كتاب عربي 21

في مواجهة العواصف في المنطقة: اين يكمن سر الاستقرار في لبنان؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
رغم اشتداد العواصف والخلافات في الدول العربية والمنطقة، فالملفت ان لبنان نجح في تجاوز العديد من التحديات السياسية والامنية الخطيرة، وحقق نسبة عالية من الاستقرار السياسي والامني، واخر الانجازات السياسية كان في توافق معظم الاطراف اللبنانية على قانون جديد للانتخابات والعمل لتفعيل العمل السياسي والحكومي والتشريعي في المرحلة المقبلة.

ومع أن اللبنانيين احزابا وهيئات مدنية ومنظمات نسائية وشبابية وضعوا الكثير من الملاحظات على قانون الانتخابات الجديد، فان مجرد الاتفاق على القانون دون تدخلات خارجية، وهذا يحصل لاول مرة منذ عشرات السنين، وما حمله القانون من تغييرات جزئية على صعيد اعتماد الننسبية مع اعادة تقسيم الدوائر،فان ذلك يشكل اشارة جديدة لامكانية ان يتجاوز لبنان المرحلة الصعبة التي مر بها في السنوات الماضية، والاتفاق على القانون هو الخطوة الثالثة في مسيرة ترتيب البيت اللبناني، بعد ان تم في شهر تشرين الاول ( اوكتوبر) من العام الماضي انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وتزامنت هذه التطورات السياسية الايجابية مع نجاح الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية في اكتشاف عشرات الشبكات المتطرفة التي كانت تعمل لارتكاب اعمال ارهابية وتخريب الوضع اللبناني.

ورغم استمرار معاناة لبنان من جراء استمرار الازمة السورية وفي ظل اشتداد الازمات والصراعات في المنطقة، فان نجاح الاطراف اللبنانية في الحفاظ على الاستقرار الداخلي والعمل لحل الازمات السياسية دون أية تدخلات خارجية، بعكس ما كان يجري في السنوات الماضية، فان ذلك يشكل نجاحا للتجربة اللبنانية ينبغي التوقف عندها والبحث عن السر الكامن فيها، مع ان ذلك لا يعني ان الوضع اللبناني على ما يرام ولا يعاني من مشكلات عديدة اقتصادية وامنية واجتماعية، لكن على الاقل هناك نسبة معينة من الاستقرار والتطور السياسي الايجابي لا بد من الاشادة فيه.

وهناك اسباب عديدة لنجاح القوى البنانية في الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومنها:

اولا: الاتفاق السياسي الذي تم بين تيار المستقبل وحزب الله  وبقية الاطراف الحزبية والسياسية على ادارة شؤون البلاد رغم الخلافات بينهم في العديد من الملفات الخارجيية ومنها دور حزب الله الخارجي ، وهذا ما اكده مؤخرا رئيس الحكومة سعد الحريري.

ثانيا: وعي الاطراف اللبنانية جميعها ان لا مصلحة لاحد منها في ابقاء الخلافات الداخلية ،وانه لابد من ضرورة الاعتماد على الذات لمعالجة المشكلات فيما بينها، رغم وجود خلافات وانقسامات سياسية وطائفية ومخاوف متبادلة، وهذا ما برز بوضوح خلال النقاشات حول القانون الجديد للانتخابات والذي اقر مؤخرا.

ثالثا: تراجع الاهتمام الدولي والاقليمي بالوضع اللبناني وانتقال الصراعات بين الاطراف الخارجية الى داخل كل دولة وفيما بينها ، في حين ان لبنان كان في السابق ساحة مفتوحة للصراعات بين مختلف الاطراف.

رابعا: نجاح الاجهزة الامنية والعسكرية في مواجهة المجموعات المتطرفة والعمل لمنع هذه المجموعات من ارتكاب العديد من العمليات الارهابية، وهذا ما يسمى بالامن الوقائي، وهذا النجاح له علاقة بالتوافق السياسي الداخلي وبتطور امكانيات وقدرات الجهزة الامنية.

خامسا: تبلور وعي لبناني داخلي يرفض العودة للحرب الاهلية والصراعات العسكرية وبروز العديد من المؤسسات الحوارية ومؤسسات المجتمع المدني التي تعمل لبث الوعي ومواجهة التطرف والعنف.

سادسا: دعم الاطراف الدولية والاقليمية للاستقرار اللبناني لاسباب عديدة.

لكن رغم هذه الصورة الايجابية في المشهد اللبناني السياسي والامني، فان ذلك لا يعني ان لبنان لا يواجه ازمات عديدة اجتماعية واقتصادية واضافة لبروز عنف مجتمعي وظواهر خطيرة على صعيد انتشار الفساد والادمان على المخدرات وازدياد معدلات الانتحار بين الشباب ،وكل هذه المشكلات تحتاج لاهتمام ومتابعة من قبل السلطات المعنية لمنع تفاقمها وللوصول الى حلول لها.

وفي النتيجة لا بد من التأكيد على وجود "سر ما "، يكمن في التجربة اللبنانية يحتاج للاهتمام به ودراسته في هذه اللحظة المتفجرة والخطيرة التي تعاني منها دول المنطقة، وقد تكون معاناة اللبنانيين من الحرب الاهلية التي استمرت على مدار 15 سنة (من العام 1975 حتى العام 1990) هي التي تدفعهم اليوم للبحث عن حلول لمشاكلهم بعيدا عن السلاح والصراعات العسكرية، فهل يمكن ان تنتقل العدوى اللبنانية الايجابية الى بقية دول المنطقة؟.
0
التعليقات (0)