ملفات وتقارير

المقاطعات العربية-العربية.. من الماضي إلى الحاضر

قاطعت الدول العربية السادات عقب توقيعه اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978- تويتر
قاطعت الدول العربية السادات عقب توقيعه اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978- تويتر
رغم ما يتغنى به العرب عن وحدة الأرض والدين واللغة والمصير الواحد والمستقبل المشترك؛ إلا أن الدبلوماسية العربية شهدت عبر تاريخها الحديث عدة وقائع مقاطعة بين الأقطار العربية، أهمهما مع مصر والعراق، وأطولها بين المغرب والجزائر، وآخرها مع قطر بزعم أنها تدعم "الإرهاب"..

وفي ثلاث حالات من المقاطعة العربية؛ كان الحضور الأمريكي مؤثرا بقوة، وهي مقاطعة العرب للقاهرة عقب معاهدة "كامب ديفيد" 1978، ومقاطعة بغداد إثر اجتياح العراق الكويت عام 1990، ومقاطعة الدوحة عقب زيارة الرئيس دونالد ترامب للسعودية في حزيران/مايو الماضي.

المقاطعة الأطول

ورغم الأصل العرقي والدين واللغة والمصاهرة بين شعبي المغرب والجزائر؛ إلا أنه مضى على القطيعة السياسية والاقتصادية بين البلدين ما يقرب من 30 عاما. وبحسب مراقبين؛ تعد حالة الخصام التي بدأت عام 1976 الأطول بين الدول المتجاورة في العالم.

وإثر تحرر الجزائر من الاحتلال الفرنسي؛ نشب بين الجارتين نزاع على الحدود قادهما لما سمي بـ"حرب الرمال" عام 1963، والتي تجددت في آذار/مارس 1976.

وعقب تكوين جبهة "البوليساريو" المطالبة باستقلال جنوب الصحراء المغربية عن الرباط عام 1973؛ أعلنت الجزائر دعم هذه الجبهة، مما جدد الحرب بين البلدين فيما عرف باسم "معركة إمغالا".

وقام المغرب ببناء جدار حدودي مع الجزائر استمر بناؤه في الفترة ما بين 1980 و1987، وتم إغلاق الحدود البرية بينهما عام 1994.

وما زالت المشاحنات والتصريحات السياسية والإعلامية والاتهامات بين البلدين مستمرة حتى اليوم، رغم مرورها بمراحل هدوء عام 1988، وفي فترة حكومة حزب العدالة والتنمية للمغرب (2011-2017).

المقاطعة الأشهر

وقاطعت الدول العربية مصر لمدة 10 سنوات؛ إثر توقيع الرئيس أنور السادات ورئيس وزراء "إسرائيل" مناحيم بيغن، اتفاقية "كامب ديفيد" في 17 أيلول/سبتمبر 1978 بالولايات المتحدة الأمريكية.

وعقدت الدول العربية مؤتمر بغداد في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1978 بحضور 10 دول قررت رفض الاتفاقية ومقاطعة مصر، عدا عمان والصومال والسودان، وتم تشكيل ما يسمى بـ"جبهة الرفض" بزعامة العراق، وتم نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.

وبعد أيام، وتحديدا في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1978؛ عقدت قمة تونس، لتؤكد على مقاطعة مصر، وتعليق عضويتها بالجامعة العربية، وتعيين الشاذلي القليبي، كأول أمين عام غير مصري للجامعة.

وشملت المقاطعة المنتجات المصرية والشركات والأفراد المتعاملين مع "إسرائيل"، وتعليق الرحلات الجوية، ومنع المساعدات المالية المقررة لمصر بعد حرب 1973، ورفض السعودية تمويل صفقة طائرات أمريكية لمصر، وتوقف شراكة السعودية وقطر والإمارات بمشروع الهيئة العربية للتصنيع؛ الذي كان من المفترض أن يقام على أرض مصر.

وانتهت المقاطعة العربية لمصر رسميا؛ إثر مؤتمر الدار البيضاء الطارئ في آذار/مارس عام 1990 المنعقد بالمغرب، وعاد مقر الجامعة العربية إلى القاهرة، وتم تعيين وزير خارجية مصر آنذاك، عصمت عبد المجيد، أمينا عاما للجامعة.



الدور يطال بغداد

وبعدما قادت العراق حملة المقاطعة ضد مصر، تذوقت بغداد المنهكة من حربها مع إيران (1980 - 1988) بدعم خليجي مرارة المقاطعة، وذلك إثر غزو الرئيس الراحل صدام حسين للكويت عام 1990، حيث أعلنت السعودية ودول الخليج ومصر وسوريا والأردن قطع العلاقات مع بغداد، وإغلاق سفاراتها، وأرسلت قوات عسكرية إلى جانب قوات الحلفاء (أمريكا ودول أوروبية) لطرد الجيش العراقي فيما سمي بـ"حرب تحرير الكويت".

وأدت هذه المقاطعة إلى عزل العراق عربيا، حتى تم احتلاله من قبل القوات الأمريكية عام 2003، لتبدأ علاقاته مع الدول العربية تعود تباعا، وكان آخرها السعودية التي أرسلت سفيرها لبغداد عام 2016.

"لبيك سوريا"

وإثر قمع النظام السوري للثورة الشعبية ضد الرئيس بشار الأسد؛ قطعت عدة دول عربية علاقاتها مع النظام في عام 2012، بينها تونس والمغرب والأردن وقطر، بالإضافة إلى السعودية التي أغلقت سفارتها بدمشق، وطردت السفير السوري من الرياض.

وهي الخطوة التي أعلنها الرئيس الشرعي بمصر، محمد مرسي، في مؤتمر حاشد بإستاد القاهرة في حزيران/يونيو 2013، حيث أكد قطع العلاقات مع النظام السوري، قائلا جملته الشهيرة "لبيك سوريا".



وما زالت الرياض وقطر والأردن وعدد من الدول الأخرى في قطيعة مع دمشق، إلا أن النظام العسكري بمصر أعاد العلاقات مع نظام الأسد تدريجيا، كما أعادت تونس مؤخرا العلاقات مع دمشق التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الإمارات وعُمان والكويت.

المقاطعة الأقصر

وعلى خلفية رفض قطر للانقلاب العسكري ضد أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا "محمد مرسي"، قامت كل من السعودية والإمارات والبحرين (الداعمة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي) بسحب سفرائها من الدوحة في آذار/مارس 2014.

وسريعا عادت العلاقات القطرية مع الدول الثلاث في تشرين الثاني/نوفمبر، بعد ضغوط على قطر وبإيعاز من مصر لغلق قناة "الجزيرة مباشر مصر" ومغادرة قيادات جماعة الإخوان المسلمين الدوحة.

ولم تكن هذه المقاطعة الأولى لقطر، فقد كانت السعودية قد رفضت المشاركة بالقمة الإسلامية في الدوحة عام 2002، وسحبت سفيرها من هناك.

ليست الآخرة

وجاءت المقاطعة الأخيرة لقطر إثر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية، حيث أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر، الاثنين الماضي، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وإيقاف الحركة الجوية والبحرية والبرية منها وإليها، وتلتها دول عربية عدة؛ هي اليمن وموريتانيا، بالإضافة إلى حكومة شرق ليبيا، بينما قلل الأردن مستوى تمثيله الدبلوماسي مع قطر، أما الكويت وعُمان فتقومان بدور الوساطة بين الفرقاء.

وبحسب مراقبين؛ تأتي الضغوط على قطر لمنع دعمها حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين "حماس" وجماعة الإخوان المسلمين، ووقف قناة الجزيرة مناصرة الثورات العربية.
التعليقات (0)