كتاب عربي 21

"تبيليك" ليس مكافحة الفساد.. ضرب الأمن القومي ليس حمايته

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
أصبح عنوان حملة "الاعتقالات الإدارية" والإيقافات التي أطلقها رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد منفتحا على محورين، الأول "مكافحة الفساد"، والثاني "حماية الأمن القومي".

لكن ما نشهده في الواقع هو استتباعات صراع داخلي في حزب السبسي، يتعلق بعقلية قديمة ومتخلفة في ضرب الفساد بشكل انتقائي وفي انكشاف تورط حزب الحكم في ضرب الامن القومي. 

ضرب الفساد في ظل حكم الفساد ليس امرا جديدا في تاريخ تونس. لدينا مصطلحان خاصان في العامية التونسية يعكسان هذا الوضع: "تركوه" (من "التتريك" وهي غير "التتريك" في المشرق وكلنها تشير الى العصر الحاكم "التركي" العثماني وطريقته في الحكم) و"بيلكوه" (من "التبيليك" ومن "البايليك" العثماني) بمعنى مصادرة الدولة الفاسدة لاموال طرف اصبح عبئا عليها. 

وهنا يتم ضرب الفساد لكن بغاية دعم منظومة فساد اشمل. ضرب فاسدين اصبحوا عبئا على منظومة الفساد العامة والتضحية بهم لضمان استمرارية منظومة فساد تواجه حالة اهتراء ومواجهة وانقاذها من تلك الحالة خاصة اذا تزايدت التحركات الشعبية المصممة على فضحها وانهائها (بن غذاهم/الكامور).

مكافحة الفساد في اطار ديمقراطي حقيقي اي شفاف وغير انتقائي لم تبدأ بعد. فالسبسي ينتمي لعقلية "التتريك" و"التبيليك" وليس لعقلية مكافحة الفساد العصرية القائمة على أساس الشفافية وعدم الانتقائية. 

ومن الواضح ان الفساد الرئيسي المعطل للتنمية والاستثمار الخاص يكمن في منظومة الزبونية التي تمنع نشأة ونمو استثمار خاص فعال متطور وهي منظومة قائمة مع استقرار الاستبداد العصري مع دولة الاستقلال.

وقد تعرض تقرير سنة 2016 والذي تم نشره اخيرا عن التنمية البشرية في المنطقة العربية الى هذه النقطة تحديدا: "مساهمة الاستثمار الخاص في النمو في المنطقة من بين أدنى المعدلات في العالم".

وذلك هو الوضع القائمة خاصة لأن رجال الأعمال يواجهون باستمرار تعطيلا للمنافسة والممارسات التي تفضل الشركات القائمة أو الكبيرة على حساب المستثمرين الجدد، والأعمال التجارية الصغيرة ورجال الأعمال الشباب.

هذه الممارسات تتجاوز الفساد الانتهازي؛ انها تعكس التحالف الهيكلي العميق بين السياسة والاقتصاد ومصالح النخب بغاية تأمين مصالحهم الاقتصادية.

معطيات حديثة تكشف كيف ترتبط الشركات بالنظم السابقة في مصر وتونس حيث يتم منح امتيازات أو أعمال مزايا لبعض النخب بشكل انتقائي. في مصر، على سبيل المثال، 71 في المئة من الشركات هي ذات صلة سياسيا وتعمل في قطاعات تحميها حواجز الاستيراد.

وبالمثل، في تونس، 64 في المئة ذات صلة سياسيا ولكن 36 في المئة فقط من الشركات غير المحمية تعمل في قطاعات أجنبية مباشرة.

من جهة أخرى واذ تعلقت تهم بعض المعتقلين بتهديد "الامن القومي" خاصة احد اهم ممولي حزب السبسي، شفيق جراية، والذي ارتبط اسمه بمنظومة "الطرابلسية" قبل الثورة، والى الان لم تصدر اي معطيات رسمية حول اسس هذه التهمة الخطيرة التي تتعلق "بوضع النفس تحت امرة جيش اجنبي".

لكن رشحت بعض التسريبات التي تشير بالتحديد للملف الليبي وهو ما ورد مثلا في النشرية الفرنسية "جون افريك" بتاريخ 20 ماي 2017: "وقال مصدر مقرب من يوسف الشاهد إن نطاق التدخل وقائمة الأهداف وضعت منذ أربعة أشهر... وتسبب سفر الجراية الى جنيف يوم 18 مايو [اين التقى الليبي عبد الحكيم بلحاج، الحاكم العسكري السابق لطرابلس] بتسريع عملية الاعتقال. هذه الحالة تتعلق التهريب والأمن القومي، مع شكوك قوية في الاتجار بالأسلحة". 

وفي ذات الاسبوع كشفت احد نائبات الحزب عما ورد في اجتماعات اخيرة لقيادة حزب السبسي حيث قالت انه تم تداول معطيات "تمس بالامن القومي".

وأدت تصريحاتها الى طردها من الكتلة البرلمانية للحزب. وللتذكير فقط تم تداول معطيات منذ ما يزيد عن العام عن صراع بين ممثل الحزب وابن الرئيس السبسي ومدير الامن السابق حيث تم اتهام الاخير من قبل قيادات الحزب بالتجسس على ابن السبسي، في حين اشارت تسريبات انذاك ان الاستعلامات التونسية كتبت تقارير عن ابن السبسي في سياق مراقبتها لمشبوهين بالتجسس (ملحق عسكري لدولة اوروبية) وايضا بسبب لقائه لقيادات ليبية عسكرية بوساطة من الجراية. 

من الواضح ان حزب السبسي متورط في ضرب الامن القومي وفي التهريب ومن ثمة حتى التماس مع الارهاب، وهي ذات الاتهامات التي كالها السبسي لخصومه في حملته الانتخابية.

وفي كل الحالات وبمعزل عن دقة هذه الاتهامات فان ما يقوم به رئيس الحكومة من استهداف انتقائي وتوظيف للملف الليبي في هذا الصراع الداخلي بين اوساط حزب الحكم هو في ذاته تهديد للامن القومي. 

في المقابل وفي هذا السياق لا يقوم الرئيس ورئيس حكومته بمسائل دنيا وبسيطة في حماية البلاد ومواطنيها. اخر المؤشرات على ذلك اختطاف ارهابيين لشقيق راعي الاغنام الذي ذبحه الارهابيون الصيف الماضي الشهيد السلطاني.

وكان شقيق الشهيد السلطاني وابن عمه طالبا حماية اهالي السلاطنية من آفتي الارهاب والفقر لدى استقبالهما من قبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بقصر قرطاج بتاريخ 17 نوفمبر 2015.

وقد وعد السبسي آنذاك عائلة الشهيد بحلول تخفف من حدة الخوف من الارهاب وتحسّن وضع عائلة الشهيد. ومثلما ذكرت بعض التقارير: "جدير بالذكر أن عائلة الشهيد وجهت عدة نداءات استغاثة لحمايتها من الجماعات الارهابية وكان شقيق الشهيد السلطاني قد طالب السلطات في 2015 عبر اذاعة قفصة بضرورة ايجاد حلول لوضعهم الصعب مقترحا نقلهم الى ولاية أخرى مثل صفاقس أو قابس للتوقي من مخاطر الارهاب".

0
التعليقات (0)