماضيين كانت المشاورات مع محمد بن نايف للتنازل لابن عمه محمد بن سلمان بالعصي مرة من خلال سحب صلاحياته و بالجزر مرة من خلال المنح المالية بالمليارات كما تسرب.

مع اعتلاء السيد الجديد الساكن بعيدا عن سدة البيت الذي يعيشون في حديقته الخلفية كانت الفرصة التي استغلها محمد بن زايد لإبعاد ابن نايف والتخلص منه وللسيطرة على ابن سلمان من خلال تشجيعه على اتخاذ الخطوة المرغوبة وسهل له مقابلة ترامب وعلمه كيف يتعامل معه وهو شخص يعبد المال. بل وساعده في إخراج مشهد مؤتمر الرياض الذي هرول إليه الجميع ولم يكن بينهم رجل واحد رشيد.

لقد صدق ترمب على تعيين محمد بن سلمان عاهلا للعربية السعودية مقابل 460 مليار دولار منذ عدة أسابيع. وبايع محمد بن نايف ابن عمه محمد بن سلمان عاهلا للسعودية منذ أيام مقابل مائة مليار دولار كما أشيع. وبايع باقي السعوديين ابن سلمان مقابل أسبوع إجازة.

وكأن المسلمين في العالم يعيشون في رفاهية ورغد عيش ولا يحتاجون لهذه الأموال مع أن السعوديين منهم في أمس الحاجة إليها ومشهد الشخص السعودي في حفل مبايعة ابن سلمان وهو يحاول شرح حالته واحتياجه للعاهل القادم لدليل على الوضع السيئ لمعظم السعوديين.

وقد ذكرت قبل ذلك أن دعوة أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يرزق الله أهل مكة الثمرات والنعم لا يتوقف على الأسرة التي تحكم البلد الآمن أو على من يحمل جنسيته فقط بل أن الدعوة إلي كل من ينتمي إلى دين أهل هذه البلدة وهو الإسلام ولكنهم لا يفقهون والله اعلم. 

وإذا نظرنا إلي مشهد مبايعة محمد بن نايف لابن عمه محمد بن سلمان نستطيع أن نقرأ مستقبل العربية السعودية على يد ذلك الأمير الشاب الذي يأملون أنه سيعيد الروح إلي الدولة السعودية. فبدلا من أن يقوم المُبايِع بتقبيل رأس الذي يبايعه نجد أن المُبايَع يكاد يقبل أيدي وأقدام الذي يبايعه وينحني له بشده. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن شخصية الأمير الشاب غير متزنة وضعيفة وكأنه غير مصدق أن يتنازل الأمير محمد بن نايف له عن ولاية العهد بهذه السهولة.

لقد تم تعيين محمد بن سلمان وزيرا للدفاع يوم وفاة عمه العاهل السابق عبدالله في 23 يناير 2015 وفي 26 مارس من نفس العام بدأت عمليات عاصفة الحزم ضد الحوثي وصالح. 

في 29 أبريل 2015 تم تعينه ولى ولى العهد السعودي ورئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية. وأصبح مسئولا عن أهم جانبين في الدولة وهما جانبي الدفاع وخصوصا والدولة السعودية تتزعم تحالفا عسكريا من عدة دول وفي مواجهة عسكرية ضد الانقلابيين في اليمن جنوب السعودية والجانب الآخر هو جانب الاقتصاد والتنمية والذي يؤثر على كل فرد وأسره في الدولة. 

وبالرغم من عدم خبرة الأمير الشاب إلا أن أبيه وضع في يده أهم السلطات وكانت كل خبرته هي إدارة مؤسسة خيرية حديثة وإدارة ديوان أبيه عندما كان ولى العهد. لذلك كان العبث هو نتيجة عمله فاصدر رؤية السعودية 2030 وفرض عدد من الإجراءات والسياسات التقشفية بالإضافة إلي الوحل الذي انغمس فيه في اليمن. بالنسبة إلي الجوانب الاقتصادية نجد التخبط والتناقض في القرارات ونجد مراسيم العاهل السعودي تعيد وتصحح ما اصدره ابنه من قرارات مثل إعادة العلاوات ومنح المكافآت كما أن الرؤية المقدمة غير واقعية وصعبة التحقق. 

والتحالف العسكري لدعم الشرعية في اليمن أصيب في مقتل بقيام احد أعضاء التحالف وهى أبو ظبي بالمساعدة في تقسيم اليمن وتشجيع الجنوب على الانفصال وتشتيت الجهود. بالتالي لم يحسن الأمير الشاب في أي مهمة تصدى لها فماذا سيكون الحال عندما يكون مسئولا عن الدولة السعودية بالكامل؟

ومما يصعب على الفهم هو هذا الانصياع والتبعية الكاملة من محمد بن سلمان لـ محمد بن زايد.

من الممكن أن يكون دافعه في السير خلفه في طريق العلاقات مع أمريكا وحصار قطر من أجل بريق الحكم واستعجال التنصيب وهو لا يضمن الظروف ولا صحة الأب وقدرته في الاستمرار حتى يمكنه من الحكم الفعلي للدولة. كما أن قطر كانت على علاقة جيدة مع محمد بن نايف وهو كان يمثل المنافس البديل. ولكن لا يمكن تبرير الموقف من الإخوان المسلمين وأفرعها المختلفة.

 فقد كانت العربية السعودية هي محضن للإخوان وملجأ وقت اضطهاد عبدالناصر لهم في مصر خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي كما كانت الملجأ أيضا للإخوان عندما اضطهدهم حافظ الأسد في بداية الثمانينيات. واستمرت العلاقة جيدة حتى الانقلاب في مصر ونجد أن الإخوان كانوا على علاقة وثيقة مع الأمراء والحكام في السعودية بل وقدموا للعربية السعودية العديد من الخدمات في مجالات عديدة مثل التعليم والعمل الخيري العالمي وغير ذلك من مجالات. 

بل أنه في عهد الملك فيصل تم إعطاءهم الجنسية السعودية وكانوا مستشارين للعاهل نفسه. لذلك فإن الانقلاب عليهم بهذا الشكل حتى يتم توجيه العلماء والشيوخ في السعودية بإصدار البيانات من أجل تشوية دعوة الإخوان والتحريض عليها فهو غير مفهوم إلا من أجل إرضاء محمد بن زايد وإسرائيل.

بلا شك فإن الخطوة التي قام بها العاهل الأب بتنحية ابن أخيه وترسيم ابنه ولى للعهد في هذا التوقيت لدليل على الفوضى التي تعيشها الأسرة الحاكمة في السعودية ومن المتوقع أن يصير الأمير الشاب عاهلا للسعودية في حياة والده سواء برضاء أبيه أو بدون. 

كما سوف يقوم بتوظيف الوجود الحالي للسيد الساكن بعيدا  والذي بدأ معه العلاقات التي ساعدته على الانقلاب على ابن عمه قبل تغييره وهو احتمال قائم وبشده. كما انه من المتوقع أن يزداد الحصار على قطر من اجل إخضاعها للسير مع القطيع الخليجي. كما أن الأوضاع الداخلية في العربية السعودية سوف تزداد سوء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وسوف يعاني أبناء الشعب السعودي نتيجة القرارات الغير مدروسة للعاهل الشاب والمغامرات الفاشلة التي سيجر إليها وطنه.

كما أن رعونة شخصيته وعدم وجود الخبرة الكافية سيجعله عرضة للتأثر بالمحيطين به كما سيدفع إلي ظهور قوى معارضة داخل العربية السعودية وبالتالي سوف يلجا إلي البطش واستخدام القوة في تكميم الأفواه وهذا قد يفضي إلي ما لا تحمد عقباه للمنطقة بأكملها وبالتالي سوف تلتحق العربية السعودية بالمشهد الكلى للمنطقة وهو مشهد التقسيم والتفتيت والذي سيتم هذه المرة بناء على رغبة الجماهير. 

كلمة أخيرة أن العالم اجمع شرقه وغربه وعلى كافة المستويات سواء القوميات او الأيدولوجيات او الدول والمنظمات وغير ذلك دائما ما تبحث عن مصلحتها وتحدد أهدافها ثم تعمل جاهدة على تحقيق تلك المصالح. ولكننا نحن المسلمين سواء في الشرق الأقصى او الأوسط او حتى في الغرب أين هي مصالحنا وقد تقلصنا لنكون أدوات من اجل تحقيق مصالح الحكام المتآمرين على شعوبهم ومحاولاتهم لأثبات قيادتهم وجدارتهم وهم مجرد أقزام ولا يمكنهم القيام بأي عمل غير التبعية للغرب ودوله.

ولا يعنيهم من أجل تحقيق ذلك مطالب شعوبهم وحقوقهم. ومن المتوقع أن الأمة الإسلامية مقبلة على أوضاع أكثر من السيئة وسوف تعاني المزيد من الصراعات فيما بينها وقد بدأنا نرى مظاهر هذه الصراعات الداخلية في العديد من المناطق مثل اليمن وسوريا وقبلهم العراق وغيرها.

وسوف يلحقهم مصرها وتركها وخليجها وإيرانها ومغربها ومشرقها والجميع مازال ينتظر وينظر إلي الجهة المؤهلة لقيادة المسلمين وأمتهم وتستطيع أن تعيد إليها وحدتها وقوتها ومواجهة الهجمات الشرسة التي تتعرض لها الأمة الإسلامية فهل سوف ننتظر كثيرا؟؟؟ أم أن الآزفة قد أزفت؟؟؟ وهي التي ليس لها من دون الله كاشفة. والله المستعان وهو من وراء القصد ويهدى السبيل.

0
التعليقات (0)