كتاب عربي 21

وماذا بعد الحصار؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
قالت العرب: "هوش بعصا العز ولا تضرب بها"، و"التهويش" هو التهديد أو التلويح، والعرب نصحت بألا يتورط المرء في استخدام "عصا العز" التي لا تصلح للاستخدام في الضرب والتأديب، حتى لا تفقد قيمتها في الردع والتهذيب!

غني عن البيان، أنه كان يتم التلويح دائما، بأن المملكة العربية السعودية قادرة على حصار قطر، فتوقع ضررا فادحا بالقطريين، لاسيما وأنهم يعتمدون في معظم السلع الغذائية على ما يتم استيراده من "الشقيقة الكبرى"، وغني عن البيان أيضا أن هذا السلاح يستمد قيمته من مجرد التلويح به سرا ودون الجهر بالقول؛ لأن استخدامه في الفعل سيكون أثره السلبي وخيما؛ لأنه لن يعد في يد صاحب القرار السعودي ما يمكن أن يفعله مستقبلا، وقد فقد ميزته الكبرى باعتباره "الأخ الأكبر" بما أقدم عليه، فماذا بقي له من نفوذ أدبي، وقد أقدم على خطوة تجويع الشعب القطري، وورد في الأمثال: " ليس بعد حرق الزرع جيرة"!.. من الجوار!

ليست هذه المرة الأولى التي تدخل فيها المملكة العربية السعودية أزمة مع قطر، فقد كانت هناك معركة محتدمة بين البلدين، منذ أن تولى الأمير حمد الحكم، وسعت المملكة لأن تفرض وصايتها على "الشقيقة الصغرى"، لكنها فشلت في هذا، ونجحت القيادة الجديدة حينذاك في أن تضع قطر على الخريطة العالمية، مما مثل غضبا سعوديا من بلد يريد أن تستمر دول الخليج الأخرى تابعة له، ويريد من قطر أن تكون البحرين، ورغم حدة الخلافات التي وصلت إلى حد تحريض النظام المصري للقيام بمحاولة انقلاب فاشلة، فإن السعودية لأسباب مرتبطة بوعي من كانوا في السلطة، كانت تدرك المهمة الوظيفية لعصا العز، من حيث كونها أداة "تهويش"، فلم يقدموا على خطوة فرض الحصار الغريبة على هذه المنطقة منذ حصار شعب أبي طالب!

يقولون "الأمل عبد واليأس حر"، وعند استخدام سلاح الحصار، كانت هناك الخيارات مفتوحة أمام القطريين، وقطر ليست الدولة اليتيمة "المقطوعة من شجرة"، فهناك تركيا حاضرة، التي قررت أن فضاءها في خدمة القطريين، وهناك دول شرق آسيا، كما توجد إيران التي يمكن استقبال السلع الغذائية منها عبر الملاحة البحرية، صحيح أن الكلفة ستكون مرتفعة نوعا ما، لكن في حالات التحدي، فإن الدولة القطرية يمكنها تحمل فارق السعر عن المواطنين وكل من يقيم على أرضها، وكما قيل تهوينا في مثل هذه الظروف: "من ديته مال اقتله"!

وربما استشعر القطريون معنى القول المأثور: وقوع البلاء أهون من انتظاره، فكان القول بأن السعودية لن تمنع السلع الغذائية من التصدير للدوحة، ليصبح الأمر "نكتة"؛ ذلك بأنهم قد أغلقوا المجال الجوي والبري والبحري من وإلى الدوحة ولم يبق إلا أن يتم شق أنفاق تربط بين البلدين، كتلك التي تربط سيناء بقطاع غزة المحاصر، التي يتم تدميرها بين الحين والآخر!

هذا فضلا عن أن القوم في المملكة أدركوا أن المتضرر الأكبر من هذا الحصار هو الشركات السعودية التي تمثل قطر سوقا رائجا لها، وأن الإقدام على خطوة الحصار المتهورة، ستكون سببا في فتح القطريين أسواقا أخرى، فلا يمكن للدوحة بعد ذلك الاعتماد الكامل على "الأخ الأكبر" الذي فقد بهذا الإجراء الموتور علاقة الأخوة، وإذا كانت الأزمة في طريقها للحل، فإن ما تكسر لا يمكن جبره أو إصلاحه، وأن ما تهدم لا يمكن بناؤه، وقد نشاهد قريبا مشاهد تقبيل الجبهات، لكن سيظل ما في القلب في
القلب، وسيدفع ما جرى النظام القطري إلى عدم الاعتماد الكلي على السوق السعودي!

فمن اتخذ خطوة الحصار، وفكر في التجويع، "هوش بعصا العز"، وهو أمر لا يمكن أن يقدم عليه الملك سلمان، الذي حرص منذ توليه السلطة على أن يمد جسور الصلة مع قطر، وقد شاهدناه في الدوحة مستقبلا على الرحب والسعة، وقد قام بالرقصة الخليجية الشهيرة، ولأن الزيارة كانت وعلاقة المملكة مع مصر تشهد حالة من الفتور، فقد اعتبرها القوم في القاهرة رسالة مكايدة لهم!

وبالمناسبة هل كانت قطر راعية الإرهاب ومع ذلك زارها الملك سلمان في مشهد لا تخطئ العين دلالته؟ أم بدأت الرعاية بعد هذه الزيارة الميمونة؟!

مهما يكن، فالعلاقة المتينة بين الملك سلمان والأمير القطري تثبت أن الملك السعودي لم يكن "في الصورة" عند استخدام قرار قطع العلاقات وسحب السفراء وحصار الشعب القطري، ويعزز من هذا أن الرجل من جيل "مشايخ العرب" ويعرف أن "عصا العز" لا يمكن أن تستخدم إلا في حدود "التهويش"، كما لا يمكن أن يكون حاضرا الانحطاط الذي انحدر إليه الإعلام السعودي من خوض في الأعراض، وطعن في الأنساب، وهو الأمر البعيد عن قيم دول الخليج، وكان هناك من انحدر، فلم يمارس الانحطاط وأوكل مهمته لآخرين في مصر، فكثير من وسائل الإعلام المصرية ممولة إماراتيا، ويقوم محمد دحلان بدور "مرسال الغرام". انظر إلى الحفاوة التي يستقبل بها في مصر كما لو كان "المفكر الضرورة" عند زيارته لدور الصحف ومقار القنوات الفضائية!

الذي حدث أن هذه المعركة ذهب إليها محمد بن سلمان، "المختطف ذهنيا" من قبل "محمد بن زايد"، الذي غرر به بادعاء قدرته على أن يأتي له بجواز مرور أمريكي ليصبح "ملك البلاد" المفدى، وقد ظن أن الفرصة مواتية بعد الجزية الضخمة التي دفعت لترامب، كما لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي مؤسسة الرئاسة فقط، وكما لو كان ترامب مطلق اليد، مع أننا شاهدنا كيف هزم على أكثر من جبهة، وألغي له أكثر من قرار!

وكلنا نعلم، أن كثيرا من المنتمين للأجيال الجديدة متحللين من الالتزام بالتقاليد القديمة، التي تمنع الفجر في الخصومة، وتفتقد لحكمة الكبار وفطنتهم فيما يختص بالاختصاص الوظيفي "لعصا العز"!
الأزمة في طريقها للحل، فقد وافق البرلمان التركي على انتشار القوات التركية في قطر، ورفضت دولة بحجم ألمانيا الاتهام الموجه للدوحة برعاية الإرهاب وتمويله، وبدا أن هناك رأيا أوروبيا رافضا للموقف الأمريكي الذي عبر عنه المرتشي ترامب في أكثر من "تويتة"، وهو صاحب الرسائل التي فهم منها أنه بالإمكان تجويع القطريين واجتياح أراضيهم!

وقد تغير الموقف تماما، "فجر القوم ناعما"، وأعلن وزير الخارجية السعودي أن الخليج قادر على حل مشاكله بنفسه، وأنه لم يطلب وساطة أحد، وذكر اسم قطر مسبوقا بصفة "الشقيقة" وهو تحول لافت في الخطاب!

لقد تم استخدام "عصا العز"، فتحطمت تماما، وصارت قطر اليوم ليست كقطر الأمس، فحكامها يعلمون أن هذا التراجع ليس لعودة الوعي بقيمة المصير المشترك، ولكن لأن الأشقاء ظنوا أنها لذيذة الطعم سهلة البلع، فلم يتراجعوا عن أكلها كرما، ولكن بعد أن اكتشفوا أنها علقم!

إنها الخيبة الثقيلة من قوم ظنوا أن "عصا العز" يمكن أن تتجاوز "التهويش" إلى "الضرب"، فلكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة "بعيد عنك"!
4
التعليقات (4)
علي صبري
السبت، 10-06-2017 04:32 م
روعة . صح لسانك
أيمن عصمان ليبيا
السبت، 10-06-2017 12:43 م
الحمد لله الذي أخزى ابن زايد وابن سلمان ، وأتمنى من الله أن يخزيهم ويعريهم أكثر وأكثر ، بارك الله فيك أستاذ عزوز
ندي نور
السبت، 10-06-2017 11:55 ص
المقال اكثر من رائع بالتوفيق
طارق طه
السبت، 10-06-2017 04:56 ص
يسلم قلمك