كتاب عربي 21

من تطاوين إلى الحسيمة: الإسلاميون في قلب الإعصار

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
لا توجد إلى حد الآن مؤشرات جدية من شأنها أن توحي بأن الحركة الاحتجاجية التي تشهدها مدينة الحسيمة في منطقة الريف المغربي منذ تسعة أشهر قد تتوقف. على العكس من ذلك فإن الزخم الذي يميز هذا الحراك ازداد قوة عبر الأيام رغم قيام السلطات باعتقال أبرز العناصر القيادية في خطوة وصفت بالتصعيدية، لكنها بدل أن تؤدي إلى تطويق ما يجري في هذه المنطقة الحساسة والهامة في مسيرة الشعب المغربي، أخذت الأحداث منعرجا أكثر خطورة.

لقد كتب الكثير عن هذا الموضوع من داخل المغرب ومن خارجه. لكن الهدف من هذا المقال هو التوقف عند بعض دلالات ما يجري في "الحسيمة" والذي قد يترك بصماته على الحياة السياسية والاجتماعية المغربية خلال المرحلة القادمة.

مرة أخرى يلعب الشباب دورا حاسما وقياديا في تفجير الحدث وفي صناعة الحركات الاجتماعية في المنطقة العربية. وهذا يعني أن الأزمة بين الدولة والشباب تزداد حدة وقوة في العالم العربي. تكاد الثقة تنعدم بين الطرفين بسبب عجز الدولة العميقة عن الوفاء بوعودها التي تقدمها جزافا للجيل الجديد دون أن تكون قادرة على تحويلها إلى سياسات دامجة للمجتمع وخاصة فئاته الهشة والرئيسية. إذ بدل أن تؤدي السياسات التي تطبق على الأرض، خاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، إلى تقليص الفجوة بين الشباب وأجهزة الدولة، إذا بالمسافة تزدادا اتساعا وعمقا.

لا شك في أن أنظمة الحكم لها قائمة طويلة من المبررات التي تستند عليها لتعليل الإخفاقات المتتالية، أو لتفسير البطء في إنجاز وعودها، غير أن شباب اليوم لم يعد مستعدا أن يتفهم الظروف الصعبة والتحديات المعقدة التي تواجهها حكوماته المتعاقبة في ظل الأزمات العالمية، إلى جانب التركة الثقيلة التي خلفتها عشرات السنين من التسيير الفاشل لإدارة الشأن العام.

في هذا الباب بالذات تبرز أزمة الأحزاب في البلدان التي يستند نظامها السياسي على التعددية الحزبية. فالحركات الاجتماعية التي تظهر فجأة، وتطفو على السطح، ويتضخم دورها وحجمها وأداؤها، لا يمكن أن تبلغ هذه الدرجة من القوة والحضور إلا عندما تكون بقية الوسائط الاجتماعية قد ضعفت أو ترهلت، ولم تعد محل ثقة في الدورة السياسية. وفي مقدمة هذه الوسائط الأحزاب التي يفترض أن تكون الحلقة الرابطة بين الدولة والمجتمع، أو بين الدائرة السياسية بمختلف مكوناتها وبقية المواطنين في بلد ما. 

ولهذا السبب بالذات يجري الحديث في المغرب منذ سنوات عن غياب أي دور فاعل في معالجة ملف "الحسيمة". وهناك دعوات عاجلة إلى حل ملف الأحزاب المغربية التي تفاقم عجزها طيلة السنوات الأخيرة، حيث كثرت انقساماتها، كما تراجع وزن الأحزاب التاريخية مثل الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال. فهذان الحزبان يمران حاليا بأسوأ حالات الضعف والانحسار، وهو ما كشفته بوضوح وبالأرقام الانتخابات البرلمانية الأخيرة. لقد أصبحت الحركات الاجتماعية وفعاليات المجتمع المدني أكثر أهمية وقوة من الأحزاب الكبيرة أو الصغيرة.

أين الإسلاميون في كل هذا؟. هذا السؤال يتهرب من طرحه الكثير من أبناء هذه الحركات، رغم كونه سؤالا مصيريا وأساسيا لا يمكن القفز عليه أو السكوت عنه. فمثلما يحدث في تونس يتكرر نفس الشيء في المغرب. إذ في البلدين يشارك حزبان إسلاميان في الحكم، ويتحملان مسؤولية مباشرة في إدارة شؤون الدولة. وكلاهما يواجه نفس التحدي، لأنهما يجدان نفسيها وجها لوجه أمام مئات الآلاف من الشباب الذين يطالبون بحقهم في الشغل وفي الكرامة. وكما حدث مع أحزاب سابقة، يتكرر نفس المشهد مع الإسلاميين الذين سعدوا كثيرا بتصدرهم المشهد السياسي الرسمي بعد مرحلة التيه والإقصاء والسجون والمنافي، لكن عندما تحولوا إلى صانعي القرار هالتهم الملفات المعقدة، واكتشفوا أن إدارة الحكم ليست مسألة هينة، وأن السياسة الناجحة لا تتجسد على أرض الواقع بمجرد التعبير عن النوايا الحسنة. هناك شروط أخرى مفقودة يجب أن تتوفر حتى تكتمل عناصر الخلطة الكيماوية السحرية وتعطي مفعولها، ومن أهم هذه الشروط الحلول الواقعية، والقرارات الجريئة، والخبرات الضرورية، والكفاءات التي لا يشك في قدراتها ومصداقيتها ونظافتها.

اليوم المحتجون في "الحسيمة" لا يميزون بين حزب العدالة والتنمية وبين بقية الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي. بل إن السهام موجهة بشكل أساسي إلى الإسلاميين الحاكمين باعتبار أن رئيس الحكومة من بين أبرز قادتهم، وبالتالي فإن الحزب هو المسؤول عن أي قرار يتخذ في ملف حراك الريف، سواء أكان هذا القرار إيجابيا أو سلبيا.

أيها الإسلاميون لا تفرحوا كثيرا بوصولكم إلى السلطة، لأنكم بعد نشوة الانتصار ستفتحون الصناديق السرية وعندها يبدأ صراعكم الحقيقي مع الثعابين الضخمة. وما تجنونه في سنوات قد تخسرونه في لحظة سوء.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل