كتاب عربي 21

الحرب على الفساد أم حرب ارستقراطية الفساد على حثالته؟

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
انتظرنا تصريح رئيس الحكومة يوم الاربعاء مساء لتقديم حد ادنى من التوضيحات حول حملة الاعتقالات الادارية التي بدأت ليلة الثلاثاء 23 ماي لمشتبه بهم في الفساد لا يمكن الا الترحيب بالتحقيق معهم واثارة ملفاتهم عبر القضاء. لكن تصريحه بدى مقتضبا جدا ودعائيا ولم يقدم اي توضيحات. 

وكان علينا انتظار اول بلاغ رسمي فقط  لوزارة الداخلية يوم الخميس الذي ورد فيه: "بأنّه عملا بقانون الطوارئ وخاصّة الفصل 5 من الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 الذي "خوّل وضع أيّ شخص يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معيّنة"، تمّ إتخاذ قرارات في الإقامة الجبرية في شأن عدد من الأشخاص على أساس ما توفّر من معطيات تثبت إرتكابهم لخروقات من شأنها المساس الخطير بالأمن والنظام العامين، وهذا إجراء ذو صبغة تحفظية ومحدّد في الزمن أملته الضرورة في إطار حماية الأمن العام ومكافحة الفساد، وينتهي بانتهاء حالة الطوارئ. كما تؤكّد الوزارة على حرصها على التقيّد بالضمانات المكفولة للأشخاص المعنيين بمقتضى الدستور والتشريع النافذ خاصّة من حيث توفير ظروف الإقامة الملائمة والإحاطة الصحية اللازمة". 

وهنا ثلاثة نقاط اساسية تجلب الانتباه في اول بلاغ رسمي: أولا، التسريبات اشارت الى ان فرقة عسكرية مختصة قامت بالايقافات في حين ان اول بلاغ صدر عن وزارة الداخلية وليس وزارة الدفاع، ثانيا تكييف الاتهام يتعلق بالمستوى الامني وليس مكافحة الفساد، ثالثا واخيرا هو تحديد اجل لانتهاء الاعتقال الاداري اي بداية جويلية 2017 اي تاريخ انتهاء حالة الطوارئ. 

رغم ذلك لا يمكن الا دعم اي خطوة تستهدف اي مشتبه بهم في الفساد وهو ما يبدو ان الحكومة تقوم به بين الامس واليوم. وللتذكير عدد من الموقوفين كانوا يستهدفوننا كلما اثرنا اسماءهم. احدهم سخر ماكينته الاعلامية البصرية والورقية لاستهدافي شخصيا وقدمت قضية ضد احد صحفه الصفراء على اساس الثلب. في المقابل دعم هؤلاء ومولوا احزابا في السلطة وشقوقا منها ونوابا في البرلمان وبشكل علني. 

يبقى ان مكافحة الفساد يجب ان تكون ضمن اساسيات مبادئ مكافحة الفساد بما في ذلك وخاصة مبدأ الشفافية واعتماد القانون. بن علي نفسه ضرب مشتبه بهم في الفساد منهم كمال اللطيف وسط التسعينات لكن فقط في اطار صراع اجنحة في عائلة الفساد الكبيرة وتقاسم المغانم. يجب على رئيس الحكومة، وسنتعامل معه كممثل للدولة وليس كممثل حزب خصم، ان يقدم الضمانات التي توضح انه ليس بصدد صراع اجنحة من النوع المعاكس. وضروري الاشارة هنا الى قائمة تضم اكثر من ثلاثمائة اسم حددتها لجنة المصادرة ولاتزال تنتظر الحسم. هذا عدى عن عديد القضايا التي قدمتها مختلف الاطراف سواء حكومية او مدنية منذ سنوات ولا تزال تنتظر الحسم. 

الخوف اننا بصدد حرب على احد شقوق الفساد وليس على الفساد بكليته. التركيز في الايقافات حتى الان هو على "المهربين" دون المشتبه بهم بالفساد من المهيمنين على الاقتصاد الرسمي. فطبقة الفساد التي تشكل المنظومة القديمة التي واصلت هيمنتها وعمقتها بعد الثورة تنقسم الي فئتين: اولى مدينية وتقليدية فسادها مرتبط باليات وتقنيات دقيقة جذورها قوية في الدولة العميقة تتعلق خاصة باحتكار طلبات العروض واليات القروض، والاخرى طارئة وظهورها اكثر شعبوية وطرقها وتقنياتها مكشوفة وتتعلق بطبقة مهربين أو "كناترية". سأسمي الاولى ارستقراطية الفساد والثانية حثالته، على وزن التعبير الماركسي حول "حثالة البروليتاريا". وهناك خلفيات جهوية ايضا لهذه التركيبة أتى على جزء منها تقرير "مجموعة الازمات الدولية" الذي صدر منذ اسبوعين. 

للتذكير حزب رئيس الحكومة اي حزب نداء تونس هو الذي دفع بشكل حثيث من اجل تمرير قانون تطبيع الفساد المسمى بالمصالحة. وتم تأجيل مناقشته بدون اجل بداية الاسبوع قبل استئناف عرضه حيث سيتم مناقشته اخر الشهر. حيث ورد في بلاغ رسمي: "تجتمع لجنة التشريع العام يومي الاربعاء 31 ماي و الخميس غرة جوان 2017 على الساعة التاسعة صباحا لمواصلة النظر في مشروع القانون الأساسي عدد 2015/49 المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الإقتصادي و المالي." ويعود هذا الارتباك في سياق تصاعد الغضب الشعبي ضد هذه الحكومة في ملف مكافحة الفساد. وهناك من يمكن ان يرى في الايقافات التحفظية الحالية مقدمة لايجاد مخرج قانوني في مشروع قانون "المصالحة" حيث يمكن الالتجاء الى احكام صلح بشكل سريع كما يضمنها مشروع القانون بما يرضي الذئب والراعي وادعاء ان حملة الايقافات وقانون السبسي ادت الى تمويل الدولة بمبالغ مالية كبيرة ويقع غلق كل الملفات بدون اي شفافية. 

الجانب الاخر هنا هو التسريبات، خاصة في نشرية "Maghreb Confidentiel" في شهر افريل الماضي، حول نوايا عدد من المؤثرين من هؤلاء المشتبه بهم في الفساد خاصة في حزب الحكم يعدون لتغيير رئيس الحكومة الحالي بعد شهر رمضان وتعويضه باحد وزرائه تحديدا فاضل عبد الكافي وان ما يتم يأتي في اطار صراع الحكم الحالي. 

للتذكير ايضا وحتى لا ننسى: تم قمع دموي في تطاوين لمعتصمين تصرفوا بسلمية بالغة وتعرضوا لمحاولات اختراق متواصلة. لم تقدم الحكومة اي توضيحات حول التحقيق في ذلك وخاصة في دهس المواطن انور السكرافي.

#الرخ_لا ضد الفساد ومن اجل تفعيل الفصل 13 وسيادة الشعب على ثرواته الطبيعية خاصة عبر مبدأ الشفافية. فلولا هؤلاء الشباب اليقظ والمجتمع المدني الحي لما امكن جعل مكافحة الفساد قضية اساسية. نقف اجلالا لهم. فأثر الشهيد انور السكرافي على تفعيل مكافحة الفساد ربما يفوق اثر اي جهاز رقابي حكومي. 
التعليقات (0)