قضايا وآراء

محور سني للزعامات.. وأميركا القائدة!

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600
كشفت الأزمة الأخيرة في الخليج والمتمثلة بحصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر لدولة قطر عن هشاشة ما يسمى بالمحور السني الذي قالت السعودية إنها تقوده لمواجهة المحور الشيعي بقيادة إيران.

فقد تقزم هذا المحور ليصبح تحالفا بين ولي ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد، وتحول إلى مطية لتحقيق أهداف شخصية لا علاقة لها بالسنة والشيعة. ومن المعلوم أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أطلق حربا على الوجود الإيراني في اليمن وحشد له دول الخليج (باستثناء عمان والكويت) ودولا عربية أخرى مثل مصر والأردن والسودان.

التورط في اليمن
وقد كان من المؤمل أن ينتقل هذا التحالف فيما بعد إلى سوريا لمواجهة إيران وإسقاط نظام حكم الأسد، إلى أن ذلك لم يتم لأسباب عدة أهمها:

1- عدم سعي السعودية للتحالف مع الإسلام السياسي في اليمن، الأمر الذي عقد مهمة السعودية طالما أنها لم تتحالف مع الطرف القوي في المعادلة اليمنية، ألا وهو حزب الإصلاح اليمني، فأدى ذلك إلى غرق التحالف في المستنقع اليمني، وبدأت قوات الرئيس المخلوع وميليشيات الحوثي بضرب صواريخ توقع ضحايا في جنوب المملكة السعودية.

2- وتزامن ذلك مع سعي الإمارات لتخريب الجهود السعودية لمنع استفادة حزب الإصلاح من البيئة التي تخلقها السعودية في حربها ضد الحوثيين، وتمثل ذلك في تعطيل الهجوم على مدينة تعز لإنهاء الوجود الحوثي فيها مخافة أن يؤدي ذلك إلى تعزيز دور الإصلاح في معقله الأهم بالمدينة ما أدى إلى تعطل استعادة صنعاء. ويلاحظ أن الإمارات عززت نفوذها في مدينة عدن الجنوبية بعد أن استلمت إدارة المحافظة أمنيا، لا سيما وأنها قامت بالدور الأكبر في تحرير المدينة، حيث وصل عدد جنودها المشاركين في تحريرها لنحو أربعة آلاف جندي، من خمسة آلاف جندي عربي شارك في التحرير. وتؤكد تقارير دعم الإمارات للحراك الجنوبي وتشجيع انفصال عدن عن اليمن لأسباب اقتصادية وسياسية، وهو ما يساهم في إضعاف التحالف العربي في اليمن.

3- ابتعاد تركيا عن الحلف لأسباب تتعلق بتحالفها مع روسيا في سوريا للسماح لها بمواجهة الانفصاليين من حزب العمال الكردستاني، مع ما يتطلبه ذلك من تحويل دفة المعركة من مواجهة إيران إلى مواجهة الأكراد الذين يشكلون مشكلة وجودية للدولة التركية. وأدى ذلك أيضا إلى ليونة تركيا تجاه بشار الأسد وتراجع اللهجة التركية الحادة المطالبة بعزل الأسد عن أي حل مستقبلي لمشكلة سوريا.

4- السعي السعودي لتثبيت وراثة محمد بن سلمان  للحكم بدلا من محمد بن نايف، من خلال التقرب من إدارة ترمب، ما أدى إلى تراجع الاهتمام باليمن، والتركيز على تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة وتلبية مطالبها بالسلام الإقليمي الذي يسعى لدمج إسرائيل في التحالف السني على عكس رغبة الأطراف الأخرى مثل تركيا وقطر.

ضربة ل "المحور السني"!
وفي هذا السياق جاءت محاصرة قطر التي تمثل حالة خاصة بين دول الخليج عبر مواقفها المتميزة من الصراع مع إسرائيل ومحاولتها الموازنة بين محاربة النفوذ الإيراني وتجنب المواجهة معها، وهو ما لم يعجب السعودية وفتح الباب أمام تحريض إماراتي ضد قطر نتيجة التعارض في المواقف في اليمن والتعامل مع الإسلام السياسي والصراع العربي الإسرائيلي.

وبدلا من أن يمضي التحالف السني في مواجهة إسرائيل والضغط عليها للعودة لطاولة المفاوضات، ومحاصرة طهران وتنظيم الدولة، انساقت السعودية وراء الإمارات لتحول المعركة برمتها ضد قطر بدلا من التفاهم معها على سياسات موحدة ضمن مجلس التعاون الخليجي.

وجاء التحرك السعودي- الإماراتي الأخير ليوجه ضربة قاصمة لما يطلق عليه التحالف السني، لأسباب عدة، أهمها:

1- عدم الجدية في التصدي للنفوذ الإيراني أو حتى التفاهم معه لمنعه من التغول في المنطقة، وإيجاد حلول لتوجيه الدفة لمحاربة تنظيم الدولة ودعم الكفاح الفلسطيني في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي.

2- إدخال أميركا ضمن هذا التحالف، ما أدى إلى حرفه عن مهمته بدرجة أصبح فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتحكم الأساسي فيه، حتى أنه قام بتوسيعه لمحاربة الإرهاب واضعا حركات المقاومة والمعارضة مثل الإخوان وحماس في كفة واحدة مع تنظيم الدولة، كما قام بوضع إسرائيل في خانة الصديق للعرب وتجاهل إرهابها ضد الشعب الفلسطيني، وسعى لتوجيه الجهود لمحاربة المقاومة الفلسطينية لمصلحة العدو الإسرائيلي وتجاهل إرهابه ضد الشعب الفلسطيني!
كما سعى ترمب إلى تشكيل ما يسمى ناتو عربي لمواجهة إيران وتنظيم الدولة خدمة للمصالح الإسرائيلية وإغراق المنطقة في صراعات طائفية لا يستفيد منها سوى العدو الإسرائيلي.

3- السعي العربي لحل القضية الفلسطينية وفق تصور نتنياهو بالسلام الإقليمي الذي يفصل بين حل القضية وبين المفاوضات مع العرب ما يفتح الباب واسعا للتطبيع مع العدو، ويخذل مقاومة الشعب الفلسطيني.

4- تحول أولويات الدول العربية من محاربة الإرهاب الرئيسي المتمثل بتنظيم الدولة إلى ضرب بعض الدول العربية بسبب مواقفها المميزة من الصراع مع إسرائيل، حتى وإن كانت مشاركة بفعالية في مواجهة تنظيم الدولة.  

فشل مقابل نجاح!
وقد كانت المحصلة فشل التحالف السني مقابل نجاح إيراني مدو بمزيد من التغول في المنطقة، لتحقيق ما يعرف بالهلال الشيعي، حيث كان نجاحها في تشكيل تواصل جغرافي ما بين طهران وبيروت مرورا بسوريا باكورة هذا الهلال.

يأتي ذلك وسط حصارات يفرضها بعض العرب على غيرهم، والتودد لإسرائيل تحت حجة محاربة إيران وبذل مليارات الدولارات في سبيل ذلك لإنعاش الاقتصاد الأميركي وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل للأميركيين في وقت ينهك فيه الحصار الاقتصادي الشعب الفلسطيني في غزة، ويمنعه من إعادة بناء ما دمره الاحتلال في حرب 2014!!

ويبدو أن المحور السني لم يكن إلا مطية لدول معينة لتحقيق أهداف وأطماع شخصية لبعض الزعامات العربية التي لطالما استخدمت الدين كسلعة تباع وتشترى في سبيل المحافظة على المنصب.

إن إقامة أي محور سني يجب أن تستند إلى أهداف مشتركة وتكون بين الدول العربية والإسلامية بدون تدخل أو مشاركة قوى أخرى. ولا شك أن الزعامات العربية التي انقلبت على الثورات أو تآمرت ضدها لا تصلح لتشكيل محور من هذا النوع.
التعليقات (0)