قضايا وآراء

التآمر على الممانعة الجديدة.. قطر بعد تركيا

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600
يحاول كثيرون فهم ما يجري على الساحة الخليجية وعلى الأخص دوافع السعودية والإمارات في قطع العلاقات مع قطر.

ومع أن الذرائع التي ساقها البلدان ومعهما مصر والبحرين تنوعت بين احتضان قطر (للإرهاب) المتمثل في جماعة الإخوان وحركة حماس والتعاون مع الحوثي! والعلاقة مع إيران! و(تحريض) قناة الجزيرة، إلا أن شراسة الإجراءات ضد قطر ووصولها إلى حد الحصار الشامل -وهو التحرك الأول في الجزيرة العربية منذ حصار قريش في شعب بني عامر- يشير إلى أن أهداف هذه الحملة أشمل مما هو معلن من شروط.

استهداف ما تبقى من الثورات

  من المؤكد أن القضية مرتبطة ببدايات ونهايات الربيع العربي التي أسقطت أنظمة فاسدة وأطلقت   جرس الإنذار لدى بعض أنظمة الخليج وأنظمة أخرى شعرت بأن حبل المشنقة سيطالها كأنظمة مستبدة وفاسدة.

فانقضت بعض هذه الأنظمة على ثورة مصر فأسقطتها بانقلاب عسكري، وامتدت أياديها إلى ليبيا لتخلط الأوراق بعد مقتل القذافي.

وإضافة لذلك تدخل العامل السياسي والطائفي في كل من سوريا واليمن لإسقاط الثورات هناك بتحرك إيراني تزامن مع تدخل الأنظمة ذاتها  لشراء ولاءات الثوار وإجهاض الطابع الإسلامي للثورة لتغرق سوريا واليمن في بحر الفوضى والدماء والطائفية المقيتة.

وعلى النقيض من الأنظمة المضادة للثورة والتي وقفت ضد إرادة شعوبها، كان لقطر دورا مميزا في تبني آمال وتطلعات الشعوب نحو الحرية، وتمكن هذا البلد الصغير جغرافيا عبر الدعم السياسي والمالي وعبر قناة الجزيرة من تعزيز موقف الثورات وعلى الأخص في مصر.

كما دعمت تركيا الإسلام السياسي الصاعد، قبل أن يطاح به في مصر وليبيا ويحاصر في سوريا مع ظهور داعش التي صنفت بالإرهاب نتيجة ممارساتها الشنيعة في أماكن تواجدها بالعراق وسوريا.

ومن نقطة انقلاب مصر، بدأت هجمة الثورة المضادة على قوى الإسلام السياسي لتشمل قطر وتركيا التي قدمت الدعم الإعلامي والسياسي له.

وانطلاقا من حكم العسكر في مصر لذي صنف الإخوان المسلمين كحركة إرهابية مثلها مثل داعش، قامت السعودية بإجراء مماثل، وهو الإجراء الذي لم توافق عليه قطر وتركيا وعدد من الدول العربية التي تتعايش مع حركة الإخوان المسلمين كجزء من مكونات المجتمع.

 و لقد اعتبر حكم الانقلاب في مصر أنه تمكن من هزيمة الإسلام السياسي، وكان التحالف مع السعودية والإمارات التي باشرت مبكرا وقبل الثورات العربية بتصفية الإسلاميين لديها بدون أي مبرر مقنع.

لم يختلف المسار السعودي بين الملك الراحل عبد الله والحالي سلمان، إلا أن النقطة الفارقة أن صراع وراثة العرش والتورط في حرب اليمن دفعت محمد بن سلمان لتقديم أوراق اعتماده لإدارة الرئيس دونالد ترامب، بالتعاون مع محمد بن زايد الذي راوغ كثيرا في دعم الحرب السعودية على الحوثيين في اليمن والمدعومين من إيران وعمل على خلط الأوراق ما بين دعم انفصال الجنوب والجنرال المنشق خليفة حفتر.

اشتدت الهجمة التي تقودها السعودية للأسباب التي ذكرناها وبتحريض من الإمارات لتصفية الداعمين للثورات العربية، وترافق معها تحرك أميركي لتغيير لحكم في تركيا عبر انقلاب دعمته بعض الدول العربية سرا، وانتهى بالفشل ولكنه ترك تركيا في حالة ترقب وترصد لانقلابات قادمة لأن أنقرة استمرت بدورها الداعم للثورات ولحماس رغم استعادة علاقاتها الديبلوماسية مع الكيان الصهيوني.

إنهاء دور قطر المتميز

وفي هذا الإطار جاءت الهجمة الجديدة على الدوحة لتفرض نفسها بقوة في المنطقة، وكان الهدف هذه المرة إنهاء الدور القطري المتميز في المنطقة وإعادة تشكيله لتكون قطر دولة خليجية في الحضن السعودي كما هي البحرين.

 ورغم أن عمان اختطت لنفسها دورا مغايرا عن السعودية وحافظت على علاقاتها مع إيران، إلا أنها لم تتدخل في الشأن العربي كما فعلت قطر، ولذلك لم يمسها إجراء سلبي من السعودية.

واختطت القيادة القطرية لنفسها نهجا يخلط بين البراغماتية والمبادئ ونصرة المظلوم وأخذت حجما أكبر من مساحتها الجغرافية المحدودة ففتحت ذراعها لأكبر قاعدة أميركية خارج التراب الأميركي، ولكنها أخذت هامشا من الممانعة من خلال التحالف مع سوريا، قبل أن يسقط هذا المحور بعد التدخل الإيراني في سوريا، وكنتيجة لرعايتها للثورات فقد احتضت الملاحقين من عسكر مصر والذين اتهموا بالإرهاب كما احتضنت قيادة حماس في مقاربة كانت تعتقد أنها لا تزال مقبولة أميركيا منعا لتوجه هذه القيادة لإيران بعد خروجها من سوريا.

أضف إلى ذلك فقد أطلقت الجزيرة كمنبر للشعوب قبل أن تعمد لتحجيمه بعد أزمة سحب السفراء من قطر عام 2014، ولكنها بقيت مع ذلك تحمل هموم الشارع العربي مع تجنب إغضاب السعودية.

ويلاحظ هنا أن الممانعة القطرية والتركية، اختلفت عن الممانعة القديمة، فهاتين الدولتين ترتبطان بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وتلعبان في إطار المتاح داخل هذه العلاقة وخارجها.

وتمثلت الشرارة التي أعادت إطلاق الحرب على الدوحة بزيارة ترمب للرياض وتركيزها على الإرهاب، وشكوى هذه الدول من عدم تغيير قطر لسياستها تجاه الإخوان وحماس ودورها في اليمن والمناهض للتوجه الإماراتي بفصل جنوب اليمن عن شماله.

ويبدو في ضوء مؤشرات كثيرة أن ترمب لم يعارض سياسات السعودية والإمارات ومصر ضد قطر لدفع الأخيرة للتخلي عن مواقفها السابقة والتي كانت مقبولة في عهد الرئيس باراك أوباما.

إنهاء ذيول الثورات والتحالف مع إسرائيل

ومن هنا بدأت السعودية والإمارات ومصر حملتها أملا في توجيه ضربة لإنهاء ذيول الثورات العربية وإفقادها ملاذاتها الأخيرة.

وتعتقد هذه الدول أن استهداف حماس وإشغالها بنفسها يهيئ الساحة للسلام الإقليمي الذي دفع به نتنياهو لتطبيع العلاقات مع العرب بموازاة العمل على استيعاب الفلسطينيين في حلول ديمغرافية في سيناء والأردن ربما في ضوء موقف اليمين المتحالف مع نتنياهو برفض حل الدولتين! وقد يتطلب هذا شن حرب جديدة على قطاع غزة بتحريض من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومشاركة مصر في ذلك، والانطلاق بعد ذلك – وربما قبله- لتغيير وجه القيادة لإنهاء حالة حماس في المنطقة.

الخلاصة الأولى التي ينبغي أن يفهمها المغامرون والمتصهينون، أن سعارهم ضد الإسلام السياسي دليل على استمرار حيويته وقدرته على النهوض مرة ثانية.

والثانية أن الشعب الفلسطيني وقواه الفاعلة وفي مقدمتها حماس سيستعصيان على الكسر وإسرائيل ستجر العرب إلى حيث لا حل، ولن يحيق بهم في هذه الحالة إلا لعنات شعوبهم وانتفاضها ضدهم.

أما الثالثة فهي أن قطر لن تنكسر أمام هذه الأزمة وإن اضطرت لتقديم تنازلات، وستظل ظهرا وسندا للمظلومين كما تردد قيادتها.

ورغم احتضانها للقاعدة الأميركية فإنها تأخذ لنفسها خطا مستقلا وتقدم دروسا لدول كبيرة انبطحت واستسلمت للأميركيين وقدمت لهم الغالي والنفيس دون أن تقدم لهم انجازا – هي قادرة عليه- لا في اليمن ولا في غيرها، فقد قالها ترامب إنه لن يحل محل هذه الدول في مواجهة إيران!!
1
التعليقات (1)
وليد الخطيب
السبت، 10-06-2017 04:05 م
لم يتعرض المقال رغم روعته للجانب الاقتصادي وأثره في تحريك ترامب.. ومدى صدق القول بأن رفض قطر دفع الجزية لأمريكا كان الدافع الأقوى اتساع الأحداث الأخيرة.. شكرا لكم