ملفات وتقارير

الأزمات العربية.. هل ضيقت خيارات الشعوب في الاحتجاج؟

المعارض المغربي احمد بن الصديق: لا يمكن التسرع في الحكم على نجاح الثورات العربية أو فشلها- أ ف ب
المعارض المغربي احمد بن الصديق: لا يمكن التسرع في الحكم على نجاح الثورات العربية أو فشلها- أ ف ب
شكلت الأزمات العربية الراهنة، التي تعصف بأكثر من بلد عربي، حالة حرجة أمام قوى الإصلاح، حيث بدت خيارات هذه القوى محدودة وضيقة، أمام حجم القلق الذي سببته الأزمات الراهنة، بحسب مراقبين.

ومع ذلك، فلا يمكن التسرع في الحكم على نجاح الثورات العربية أو فشلها، بحسب المعارض المغربي أحمد بن الصديق، الذي علل ذلك بقوله إن الثورات ظواهر تخضع لمنطق التاريخ، وزمن الدول، ودورة الحضارات التي لا تقاس بسنة وسنتين أو عقد وعقدين.

وأضاف لـ"عربي21" أن "الثورة الفرنسية استغرقت عشرات السنين، قبل أن يستوي النظام السياسي الديمقراطي على قدميه"، لافتا إلى أن "مارتن لوثر الذي أطلق عملية الإصلاح الديني في العالم المسيحي عام 1517، لم يكن يدور في خلده أن تداعيات مبادرته ستنتج انقساما كبيرا، وسينشأ من رحمها المذهب البروتستاني الرافض لسلطة الكنيسة الكاثوليكية، التي كانت تهيمن على البلاد والعباد في أوروبا".

مفعول تراكمي


وأكد ابن الصديق أن "التصدي للفساد والاستبداد يتطلب تضحيات جساما، ونفسا طويلا، وسلاحا قويا يتمثل في الوعي الذي يفرز المواطن الواعي بمواطنته، والمتشبث بقيم الحرية والثقافة والديمقراطية، المستعد لممارستها بصفتها خير ما اهتدى إليه الجنس البشري".

وحول جدوى الاحتجاجات "الخجولة" التي تقام في الشارع العربي، قال: "ليس هناك احتجاج خجول؛ لأن الاحتجاج يعطي مفعوله بشكل تراكمي"، مشددا على أن "الشعوب لها ذاكرتها التي ترصد وتسجل ذلك التراكم، والاحتجاج  ضد تعسف محافظ إقليم أو مدير مؤسسة فاسد، يعززه ويقويه الاحتجاج ضد وزير فاشل، أو رئيس وزراء لا كفاءة له، أو رئيس دولة -ملكا كان أو رئيس جمهورية- لا يقدر الأمانة حق قدرها، واحتداد الفرد يغذي احتجاج الجماعة، كالقرية أو المدينة أو الطائفة المهنية".

وخلص ابن الصديق إلى القول بأن "الخيار الأول أمام الشعوب في مواجهة ما يحدث هو عدم اليأس من إمكانية الانتصار على الفساد والاستبداد، طال الزمن أم قصر".

الأمن.. الفكرة الأهم

من جهتها، قالت النائبة الأردنية السابقة، السفيرة لدى منظمة السلام للإغاثة وحقوق الإنسان الدولية، أدب السعود، إن العقد الأول من القرن الـ21 الذي وصف بعقد الإصلاح، أثبتت التجارب أن إصلاحاته كانت شكلية، ولم ترتقِ إلى مستوى طموحات الشعوب العربية، ما أدى إلى انطلاق شرارة الاحتجاجات التي نعيش اليوم مخاضاتها القاسية والدموية.

وأضافت لـ"عربي21" أنه "على الرغم من قسوة هذه الاحتجاجات، التي تحولت إلى أزمات صلبة أودت ببعض الأنظمة، إلا أنها لم تحقق شيئا"، لافتة إلى أن "الفساد لم يزل خارج نطاق المعالجة، بالرغم من كثرة الحديث عن مكافحته. ولم يتم التغاضي فقط عن حالات فساد كبرى سابقة، بل ما زال السلوك العام غير نقي، وما زال بعض المشتبه بهم في قضايا فساد يتداولون مواقع صنع القرار".

واعتبرت أن "التشكيك في أجندة المطالبين بالإصلاح كان سببا حاسما في خفوت الأصوات الإصلاحية"، مشيرة إلى أن "الخيار الوحيد المتاح أمام الشعوب ينحصر في التركيز على مسألة الأمن؛ وذلك خشية الانهيار السياسي، وغياب مفهوم الدولة، الذي إنْ غاب فلن يكون للحراكات أو المطالبات الإصلاحية مهما كان شكلها أي معنى".

تحرير العقل والحل الثقافي

أما الباحث الأردني المتخصص في الفكر السياسي، نياز المجالي، فرأى أن تراجع زخم إرادة التغيير، وانتكاس الروح التفاؤلية، جاء نتيجة الأثمان والكلف الباهظة المدفوعة شعبيا، وحالة الانكشاف والعجز في العلاقة بين الدولة والمجتمع.

وقال لـ"عربي 21" إن "سؤال الحرية والعدالة كشف هشاشة الكتلة الديمقراطية، التي لم تستطع إنتاج القيم الكبرى وأنماط السلوك ذات العمق الثقافي"، مشيرا إلى أن "الديمقراطية العربية الوليدة لم تتحصن الحصانة الذاتية، ولم يتم تجذيرها في العمق الاجتماعي، ما أعاد إنتاج الاستبداد والاحتكار السياسي.

وأضاف أن "الدولة تمارس الاسترخاء في ضمانتها للعدالة، ما خلق مؤسسات مشوهة، واختلالات وعمليات تجريف واسعة للثروة، وإعادة تركيزها بشكل عمودي لصالح طبقات الأقلية الحاكمة".

وأوضح المجالي أن "سؤال الخيارات العربية مطروح ضمن الأسئلة الواخزة والحارقة عربيا، الأمر الذي يستنهض مشروع تحرير العقل والضمير والوجدان؛ لإدراك قيمة الحل الثقافي في العلاقة بين السلطة والمجتمع، وإعادة إنتاج التاريخ، والخروج من حالة السيولة السياسية"، حسب تعبيره.
التعليقات (0)