قضايا وآراء

الحياد المغاربي من مقاطعة قطر

محمد مالكي
1300x600
1300x600
لم يجد القرارُ السعودي، ومن اصطفّ حوله بخصوص قطع العلاقات مع قطر، وإغلاق كل الحدود في وجهها، طريقَه إلى التأثير في مواقف الدول المغاربية، لاسيما المغرب والجزائر وتونس، وهي في كل الأحوال البلدان الأكثر وزنا وقوة في تحديد سياسات هذه المنطقة. فباستثناء الانحياز الرسمي للخارجية الموريتانية لقرار المقاطعة، وتأييد حكومة شرق ليبيا لأطرافه، التزمت الدول الثلاث الأخرى بالحياد، ونأت بنفسها عن الانخراط طرفاً من أجل دعم هذا الفريق أو ذاك، معتبرة المحافظة على الوحدة الخليجية، وما يجمع أبناءها من روابط، أكثرَ أهمية من الفرقة والانقسام، وأقرب إلى الحكمة وترجيح العقل، وتجنيب الشعوب خسائرَ المقاطعة، ومآسيها المادية والإنسانية. 

ربما ليس مفيداً  إضاعة الوقت في الإجابة عن سؤال من هو على حق ومن على غير حق  في دعم الإرهاب من عدمه بين الدول الخليجية الثلاث المتصارعة، فالحقيقة عند الله، ومؤشراتها الموضوعية ظاهرة في واقع سياسات هذه الدول، وربما لا تحتاج إلى عناء كبير لإثباتها. ونذهب بعيدا في القول إن "الإرهاب" سيستمر، طالما لم يقع التصدي إلى أصوله وجذوره، والتصدي بهذا المعنى يستوجب حتماً هدم الكثير مما هو قائم في المنطقة الخليجية وفي الكثير من البلاد العربية، وهذا مما هو غير ممكن الآن ولا في الزمن المنظور، لسبب بسيط يكمن في أن شروطَه الداخلية والدولية غير مشجعة عليه، ولا حاضِنة له، بل داعِمة، من حيث تدري أو لا تدري، للإرهاب، ومُيسِّرة لسُبُل وقوعه. أما الشاهد على هذا، فيمكن سرد كثير من تصريحات القادة الغربيين، والأمريكيين على وجه التحديد، المعترفة بالتشجيع على ميلاد الإرهاب ورعايته، وكذلك الوقائع الدالة على دعم الحركات المتطرفة من قبل دول عربية، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.. لذلك، فحقيقة الوضع المتوتر الذي دخلته العلاقات الخليجية البينية، والخليجة العربية والعالم، يحتاج إلى تفسيرات أعمق من مبرر دعم الإرهاب من عدمه. 

لعل ما يدعو إلى الانتباه عند تحليل المواقف المغاربية من مقاطعة قطر أنها جاءت شبه موحدة دون تشاور وتنسيق مسبقين، فقد أجمعت دول المنطقة الثلاث (الجزائر ـ المغرب ـ تونس) على اعتماد الحياد، الذي نعتته الدبلومسية المغربية  بـ"الحياد البنّاء"، في إشارة إلى عدم أخذ مسافة من التوتر الحاصل في العلاقات البينية الخليجية، والاصطفاف الحاصل في شأنها فحسب، بل السعي إلى الدفع نحو رأب الصدع بين الإخوة في الخليج، والتماس التقريب في ما بينها، خدمة لاستقرار بلدانها، وحفاظاً على ما يجمع شعوبها من أواصر المودة والإخاء والانتماء المشترك للدين واللغة والتاريخ. فهكذا، نقرأ في البيان الذي أصدرته الخارجية المغربية موقفاً محايداً صريحاً تجاه الأزمة الطارئة في الخليج، شدد من خلاله على أن المطلوب بشكل أساسي هو فهم ما حدث، وليس إعلان الموقف في حد ذاته، وأن واجبنا تجاه أشقائنا العمل على ردم الهوة الحاصلة، وإقناع الأطراف غبر الحوار بإعادة بناء الثقة وتجنيب المنطقة الفرقة والانقسام. ومن المعروف، في هذا الصدد، أن للمغرب علاقات مميزة مع كل دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، والإمارات، وقطر، وأن من الصعب عليه الاصطفاف إلى جانب طرف على حساب آخر، لما في هذا الموقف من أضرار لمصالحه الحيوية، ثم لابد من التأكيد على أن المغرب التزم منذ سنوات بتجنب الخلافات العربية العربية، والتركيز على المشترك، وما يخدم موقعه إلى جانب أشقائه العرب، وقد عبر عاهله عن هذا التوجه صراحة في المؤتمر المغربي الخليجي في الرياض سابقا، ولم يحضر القمة العربية الإسلامية الملتئمة مؤخرا في الرياض،  واعتذر رسميا عن احتضان القمة العربية قبل انتقالها إلى موريتانيا، والمواقف عديدة، الموضحة لهذا الاختيار الثابت في السياسة الخارجية المغربية.

ومن جهة أخرى، دعا الموقف الرسمي الجزائري جميع أطراف الأزمة إلى "اعتماد الحوار لتسوية الأزمة، والالتزام بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها الوطنية في جميع الظروف"، معتبراً أن "الحكمة وضبط النفس سيسودان في النهاية". ففي الحقيقة لم ينطو الموقف الجزائري على أي مبرر مفسّر لهذه الروح التفاؤلية في استشراف تطور الخلاف بين دول الخليج الثلاث المشار إليها أعلاه. ثم إن المتابع  للعلاقات الجزائرية الخليجية، يلاحظ دون شك الموقع الحساس للدبلوماسية الجزائرية، حيث يجمعها تاريخ من علاقات التعاون والتفاهم مع إيران، وهي الدولة الأكثر مدعاة للتوتر في المنطقة بالنسبة للخليج العربي، وفي الآن مع ما ترتبط به الجزائر أساسا مع قطر، وإلى حد ما مع الإمارات والسعودية بعلاقات اقتصادية وتجارية، ثم لا ننسى أن الإصطفاف الذي أحدثه ما سمي "الربيع العربي"، خلق دينامية جديدة في العلاقات الجزائرية المصرية، لاسيما بعد سقوط حكم الإخوان (2013). ففي ضوء كل هذه المعطيات، يبدو الوضع الجزائري تجاه مقاطعة قطر أكثر دقة وحساسية.

من جهة ثالثة، دعت تونس "الأشقاء  الخليجيين لتجاوز خلافاتهم عبر الحوار والتفاهم والعمل على إيجاد حلول لجميع المشاكل العالقة، من أجل المحافظة على مناعة دول الخليج وأمنها بصفة خاصة، والأمن القومي العربي بصفة عامة". يُذكر أن للمملكة العربية السعودية والإمارات علاقات جفاء منذ سقوط نظام إبن علي (2011)، الذي وجد ملاذاً آمناً في بلاد الحجاز. يُضاف إلى ذلك الدعم الذي لقيته حركة النهضة من قبل قطر، وهو ما عبرت عنه بعض قيادات هذه الحركة صراحة على مواقعها الاجتماعية، كما حصل لـ"حمادي الجبالي" الذي ترأس حكومة "الترويكا" عام 2012، حين قال حرفيا بأن "الهجوم الذي يُشن اليوم على دولة قطر عقاب لها على دعمها المبدئي واللامشروط للشعوب في ثوراتها التحريرية...".

ففي المحصل اختار المغاربيون الوسطية في الفهم والتفاعل مع خلاف بعض دول الخليج العربي، وهو اختيار في الواقع أقرب إلى العقل والحكم منه إلى اعتبار آخر، أما صوابه من عدمه فالقادم من الأيام سيحكم على ذلك.
التعليقات (0)