كتاب عربي 21

سر قوة العادلي.. هل لأنه تنصت على السيسي؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
وكأنه "فص ملح وذاب"، فلم يكد يصدر الحكم بسجن اللواء حبيب العادلي، أكثر وزراء الداخلية إجراماً في عهد مبارك، حتى بدا كما لو أن الأرض انشقت وابتلعته!

بيان لوزارة الداخلية أضحك الثكالى، وقد جاء فيه أن الوزارة عندما علمت بمرض الوزير السابق، وترامي إلى الأسماع أنه في أحد المستشفيات للعلاج من جلطة أصابته بعد صدور الحكم، فقد دفعت بقواتها لمداهمة غرف العناية المركزة بالمستشفيات في طول القطر المصري، فلم تتمكن من التوصل إليه!

حبيب العادلي، ليس واحداً من آحاد الناس، حتى يمكنه الهرب دون علم أهل الحكم بذلك، فقد كان رهن الحبس التحفظي في بيته، ثم أنه وبحكم كونه وزيراً سابقاً للداخلية وقد تعرض لمحاولة اغتيال، فإن على منزله حراسة أمنية مشددة، وعندما يقال أنه هرب، وأن الوزارة المكلفة بحراسته لم تتمكن من العثور عليه، فإن هذه الدفوع الفكاهية لا تقنع أي "صريخ ابن يومين"، ولا تستر العورات التي تبدت للناظرين، فالشاهد أن هناك تستر على هارب من العدالة، وهو ذاته الاتهام، الذي استخدموه ذريعة، لاقتحام نقابة الصحفيين  في سابقة هى الأولى من نوعها، وقالوا أن هذا الإجراء اتخذ لأن مجلس النقابة قام بإيواء هاربين من العدالة، وقيل بعدها "يا داهية دقي" إذ تم تقديم نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة للمحاكمة لذلك، وصدر الحكم بالإدانة لأنهم قاموا بإيواء من هم مطلوبين للعدالة!

الصحفيان لم تتم إدانتهما بحكم قضائي في قضية فساد كما حبيب العادلي، فقد احتميا بنقابتهما من قرار جائر، يقضي بضبطهما وإحضارهما في قضية نشر، لا يجوز فيها الحبس الاحتياطي ومن ثم لا يجوز أن يصدر قرار فيها بالضبط والإحضار، وقد ذكرا أنهم عندما اعتصموا في النقابة كان استنكاراً لقيام قوات الأمن باقتحام منزلهما، ولم يعلما حتى اقتحام النقابة والقبض عليهما بصدور قرار الضبط والإحضار، ومع ذلك جرى ما جرى، وتم اتهام النقيب وعضوي المجلس بالتستر على مطلوبين للعدالة!

العادلي، صدر ضده حكم واجب النفاذ بالسجن سبع سنوات، في قضية فساد، ومن هنا فإن عدم اقتياده للسجن، إنما يمثل ذات الاتهام الذي وجه لنقيب الصحفيين وعضوي مجلس النقابة، وهو التستر على مجرم بمقتضى حكم قضائي، والأمر هنا أكبر من وزارة الداخلية ووزيرها الذي ليس أكثر هنا من "عبد المأمور"، فالمتهم الأول هو عبد الفتاح السيسي بصفته وشخصه، ومعذرة لمن عندهم حساسية تجاه صفته هذه، فهو هنا تسري عليه "نظرية الموظف الفعلي" في القانون!

حماية المجلس العسكر لسدنة النظام البائد كانت معلومة منه بالضرورة، ومنذ اليوم الأول له، وهو يتحين الفرصة للإفراج عنهم، ولم تكن هذه الفرصة مواتية إلا بأحكام الإفراج تحت تهديد السلاح للثوار بعد الانقلاب العسكري، وكان "العادلي" ممن حصلوا على البراءة في القضية الأهم وهى قتل المتظاهرين، لكن مع هذا فإن للسيسي حسابات أخرى، ففي حالة مبارك وأنجاله فقد كان الحكم  بإدانتهم في قضية القصور الرئاسية، الهدف منه وضع "عتبة قانونية" مانعة لنجليه من الترشح، وليوقف به الطموح السياسي لجمال مبارك، بعد أن خرجا من السجن، وقاما بأدوار اجتماعية لم يقوما بها من قبل، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها.

أما في حالة حبيب العادلي، فإن أموال وزارة الداخلية المتهم بالاستيلاء عليها، تدفع لطمع هذا المترقب لكل ما في أيدي الناس، وحديثه وسكرتيره عن "الرز المتلتل" في دول الخليج كاشف عن نفسيته، ومستوى تفكيره. وقد أصدر قانونا للتصالح مع الفاسدين، مقابل رد جزء مما نهبوه، فيحموا أنفسهم من العقوبة، وإلى الآن لا نعرف حجم هذه الأموال، وهل دخلت الموازنة العامة للدولة، أم نقلت إلى حسابات خاصة، كشفت التسريبات الخاصة بحواره مع سكرتيره عن وجودها!

والمعنى، أنه كان بإمكان حبيب العادلي، أن يُنهي هذه القضية بالمصالحة، فمن أين يستمد القوة في عدم اللجوء لهذا الخيار، ويبدو الحكم بسجنه وإدانته تنفيذاً لسياسة "عض الإصبع"، ليبقى السؤال: لماذا تقدم بالاستشكال على هذا الحكم إذا كانت النية معقودة على عدم حضوره لجلسة نظره، وهل كانت هناك تسوية للموقف مع "الموظف الفعلي"، ولم يكلل الأمر بالنجاح؟، ومرة أخرى نعود للتساؤل عن قوة حبيب العادلي التي تجعله وهو المدان بحكم قضائي يرفض النزول على المطلوب منه تسوية لموقفه؟!

علاقة وزير داخلية مبارك بالمجلس العسكري يكتنفها الغموض والالتباس، ففي ظل حكم مبارك، لم يكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يملك من أمر نفسه شيئاً، ولهذا غادر مبارك الحكم ولم يهتم باستكمال تشكيله وفقاً للقانون، وكانت تقارير أمن الدولة هى المعتمدة لدى مبارك، في ترقية ضباط الجيش أو إحالتهم للاستيداع، مع أن القانون يجعل هذا من مهام التحريات العسكرية!

وقبل هذا وبعده، فلم يعد سراً أن هواتف ضباط الجيش الكبار وأعضاء المجلس العسكري بمن فيهم وزير الداخلية كانت تحت رقابة وزارة الداخلية، التي كانت ترصد حياتهم الخاصة والعامة وبعلمهم، لكنهم مع هذا لم يكونوا يملكون حق الاعتراض، وعندما قامت الثورة، وتخلى مبارك عن الحكم، فإن شغل القوم الشاغل هو الحصول على تقاريرهم وتسجيلاتهم، فكانت عملية اقتحام مقار أمن الدولة، تحت غطاء الثوار، بعد أن جرى استدعاؤهم بعنوان لافت يتمثل في أن ضباط أمن الدولة يتخلصون من المستندات بإحراقها، وتملك الثوار الإحساس بالانتصار، ولم يعلموا أنهم لم يكونوا أكثر من غطاء، كما تم استخدامهم بعد ذلك غطاء للانقلاب العسكري في (30) يونيو 2013، ومن شارك في الحادثتين هم مغررا بهم!.. وكان الضباط يعرفون من أين جاءتهم الضربة فلم يطالبوا بحماية الجيش وإنما طلبوا الحماية من قيادات الإخوان..وحلمي الجزار حي يرزق!

اللافت، أنه في اليوم التالي لجمعة الغضب (السبت 29يناير 2011) أن الثوار أحاطوا بمنى وزارة الداخلية، وتم إخراج حبيب العادلي منها في مصفحة تابعة للجيش إلى منزله، وكان دعاية المجلس العسكري التي تم تسريبها للصحف أن العادلي قيد التحفظ، مع خلاف بسيط فبينما نشرت بعض الصحف أنه في مبنى المخابرات الحربية، فإن بعضها نشر أنه في السجن، وبعد أكثر من شهر استيقظ الرأي العام الثوري على ما نشرته جريدة "المصري اليوم" منسوباً لحبيب العادلي من أنه في بيته ويمارس حياته بشكل طبيعي! عندئذ لم يجد المجلس العسكري من سبيل إلا أن يقدمه للمحاكمة ويضمن له البراءة!

فما هو مصدر قوة حبيب العادلي، التي تجعل العسكر لا يقدمون على خطوة ضده، إلا بضغط ثوري!
عندما نعرف سر تستر المشير طنطاوي ومجلسه العسكري على العادلي بعد الثورة يمكننا الوقوف على سر تستر عبد الفتاح السيسي عليه بعد الانقلاب!
1
التعليقات (1)
خالد أبو حسين
الأحد، 28-05-2017 02:25 م
مقال رائع جدا