قضايا وآراء

الأرض والدم وجهان لجريمة واحدة

قطب العربي
1300x600
1300x600
يحتدم الجدل بين معارضي النظام العسكري المصري بين أولوية قضية الأرض (تيران وصنافير) وقضية الدم (أحكام الإعدام والتصفيات في الشوارع لمناهضي الانقلاب)، ويتبارى مشعلو الفتنة في إذكاء النار بين الفريقين لمنع أي تقارب بين القوى الوطنية والإسلامية للتخلص من النظام الانقلابي.

الفريق الذي تمترس خلف قضية الأرض، مناهضا التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية يرى أن هذه القضية هي واجب الوقت، وأنها وحدها هي التي تجمع أو ينبغي أن تجمع كل المعارضين، ويرون أن الحديث عن أي موضوعات أخرى مهما بلغت فظاعتها فإنها ستشتت الأنظار عن قضيتهم المركزية ( الأرض) وستمكن النظام من تسليم الجزيرتين بيسر، وبالتالي فهم لا يعطون أي قيمة أو أهمية لقضية الدم المتمثلة في صدور أحكام نهائية باتة تنتظر التنفيذ في أي لحظة ضد 7 من مناهضي النظام، وهذا الفريق أيضا لم يهتم يوما من قبل بأي أحكام إعدام صدرت ونفذت بالفعل بحق 7 آخرين ( شباب عرب شركس والمواطن محمود رمضان) بل إن هذا الفريق كثيرا ما برر للسلطة تلك الأحكام الظالمة قبل أن يغير موقفه منها.

أما الفريق الثاني فهو يرى أن الدماء مقدمة على غيرها من القضايا، وأن حرمتها تسبق حرمة هدم الكعبة، ويعتبر هؤلاء أن من لم تحركه الدماء التي سالت في مجازر رابعة والنهضة والمنصة والحرس الجمهوري وغيرها من المجازر والتصفيات والإعدامات فلا يمكن الوثوق به، أو بوطنيته، أو بجديته في الدفاع عن الأرض، أو التحرك للخلاص من حكم العسكر، وبالتالي فهذا الفريق لا يأبه بالحديث عن قضية تسليم الجزر لأنه يعتبر أن مصر كلها مستلبة من أهلها من قبل طغمة عسكرية خائنة، ويعتقد هذا الفريق أيضا أن مواجهة أحكام الإعدام التي تصدر تباعا من القضاء وجرى تنفيذ بعضها بالفعل هو واجب الوقت الآن إنقاذا لهذه الأرواح البريئة التي تعرضت لأقسى أنواع التعذيب لانتزاع اعترافات غير حقيقية منهم عن جرائم لم يرتكبوها، وصلت إلى حد تهديدهم بإجبارهم على اغتصاب أمهاتهم بأنفسهم، ورغم ظهور آثار التعذيب على أجسادهم إلا أن قاضي النقض لم يكلف خاطره حتى بالاستماع لشكواهم، كما لم يكلف مفتي الجمهورية خاطره بالاستماع إليهم مباشرة قبل أن يصدق على حكمهم ، ولعل أحدث أحكام الإعدام التي صدرت السبت بحق 31 معارضا بتهمة قتل النائب العام هشام بركات تمثل دليلا جديدا على هزلية هذه الأحكام، فالشعب المصري كله تابع قضية مقتل بركات، وشهادة سائقه التي اعترف فيها بأنه نزل من السيارة عقب الحادث ماشيا على قدميه وأنه مات في المستشفى، كما أن الداخلية وجهت تهمة قتله لأكثر من مجموعة من قبل، بل قامت بتصفية 9 من قيادات الإخوان في إحدى الشقق السكنية بمدينة السادس من أكتوبر بزعم أنهم هم من قتلوا النائب العام.. إلخ.

نسي الفريق الأول أن صمته على الدماء من قبل هو الذي جرأ النظام على قتل المزيد من المصريين بدم بارد في الشوارع والمنازل، وعلى إصدار المزيد من أحكام الإعدام وتنفيذها، ونسي أيضا أن الدماء التي سالت هي دماء مصرية محرمة، وأنها لا تخص فصيلا بعينه، إذ لم يكن الصحفيان تامر عبد الرؤوف وميادة أشرف من الإخوان مثلا، كما لم يكن شباب الوايت نايت في 2015 ينتمون للتيار الإسلامي، ونسو أن الصمت على هذه الدماء مجددا سيشجع النظام على إصدار أحكام إعدام بحقهم هم أيضا في أقرب وقت (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).

ونسي الفريق الآخر أن تجاهل التنازل عن الأرض هو جريمة يتضاعف إثمها بمعرفة أن الأرض ستذهب مباشرة للعدو الصهيوني الذي راجع اتفاقية التسليم كلمة كلمة حسب الاتصال المسرب لوزير الخارجية سامح شكري مع مسئول صهيوني، كما نسي هذا الفريق أن الأرض تساوي العرض عند المصريين، وأن الصمت على جريمة تسليمها سيدفع النظام لبيع الوطن قطعة قطعة ثمنا لاستمرار بقائه.

حين نذكر فريقين متنازعين حول قضيتي الدم والأرض فإن هذا لا يعني أن كل مناهضي ومعارضي الحكم العسكري يتوزعون بين هاتين الفئتين، إذ أن الواقع يؤكد أن هناك فريقا ثالثا يجمع بين القضيتين باعتبارهما وجهان لجريمة واحدة، فالمجرم واحد وهو السيسي ونظامه، والضحية واحد وهو الوطن بأرضه وناسه، وبالتالي فليس مقبولا أن يتم التركيز على إحدى القضيتين وتجاهل الأخرى، ومن يفعل ذلك فإنه كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وهو بسلوكه هذا يسهم في إطالة أمد الانقلاب وعليه أن يراجع وطنيته.

لقد أثبتت مظاهرات الجمعة رغم محاصرتها وتشتيتها من قبل قوات الأمن أن هذا الفريق الأخير هو الذي تحرك على الأرض، وقد شهد المنصفون من الرموز الليبرالية بوفاء الإخوان، ونزولهم لأماكن غير تقليديية، شهدت مناوشات مع رجال الأمن وتابعيهم من البلطجية، ورغم عدم التنسيق الذي أثر بدوره على حجم التظاهرات إلا أنها أبرزت الأصوات الداعية لوحدة الصف الثوري، وهمشت مثيري الفتن، الذين اكتفوا بالجلوس خلف الكيبوردات لبث فتنهم دون النزول إلى الشارع بحجة وجود الإخوان.

لا ننسى في هذا الإطار أن تيران وصنافير كانتا أحد أسباب الانقلاب على الرئيس مرسي، ذلك أن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز فاتح الرئيس في أول زيارة للسعودية في أمر تسليم الجزيرتين مقابل دعم مالي سخي وبناء جسر باسم الملك يربط مصر بالمملكة، لكن الرئيس مرسي رد بحزم أنه لا يمكن التنازل عنهما مهما كان الأمر، وقد أسرها له النظام السعودي الذي تحرك لاحقا لترتيب ودعم الانقلاب على الرئيس.

لا الإسلاميون يمتلكون صكوك الغفران، ولا الليبراليون يمتلكون صكوك الوطنية، فالوطن ملك لكل أبنائه، والدفاع عن أرضه وترابه واجب الجميع، وصون دماء أبنائه واجب الجميع أيضا، ولا خلاص للوطن إلا إذا توحدت جهود أبنائه المخلصين من كل التيارات، وإلا إذا شعرنا أن الدماء التي تسيل هي دمائنا جميعا وأن الأرض التي تنتقص هي أرضنا جميعا.
0
التعليقات (0)