كتاب عربي 21

التنظيمات الجهادية تخسر المعركة في تونس

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
يصاب المرء أحيانا بالذهول عندما يحاول أن يفهم البنية النفسية والعقلية لبعض من يطلقون على أنفسهم لقب "المجاهدين" عندما يرتكبون جرائم تقشعر منها الأبدان ولا تبررها إلا شريعة الغاب، ولا يقدم على القيام بها إلا من فقد إنسانيته وتحول إلى حيوان أو شيطان.

في تونس توجد عائلة فقيرة جدا، لها ولدان يرعيان الأغنام. قبل حوالي السنتين قامت خلية إرهابية باختطاف أحدهما واسمه مبروك السلطاني وكان سنه 16 عاما، عذبته ثم ألقت بجثته بعد أن قطعت رأسه وأرسلته إلى والدته التي تقدمت في السن وفقدت بصرها منذ فترة طويلة. 

بعد الرجة التي خلفتها تلك الحادثة المؤلمة والفظيعة، عادت نفس المجموعة أو أخرى من نفس السلالة وقامت باختطاف شقيق الضحية واسمه خليفة، وألحقته به بعد أن شوهت جسمه!

كيف يمكن تفسير هذه الدرجة من التوحش؟ وكيف يمكن إيجاد مبرر ديني أو سياسي لها؟

التهمة التي استند عليها الإرهابيون لتبرير الجريمتين هي اتهام الشقيقين بكونهما قد قدما معلومات إلى الجيش والأجهزة الأمنية عن تحركات هذه العناصر الخارجة عن الدولة.

ولنفترض أن هذه الادعاءات صحيحة كما نفترض جدلا أن التعامل مع أجهزة الدولة في ظروف الحرب على الإرهاب بهدف حماية الوطن يعتبر جريمة كما يزعم هؤلاء، هل يعتبر ذلك كافيا لقطع رأس طفل وتشويه شقيقه بعد قتله؟

يتحدثون عن الجهاد وكثير منهم لا يعرفون كنهه ولا يحترمون ضوابطه ولا يتقيدون بأخلاقياته ولا يستحضرون معانيه ودوافعه.

لا يفقه هؤلاء الفوارق الجوهرية والكبرى بين الموت في سبيل الله وبين جرائم القتل العمد الذي لا يستند لأي شريعة أو فقه. وهنا يصبح البحث عن العوامل التي يمكن أن تساعد على تفسير الكيفية التي يتحول بها شباب إلى مجرمين محترفين وهl يظنون بأنهم ينفذون شرع الله، ويتوهمون بكونهم يقومون بالدفاع عن دينه وقيمه.

قتل راعيين فقيرين لا يعتبر إنجازا لا من الزاوية العسكرية ولا من الناحية السياسية. على عكس ما يتوهم هؤلاء، فإن الرسالة التي بلغوها للتونسيين ولأجهزة الأمن تفيد بكونهم يعانون من أزمة أخلاقية حادة ستزيد من تعميق الفجوة بينهم وبين عموم المواطنين. 

كما أنهم بفعلتهم هذه، التنظيمات التي تصف نفسها بـ "السلفية الجهادية" قد خسرت المعركة بما في ذلك تنظيم "أنصار الشريعة" أو "تنظيم الدولة". لقد انهار هذان التنظيمان على الصعيد المحلي بشكل ملحوظ، وفقدا القدرة على المبادرة العسكرية بعد سلسلة الخسائر التي سجلت في صفوف هذه التنظيمات خلال الأشهر الأخيرة.

صحيح أن شبكات تسفير بعض الشباب لا تزال نشيطة نحو بؤر التوتر، لكن ذلك لا يعكس بالضرورة أن هذه التنظيمات لم تتأثر بما يجري داخل تونس وخارجها. فكما أن الرغبة في الالتحاق بليبيا وسوريا مستمرة، فإنه في المقابل تمت ملاحظة عودة المئات من الذين ذهبوا إلى هناك، والذين صدموا بما شاهدوه وعايشوه فقرروا أن يعودوا إلى بلدهم ويسلموا أنفسهم إلى القضاء التونسي عساهم بذلك يكفرون عن خطئهم ويستعيدون دفء العائلة والوطن.

لقد كسرت شوكة هذه التنظيمات بعد إفشال مخططها الذي حاولت تنفيذه عندما دفعت بعناصرها نحو السيطرة على مدينة بنغردان الواقعة على الحدود مع ليبيا. لقد قضت تلك الهزيمة على حلم الغزو المنظم عبر الحدود. 

وتثبت الأرقام أن هذه الجماعات خسرت الكثير من كوادرها الأساسية ومن عناصرها القيادية. لقد قتل الكثير منهم في مختلف المعارك الجارية حاليا في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وسابقا في مالي. 

لقد أصبحت هذه الجماعات المسلحة في حالة دفاع بعد أن كانت في حالة هجوم، ومن التوسع والانتشار انتقلت إلى وضع الانحسار والتقوقع والبحث عن مخارج لتخفف من حدة الحصار الذي تواجهه في مختلف المواقع التي سبق لها أن سيطرت عليها.

لا يعني ذلك أن خطر هذه الجماعات قد زال نهائيا، أو أنها لم تعد تشكل مصدرا للقلق. إن كل حامل سلاح أو مسكون بفكر تكفيري يبقى خطرا على الأمن القومي. لكن في تونس تحديدا يمكن القول بأن هذه الجماعات بمختلف ألوانها وتشكيلاتها قد أنهكت، وهي تبحث حاليا عن صياغة خطط جديدة، لكنها أصبحت تفتقر لعناصر قيادية تتمتع بالسلطة المعنوية والتاريخية. 

وهي العناصر التي غادرت تونس منذ فترة في محاولة منها للاستعداد والتجنيد والتعبئة، لكنها فوجئت بالمتغيرات السريعة الجارية داخل الدول التي لجأت إليها، ولم تعد قادرة على إدارة الشأن التونسي من بعيد. 

ولهذا السبب تحاول أن تثبت وجودها من حين إلى آخر بعمليات بسيطة ومحدودة، حتى لو كان ضحاياها رعاة أغنام صغارا وفقراء.. إنها علامات إفلاس لا علاقة لها بالقوة والشجاعة والشهامة.

0
التعليقات (0)