كتاب عربي 21

الأزمة الخليجيّة والقضيّة الفلسطينية

وائل أبو هلال
1300x600
1300x600
لا يمكن بحث آثار الأزمة الخليجيّة وما تبعها من مقاطعة وحصار قطر على القضيّة الفلسطينيّة ومفرداتها بمعزلٍ عن السياق الاستراتيجي للمنطقة، حيث بدا واضحاً إعادة تَموْضع تحالفات المنطقة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي؛ فحَسَم "جيران قطر" أمرَهم صراحة من البداية بتشكيل وقيادة حلف ضدّ هذه الثورات (بل محاربتها)، بينما كان التوجّه السياسي العام لقطر مخالفاً لما يتبنّاه جيرانها؛ حيث وقفت وحلفاء لها مع ثورات الشعوب، بل ودعمت محرّكيها علناً وتحديداً الإسلاميين! 

رأى "الجيران" في ذلك تجاوزاً لأدوارهم من جهة، وتضخيماً لدور وحجم قطر من جهة أخرى. 

وبالتالي تشكّل على أرض الواقع حلفان: أحدهما مع ثورات الربيع العربي ونتائجها، والثاني مع الثورات المضادّة ونتائجها.

التعامل مع القضيّة الفلسطينيّة من قبل الطرفين يأتي في سياق هذا التناقض العام في المواقف، ومن هنا تأتي المحاولات المحمومة من "الجيران المقاطعين" التماهي بل التقدّم على الموقف الأمريكي من القضيّة الفلسطينيّة لكسب تأييدهم في موقفهم من قطر! في الوقت الذي لم تَخُض قطر هذا المسار، وبقي موقفها ثابتاً من القضيّة ومفرداتها وحيّدتها من الصراع. 

ويبلغ الخلاف ذروته في موقف "الجيران المقاطعين" وأتباعهم من مقاومة الشعب الفلسطيني ممثّلةً في حركة المقاومة الإسلاميّة - حماس؛ إذ يرونها امتداداً لجماعة الإخوان التي يتهمونها "بالإرهاب" وبالتالي يحاربونها بشراسة، في حين أنّ قطر على النقيض من ذلك تؤي قيادات حماس (الإسلامية والإخوانية!) ولا تعاديها بل وتدعمها.  

المُستَهجَن أكثر أنّه في غمرة الصراع هذا، تجاوز الموقف عند "الجيران المقاطعين" المحرّمات (الشكليّة على الأقل) والأعراف الشعبيّة والقوميّة والوطنيّة، فيخرج تصريحٌ رسميٌّ غير مسبوق باتهامٍ علنيٍّ "جريء" لمقاومة العدوّ ممثلة بحماس أنّها "إرهاب"، وبالتالي فإنّ قطر يجب أنْ تُعاقَب لأنها تدعم هذا "الإرهاب"! الأمر الذي تناغم وتماهى مع تصريحات "ترامب" من جهة، وتجاوز أحلام الصهاينة وأمانيهم من جهة أخرى، فاغتنم وزير الخارجيّة الصهيوني "أفيغدور  ليبرمان" الفرصة وقال: "من الواضح للجميع أنّ ما حدث صباح اليوم دليل آخر على أنّه حتى الدول العربية تفهم أنّ الخطر الحقيقي على المنطقة بأكملها ليس إسرائيل ولا اليهود ولا الصهيونية، بل الإرهاب الإسلامي المتطرّف!".

لم يقف الأمر عند هذا التصريح (الرسمي)، بل تبعته حملةٌ تبدو ممنهجة من وسائل إعلام رسميّة وشعبيّة، في تشويه نضال الشعب الفلسطيني العادل، والتحريض السافر ضد مقاومته المشروعة، والمؤسسات في الوقت الذي لم تُوجّه هذه الجهات مثل هذه التهم  لا لخصوم السياسيين ولا الأعداء!

إنّ استخدام "تهمة" دعم المقاومة في هذا الخلاف سابقةٌ خطيرة، بعيدة عن رُشْدٍ تعوّدناه في التصريحات الرّسميّة؛ إذ لا يمكن تخيّل عربيّ ومسلم بل حرّ أن يتّهم المقاومة وداعميها بالإرهاب، وأن يسعى لمعاقبتهم، هذا ضربٌ من جنون الخلاف والاختلاف!

ولا نريد أن ينسى "الجيران المقاطعون" أنّنا جميعاً حورِبنا ونحارَب وسنحارَب من قبل أمريكا وغيرها باسم الإرهاب، فها هم يصرّحون أنّ قانون "جاستا" ما زال سارياً! فحذارِ من استخدامه لنحارب بعضنا البعض أو الاستقواء بالآخرين في خلافاتنا!

الأمر الأخطر على القضيّة في حمأة هذا الصراع المحموم بين الأشقّاء، والذي يأتي في ظلّ صراعات أهلية في أكثر من دولة عربيّة نتيجة للثورات المضادة، هو تراجع الاهتمام بالقضيّة الفلسطينيّة كقضيّة مركزيّة للأمّة في صراعها الطويل مع العدوّ الصهيونيّ، واختفاؤها عن الأجندة السياسيّة العربيّة، والانشغال بخلافاتنا الداخليّة التي هي أقرب لحرب داحس والغبراء! 

ولعلّه من المفارقات المبكيّة أن يسجّل التاريخ أنّنا ننشغل بفك الحصار عن قطر بدل أن ننشغل بفكّ الحصار عن غزّة! 

ربّما هذا قدَرُ القضية الفلسطينية أن تكون دوماً القُربان الذي يُقدّم على مذبح الخلافات العربيّة – العربيّة، "والصدقة" التي تُدفع بين يديّ تحسين العلاقات العربيّة الأمريكيّة وامتداداتها الصهيونيّة للأسف!

العلامة الإيجابيّة الفارقة التي برزت في الأزمة أنّ المزاج الشعبي العام في طرفي الأزمة رافضٌ لهذا المسار، وكانت ذروة هذا الرفض في تصدّر الهاشتاغ الرّافض "للتصريح الرسمي" الذي يتهم حماس بالإرهاب المرتبة الأولى خليجيّاً.

كلّنا أملٌ أن تُحلّ هذه الأزمة بالحوار والطرق الدبلوماسيّة بأسرع ما يمكن، وألاّ يُسمح للأطراف الأخرى بالتدخّل في حل هذا الخلاف في إطار البيت الداخلي، علاوة على تحريم الاستقواء بهذا الآخر، وإلاّ فالكلّ خاسرون، فلا رابح في الصراع بين الأشقّاء.

آخر الكلام:
 لكلّ مَن وقف مع مقاومة الشعب الفلسطينيّ نقول: دعم المقاومة شرفٌ نلتموه عن جدارة ستحفظه لكم الأجيال والتاريخ والأحرار، وكبُرتم به حتى أغظتم كلّ عدوّ وأبهجتم كلّ حرّ، بينما باء غيرُكم بنقيصة خذلان الأحرار والتخلّي عن نصرة المظلوم.
0
التعليقات (0)